كلمات صادمة وغير مسؤولة صدرت عن النائب بمجلس الشعب فيصل التبيني في فيديو نشره أول أمس الجمعة 10 ماي 2019 توعد وهدد فيه رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالإعدام رميا بالرصاص في شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة في حال تمت المصادقة على إتفاقية التبادل الحر المعمق والشامل (الأليكا) مع الإتحاد الاوروبي.
بقلم سنيا البرينصي
كلمات صادمة بالفعل من نائب شعب يمثل السلطة التشريعية ويمثل شريحة مواطنية انتخبته، أو هكذا شاء له “ثوار” الساعة ال 25 الذين أتوا به وبأمثاله إلى المشهد ليفصل القوانين والتشريعات للشعب ويلقي بدلوه في أتون مسار كامل من فتاوى الجهل والحقد الطبقي والفئوي والجهوي والفكري تشهده البلاد منذ 8 سنوات… مسار سحيق من البغضاء والتباغض والحقد الأعمي فقدت خلاله البلاد البوصلة بسبب وجود نواب ومسؤولين وسياسيين بهكذا مستوى.
التبيني، الذي قيل إنه يمثل السلطة التشريعية ويمثل برلمانا مرّ من تحت قبته بناة ورموز وفطاحلة الدولة التونسية ومن كتبوا بالفكر والساعد والدماء تاريخ البلاد من الزعيم الحبيب بورقيبة إلى الجلولي فارس والهادي نويرة ومحمد مزالي ومحمد اليعلاوي والأزهر بوعوني ومحمد الناصر والقائمة تطول… هدد في صورة وصوله إلى الحكم رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالإعدام رميا بالرصاص، وهي لعمرنا سابقة خطيرة بل هي سابقة لم تسجل في تاريخ البلاد حكما ومعارضة.
التبيني في اخر إبداعات “الصعلكة” يهدد الشاهد بالإعدام رميا بالرصاص؟
فأن يهدد نائب يمثل السلطة التشريعية رئيس حكومة يمثله ويمثل جميع التونسيين بالإعدام رميا بالرصاص في الشارع هو أمر جلل وخطير في حال لم يكن هذا التهديد مزحة ثقيلة الظل أو صادرعن مختل المدارك العقلية الذي لا حرج عليه، ليس لأن رئيس الحكومة جهبذ ولم يرتكب أخطاء سياسية أو أخطاء في الحكم، بل لأنه شئنا أم أبينا يمثل الدولة ووجب إحترامه بصفته تلك على الأقل، وبناء على ما تفرضه الأخلاقيات.
التبيني “المغوار” والممضي للأسف على “تشريعات وقوانين” البلاد في هذا العهد الأغبر الذي تعيشه نسي أو تناسى أننا جميعا قد نختلف مع الشاهد أو مع غيره، بل أن السواد الأعظم من التونسيين تقريبا غير راضين عن أداء أغلب المسؤولين الذين جاءت بهم منظومة ما بعد 14 جانفي 2011، ولكن إنتقاد الشاهد وحكومته يجب أن تتم وفق ضوابط ونواميس سياسية وفكرية وأخلاقية محددة تأسيسا وتكريسا لأدوات الفعل السياسي الراقي والمسؤول.
أن تختلف مع الشاهد أو مع غيره أيها “التبيني” “الشجاع جدا” لا يعني أن تتحدث أو تمارس “الصعلكة” على منهاج
الشاعر الصعلوك تأبط شرا (إسمه الحقيقي ثابت بن جابر وترك أثرا أدبيا هاما يتمثل في مفضليته التي أوردها المفضل الضبي في كتابه “المفضليات”)، بل على الأقل أترك الأثر الطيب وأنت تخوض معاركك… خضها بشرف كما خاضها تأبط شرا.
أن تحقد على الشاهد وعلى أي رمز من رموز الدولة أيها “التبيني”، هذا شأنك ومن حقك، لكن هذا لا يعني مطلقا أن تهدده بالقتل رميا بالرصاص… ففي تونس دولة المؤسسات والقانون والأنوار، نحن لا نقتل معارضينا أو أعداءنا رميا بالرصاص أو بأي طريقة أخرى، بل نحن نلجأ إلى القانون كسلطة عليا لنعاقب ونحاكم من أخطأ في حقنا وفي حق البلاد.
