يجب النهوض بشركة الخطوط التونسية العريقة لأنه ليس من المعقول أن تبقى تونس متخلفة في مجال النقل الجوي وتخسر الكثير سنويا في مجال السياحة، ففي عصر العولمة لن تكون الحمائية المفرطة هي مفتاح النجاة للشركة، فكما رأينا في السنوات الفارطة، لا توجد إتفاقية السماء المفتوحة وبالرغم من ذلك الشركة على أبواب الإفلاس.
بقلم فوزي عبيدي
تعتبر شركة الطيران الحكومية الخطوط التونسية أقدم شركة تونسية وقع تأسيسها قبل الإستقلال، حيث تأسست يوم 21 أكتوبر 1948، وكان قد أطلق عليها آنذاك اسم Tunisair ، برأس مال قدره 60 مليون فرنك فرنسي ساهم فيه كل من الحكومة التونسية وشركة الخطوط الفرنسية، فشعار الغزالة التونسية على جناحي الطائرة كان يتنقل بين بلدان العالم حتى قبل إعتراف هذه الأخيرة بإستقلال تونس، كما أن الناقل التاريخي لتونس عنده أبعاد أخرى خاصة السياحية منها لما لها من إرتباط بالترويج للسياحة التونسية ومساندة البرامج التسويقية للمنتوج السياحي التونسي بالخارج.
الشركة تضم ضعف العدد الضروري من الموظفين والفنيين
هذه الشركة التي من المفروض أن تكون ديناميكية التصرف فيها متفاعلة مع محيطها التنافسي بين شركات الطيران نجدها ضحية العقلية التونسية في القطاع العام أو مايعبر عنه “رزق البيليك”، فالنقل الجوي يعد من أكثر القطاعات التجارية منافسة شرسة على المستوى العالمي، لكن على العكس تماما كانت شركة الخطوط التونسية تدار منذ عقود بطريقة تقليدية، فحتى قبل الثورة كانت تعاني من عجز مالي والسبب الأول كان دائما تضخم عدد الموظفين بها، خاصة ما دأبت عليه حاشية سلطة بن علي من إنتداب المقربين ومجازاة الموالين بضمهم للشركة بدون أي معيار، فأكثر من 80% من الإنتدابات تمت بدون مناظرات وبدون تحديد ومراعاة مواصفات الإختصاص المطلوب، فأصبحت الشركة تضم ضعف العدد المفروض من الموظفين مما يؤثر على إنتاجيتها ويثقل كاهلها بكلفة تأجير إضافية غير مجدية أصلا.
كما أن الشركة تعاني عديد الإخلالات التنظيمية التي تؤثر على قدرتها التنافسية وخاصة عدم وجود رؤية إستراتيجية لتطوير نشاطها يمكن من خلالها تنفيذ برامج تصرف قصيرة ومتوسطة المدى للوصول إلى أهداف هذه الرؤية الإستراتيجية بحيث تتطور القدرة التنافسية للشركة وكسب ثقة الحرفاء.
الإنهيار المتواصل بعد الثورة
هذه المشاكل التي تعاني منها الشركة تفاقمت في السنوات الأخيرة والسبب يرجع بالأساس إلى تفشي عدم الإنضباط وعدم التحلي بروح المسؤولية، حيث نستطيع القول أن السنوات الأولى بعد الثورة كانت تعيش الشركة حالة فوضى تسييرية والتضخم غير المسبوق في عدد الموظفين والعملة، بل أصبحت مختصة في تحطيم الأرقام القياسية السلبية كسوء الخدمات والتأخيرات الطويلة ومشاكلها التي تنجر عنها مع العملاء، وبالرغم أن هذه المشاكل بدأ التحكم فيها تدريجيا أخيرا بعد تعيين الرئيس المدير العام الجديد إلا أن هذه المشاكل المزمنة مازالت أثارها واضحة إلى حد الآن بحكم تأثيرها المباشر على عدد حرفاء الشركة الذي إنخفض بشكل كبير فعدم إفلاسها بالرغم ما تعرضت له يعد في حد ذاته معجزة.
