دأب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي على إستشارة الصادق شعبان في العديد من المسائل السياسية والقانونية، وفي أحد لقاءاته به تطرق الحديث إلى أشكال الأنظمة السياسية، فوجد الصادق شعبان الفرصة مواتية ليبدي رأيه في مسألة طالما شغلته و لم يكن يتصور أن نكون ردة فعل بن علي عنيفة وقاسية…
بقلم مصطفى عطية *
عرض الصادق شعبان يومها على الرئيس بن علي مقترحا تردد كثيرا في طرحه عليه لما يتضمنه من عناصر مثيرة للتأويلات، لكنه حمل شجاعته بين كفيه، كما يقول المثل الفرنسي، وأفاد الرئيس بأن النظام البرلماني هو الأكثر ملاءمة للأوضاع التونسية المستقرة بوجود حزب حاكم قوي وصلاحيات رئاسية واسعة، مقترحا أن يتم تنقيح الدستور لتشريع النظام البرلماني على أن يبقى الرئيس ماسكا بأهم السلط التي يكفلها له الدستور المنقح.
نظر بن علي إلى الصادق شعبان طويلا ثم انتصب واقفا ومد له يده مودعا وصوته الأجش يردد بحزم : “أحذرك من إعادة طرح هذا المقترح مجددا “.
عبد العزيز بن ضياء يلتف على فكرة الصادق شعبان
لم يكتف بن علي بذاك التحذير وأقال الصادق شعبان من منصبه الوزاري، وبعد مدة طويلة نسبيا دعاه لمقابلته وأفاده بأنه سيلقي خطابا في الإحتفال بعيد الشباب ولكنه لم يجد أفكارا هامة لتأثيث خطابه المنتظر، وطالبه بأن يقترح عليه ما يجول بخاطره من رؤى وتصورات ومشاريع قابلة للإنجاز وتخص الفئات الشبابية، أجابه الصادق شعبان بأن الظروف السائدة تحتم الإعلان عن انطلاق إستشارة شبابية مفتوحة ترصد مشاكل الشباب التونسي وطموحاته دون تدخل مباشر أو غير مباشر من السلط الحاكمة أو هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي والجمعيات والمنظمات التي تدور في فلكه.
أعجبت الفكرة الرئيس بن علي وقرر تبنيها والإعلان عنها في خطابه وكلفه بالإشراف على إنجازها.
سارع الصادق شعبان بتكوين الفريق الذي سينجز الإستشارة على المستويات المركزية والجهوية والمحلية، ولما انطلق في العمل إكتشف أن المرحوم عبد العزيز بن ضياء قد ٱلتف على المشروع وأمر الأمين العام للتجمع الهادي مهني بٱختارقه ومراقبة إنجازه .
بعد أشهر عديدة هاتف الرئيس بن علي الصادق شعبان سائلا عن مصير الإستشارة والمراحل التي قطعتها، فأجابه بأن المشروع لم يعد تحت إمرته بعد أن تكفل به الهادي مهني بأمر من عبد العزيز بن ضياء. غضب الرئيس وكال اللوم الشديد لعضده الأيمن متهما إياه بمخالفة أوامره داعيا إياه بكثير من الحزم إلى إعادة مسؤولية الإشراف على إنجاز الإستشارة إلى الصادق شعبان، وهو ما تم في الإبان ليعود الصادق شعبان إلى تفعيل مهام الفريق الذي كان قد عهد إليه بإنجاز كافة مراحل برنامج الإستشارة.
وفي أحد إجتماعات الحوار مع الشباب وسط فضاء معروف بالعاصمة تدخلت الفنانة سهام بلخوجة وهي تشير بسبابتها إلى الصورة الرسمية لرئيس الجمهورية زين العابدين بن علي، المعلقة على أحد جدران الفضاء وقالت : “مادامت هذه الصورة معلقة أمامي فلن أستطيع التحدث بكل حرية “، وأمام صمت وذهول الجميع بادر أحد الشبان الحاضرين بالرد عليها بقوله أن الصورة المثبتة في أعلى المنصة الرسمية تمثل رمزية الدولة وشرعيتها، في حين تسلل أحد المسؤولين عن الشباب بحزب التجمع، وهو الآن من أكثرة الولاة إثارة للجدل، وهاتف عبد العزيز بن ضياء ليشي بسهام بلخوجة في تأكيد منه على إن الحوار قد انحرف عن مساره !!! .تلقف عبد العزيز بن ضياء المعلومة ونقلها إلى الرئيس بن علي ساخنة في محاولة منه لوضع حد للإستشارة.
سمير العبيدي و “فرحة شباب تونس في العهد الجديد ”
مرت الأسابيع محملة بالوشايات والضغوطات، وقد تحلى بن علي بصبر أيوب في انتظار التقرير النهائي الذي سيلخص كل وقائع الإستشارة، وهو ما حصل في نهاية الأمر إذ تكفل الصادق شعبان بجمع تقارير اللجان وتلخيصها في تقرير نهائي شدد فيه على أهم المشاكل وأكثر المقترحات جرأة وقدمه إلى رئيس الجمهورية.
إطلع بن علي على التقرير فهاله ما تضمنه من حقائق مرعبة عن أوضاع الشباب التونسي وما كان منه إلا أن بعث به إلى عبد العزيز بن ضياء والهادي مهني لإبداء رأييهما فيه فٱتفقا على إفادة الرئيس بأنه “لا يمت لواقع شبابنا بصلة”!
دعا الرئيس بن علي الصادق شعبان وٱتهمه بتزوير الحقيقة وأن “شبابنا ليس في وضعية مزرية كتلك التي رسم ملامحها الكارثية التقرير الذي وضعه”.
تمسك الصادق شعبان بموقفه مؤكدا للرئيس بأنه نقل الحقيقة الموجعة بدقة كما وردت على ألسن الشبان الذي شاركوا في سلسلة الحوارات التي تم تنظيمها في كافة مناطق البلاد .
قال بن علي للصادق شعبان : “لنفترض أن كل ما جاء في التقرير صحيح… ولكن لا يمكن نشره ولا بد أن يقبر إلى الأبد”، ثم هاتف وزير الشباب والرياضة في تلك الفترة سمير العبيدي وأمره بإعداد تقرير حول الشباب !
لم يكن الأمر قد تطلب وقتا طويلا، فبعد أيام قليلة، كان التقرير الجديد بين أيدي الرئيس حاملا شعار “فرحة شباب تونس في العهد الجديد “. أما الصادق شعبان فقد تم تمديد بقائه في صفوف “المغضوب عليهم” !
* صحافي و كاتب.
مقالات سابقة في نفس السلسلة :
شارك رأيك