في بلد يخوض حربا على الإرهاب: نائب بالبرلمان يهدد بقتل رئيس حكومة؟
في دولة الجمهورية، جمهورية الزعيم بورقيبة، نحن لا نلجأ إلى التصفيات الجسدية لإسكات من نختلف معهم أيها “التبيني”… نحن لا نطبق الإعدامات فحتى القانون يجيزها نظريا فقط ولا يطبقها منذ فترة التسعينات بالنظر إلى أن الدولة التونسية ملتزمة على المستوى الدولي بعدم تنفيذ هذه العقوبة.
هل قرأت أيها “التبيني” ما نص عليه المشرع التونسي بخصوص عقوبة الإعدام؟ وهل علمت أن القانون التونسي “يعاقب على 21 جريمة بالإعدام تتعلق بأمن الدولة الداخلي والخارجي، واحدة منها فقط متطابقة مع الشريعة الإسلامية وهي القتل العمد، أما بقية الجرائم فتتعلق بأمن الدولة الخارجي والداخلي والإعتداء على موظف عمومي والإغتصاب المصاحب باستعمال العنف والإعتداء بالعنف المرافق باستعمال السلاح أو التهديد به على قاض أثناء الجلسة، والخيانة المرتكبة من طرف العسكريين، والإستيلاء على سفينة بالعنف من كل ربان أو ضابط وتسليم السفينة إلى العدو من طرف أي عضو لطاقم السفينة، وتخريب السكة الحديدية أو إحداث خلل بها أو وضع أشياء أو القيام بأي فعل من شأنه إخراج الأرتال عن السكة والتسبب بذلك في وفاة شخص” ، فهل من تهدده بالتصفية رميا بالرصاص في الشارع إرتكب إحدى هذه الجرائم؟.
في المحصلة، نقول للنائب فيصل التبيني وأمثاله، من نواب هذا الزمن الرديء ممن تهيأ لهم، أو خيل إليهم، أنهم أصبحوا يقررون مصير البلاد، وهذه غاية لن ينالونها، إن أساليب وسياسات الشتم واللعن والثلب والتهديد والوعد والوعيد هي أسلحة العاجزين عن الإقناع والنقد والمحاججة بطريقة عقلية ومنهجية راقية تعكس المستوى العلمي والفكري والثقافي والأخلاقي لصاحبها.
هل فاتك أنه حتى المعارضة يجب أن تكون محترمة… واجه عدوك بشرف أيها التبيني، إن كنت من معارضي إتفاقية “الأليكا” وتعتبرها خطرا على الأمن الإقتصادي للبلاد، أسقطها بصفتك النيابية أو إلجأ إلى القضاء وارفع قضية بالشاهد وبالحكومة وبدول الإتحاد الأوروبي جمعاء إن أردت، لكن لا تهدد التونسيين، سواء كان رئيس حكومة، أو أي مواطن تونسي اخر مهما كانت صفته أو إنتماءاته السياسية بالقتل رميا بالرصاص في الشوارع…
تونس لم تكن يوما قروسطية أودموية وأبدا لن تكون تونس لم ولن يحكمها أو يقرر مصيرها كهنوت أو قتلة… لا مكان للقتل في بلادنا، نحن بلد يقاوم الإرهاب لا في الجبال فقط بل أيضا في العقول وفي الأفكار وفي السرائر والنوايا والمتلفظات اللغوية، ونحن دفعنا الثمن غاليا وسنظل ندفع غاليا حتى نكسب هذه الحرب.
إلى النائب فيصل التبيني: هذا الإهداء يليق بك…
“لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس.. كانت ربيبة نعمة ناقة ممتلئة لحما… مكتنزة شحما… دلوعة مغناج… لا يسومها إلا كابر عن كابر… تنقلت من زريبة عز إلى مثلها، لكن عدت عليها عوادي الأيام وألمت بها مدلهمات الخطوب فذاب شحمها واهترأ لحمها حتى عادت هيكلا عظميا يستره الجلد وبانت كلاها من على ظهرها وأصبحت تستدر عطف الشامتين… ووقف عليها من المفلسين مهترئ الجيوب ممن كان يستغني ببعرها لو وصل إليه… وقف ليسومها لأنها قد هزلت”.
تلك هي تونس في عهد المفلسين… فعلا هزلت.
شارك رأيك