لقد سجل عدد المسافرين على متن الخطوط التونسية إنحدارا كبيرا من 3 مليون و 693 ألف مسافر سنة 2010 ليبلغ أدناه سنة 2015 بحوالي 2 مليون مسافر و 743 ألف مسافر أي فقدت الشركة حوالي ثلث مسافريها ومن ألطاف الله أنها لم تفلس جراء ذلك بل إستعادت نسق النمو في عدد المسافرين في السنوات اللاحقة أي 2016، 2017 و 2018، حيث وصل عدد المسافرين في السنة الأخيرة إلى حوالي 3 مليون و 816 ألف مسافر في نسق مشابه لسنة 2010 مع إنتظار الوصول إلى سقف 4 ملايين سنة 2019 بحكم إنتعاش الجانب السياحي هذه السنة.
أما بالنسبة للشحن فقد سجلت الشركة كذلك نتائج سلبية للغاية فقد تراجع هذا النشاط من 10865 طن سنة 2010 إلى 6082 طن سنة 2015 و 5765 طن سنة 2016، أي بخسارة تقدر بــــحوالي النصف في رقم المعاملات في مجال الشحن، وحتى في السنوات التي تلتها لم تسترجع الشركة سقفها العادي في مجال الشحن حيث تراوح في السنة الأخيرة مع مستوى 8000 طن كرقم أقصى في الشحن.
وبصفة عامة من المنتظر أن تشهد هذه الأرقام إنتعاشة في سنة 2019 بحكم موسم سياحي واعد وما يترتب عنه من إرتفاع في عدد المسافرين وعمليات الشحن على الناقلة الوطنية ولكن تبقى مشكلتان رئيسيتان أمام الإستفادة المثلى من هذه الإنتعاشة وهي المنافسة المحتدمة من قبل الشركات الأخرى وكذلك قدم الأسطول وعدم قدرته على التوسع في برمجة الرحلات.
الحقيقة في إتفاقية السماء المفتوحة
هذه الإتفاقية أصبحت محل هجوم من كل صوب وفي أغلب الأحيان من فئات غير متضلّعة في الشأن الإقتصادي وخاصة مجال الطيران المدني والسياحة لأن هذه الإتفاقية لا تهم فقط قطاع الطيران بل تخص أكثر القطاع السياحي.
بداية يجب توضيح فحوى هذه الإتفاقية وإطارها، فهي تهم أساسا شركات الطيران الأوروبية بإعتبار الإتفاقية ممضاة مع الإتحاد الأوروبي وتسمح بحرية التنقل لشركات الطيران الأوروبية لكافة المطارات التونسية بإستثناء مطار تونس قرطاج الدولي الذي تم إستثناءه لمدة خمسة سنوات منذ دخول الإتفاقية حيز النفاذ مراعاة لظرف الخطوط التونسية وإعطاءها فرصة لتأهيلها لهذه المنافسة، وتعتبر الإتفاقية مماثلة لاتفاقية التبادل الحر في الجو وتعتمد على فتح جميع المطارات بين الدول الموقعة على تلك الإتفاقيات، وتعفى من خلالها الطائرات من الرسوم الجمركية وغيرها من الأداءات التي تنعكس إيجابيا على أسعار تذاكر النقل الجوي، وهذا يهم أساسا القطاع السياحي بإعتبار القدرة التنافسية التي يعطيها للقطاع بحكم الخفض الكبير لتكلفة الطيران لمختلف المطارات التونسية المتبقية: طبرقة، النفيضة، المنستير، صفاقس، جربة، توزر وقابس.
فلا ننسى أن أهم بلدين منافسين لتونس على مستوى السياحة قد دخلوا هذه الإتفاقية منذ أكثر من 15 سنة وهما المغرب وتركيا، حيث يرجع السبب الأساسي للتطور السياحي بهذين البلدين في السنوات الأخيرة إلى تطور قطاع النقل الجوي فيهما بسبب تطبيق إتفاقية السماء المفتوحة “open sky” وفتح المجال الجوي أمام الشركات للتنافس وخدمة الحرفاء، مما ساهم بشكل كبير في تطوير السياحة والتجارة والنقل، بالإضافة الى توفير مداخيل هامة من العملة الصعبة لهذه البلدان.
لكن في تونس نحن مازلنا إلى الآن نتأرجح وذلك بسبب الخوف على شركة الخطوط التونسية لأنها غير قادرة على المنافسة.
صحيح أنه يجب النهوض بهذه الشركة التونسية العريقة لكن هل من المعقول أن تبقى تونس متخلفة في مجال النقل الجوي وتخسر الكثير سنويا في مجال السياحة، ففي عصر العولمة لن تكون الحمائية المفرطة هي مفتاح النجاة للشركة، فكما رأينا في السنوات الفارطة، لا توجد إتفاقية وبالرغم من ذلك الشركة على أبواب الإفلاس، وغير معقول كذلك حرمان قطاع السياحة الذي يعتبر القطاع الأول الموفر للعملة الصعبة، وهذه الإتفاقية ستساهم في إستعادة الأسواق التقليدية التي فقدتها البلاد في السنوات الأخيرة وإنعاش السياحة خاصة في المناطق الداخلية على غرار طبرقة وتوزر، فالرحلات التي كانت تحط بهذه المطارات كانت تقتصر على موسم الحج وبعض الرحلات العرضية.
الهيكلة ممكنة ولكن يجب أن تكون جذرية
إنّ الأرقام المسجلة للنشاط التجاري للشركة في السنة الأخيرة تفيد بإستعادة الشركة نسبيا لسالف نشاطها التجاري مع إستعادتها للأرقام المسجلة سنة 2010 بل إرتفعت نسبة الحجوزات بــــ 2% بداية سنة 2019 وخاصة الوجهة الإفريقية، لذلك حاليا لا تعتبر الوضعية قاتمة لكن يجب التسريع في إعادة هيكلة الشركة، ولكن يجب أن تكون الهيكلة جذرية قاطعة مع أساليب التصرف في الماضي، فهي شركة تعمل في مجال منافسة محتدمة لذلك يجب تسييرها بعقلية التصرف الحديث بداية بتطهير الشركة من الأعداد الهائلة لموظفين بدون مؤهلات ملائمة للرفع من الإنتاجية والبحث عن شريك إستراتيجي مساهم في الشركة لأن إعادة الهيكلة تتطلب أموالا ضخمة قدرت بـــ1200 مليون دينار تعجز ميزانية الدولة على تمويلها، مع ضرورة بلورة رؤية إستراتيجية للشركة بعيدة المدى ترتكز على إستغلال الموقع الجغرافي لبلادنا وتحويلها إلى بوابة لإفريقيا في مجال النقل الجوي، فلا ننسى أن في عهد بن علي تم تركيز مطار النفيضة بالشراكة مع الأتراك لهذا الغرض وتحويل تونس كقطب جوي للربط من وإلى إفريقيا، ولكن هذا المشروع تعطل بعد الثورة لعدة أسباب، مع العلم أن مجال الطيران في إفريقيا في تطور سريع وصل إلى 6 بالمائة سنويا حسب دراسة قامت بها هيئة الطيران الدولية.
من جانب آخر لا بد من ربطها بالنسق التجاري التونسي فغير معقول أن أغلبية الحملات الترويجية للشركة خاصة التي تعتمد على التخفيضات التجارية غير متزامنة مع الفعاليات السياحية والثقافية في تونس كالمهرجانات (soldes).
شارك رأيك