مازالت تفصلنا أشهر قليلة عن الإنتخابات التشريعية والرئاسية وفي كل الحالات فإنّ المؤكد أنّ حركة النهضة سائرة نحو هزيمة إنتخابية قاسية خاصة إذا تزايد عدد المسجلين الجدد في القائمات الإنتخابية (وأغلبيتهم من الشباب والنساء وهما شريحتان لا تصوتان عادة للحركة الإسلامية) وإذا ما كانت نسبة المشاركة مرتفعة وهو ما سيزيد من تعقيد وضعيتها في ظل ظرف إقليمي و دولي معادي.
بقلم نضال بالشريفة *
إختيار الشعب التونسي للنظام الديمقراطي كشكل وطريقة للحكم إختيار يتناسب والعصر الذي نعيش فيه حيث أضحى هذا النظام هو الغالب في العالم، أو على الأقل في العالم المتقدم والمزدهر، و الفكرة الرئيسية للديمقراطية هي منح السيادة والسلطة للشعب والذّي يفوضها للممثلين له يمارسونها بالنيابة عنه، و لكن من مخاطر هذا النظام هو أنّ هؤلاء الممثلين قد يتحولون هم لأصحاب السلطة والسيادة و ليس مجرد ممثلين للشعب.
يحدث هذا حين ينحرف هؤلاء المنتخبون بالسلطة التي منحها لهم الشعب مقابل لا مبالاة هذا الأخير واستقالته من الشأن العام، و هو الأمر الذّي حذر منه جون جاك روسو وغيره من المفكرين داعيا الشعب إلى المشاركة الفعّالة والمتواصلة في الشأن العام لمنع إستيلاء ممثليهم على السلطة.
إستقالة العامة من الحياة السياسية تحول الديمقراطية إلى ديكتاتورية نخب غير مسؤولة
إستقالة العامة من الحياة السياسية بدأنا نلاحظها في تونس منذ بضعت سنوات، يمكن أن ننطلق من نسبة المشاركة في الإنتخابات حيث تراجعت من 4 ملايين ناخب سنة 2011 إلى 3.5 مليون ناخب سنة 2014 لتنزل إلى ما دون 2 مليون في الإنتخابات البلدية لعام 2018.
نفس الملاحظة يمكن سحبها على نسبة المشاركة في المظاهرات والتحركات الشعبية حيث أصبحت أقل وأقل كل سنة رغم أن الأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية تزداد سوءا يوما بعد يوم.
و لكن هل يمكن لوم الشعب التونسي على عزوفه عن الشأن العام ؟ قطعا لا، فلا يمكن أن نطلب من الناس المشاركة في سياسة يتحكم فيها أشخاص فاسدون لا يراعون المصلحة العامة، لا يلتزمون بوعودهم الإنتخابية، لا ولاء لهم للوطن (بل ولاؤهم للحزب و لجهات أجنبية)، لا يحترمون الإرادة الشعبية…
لماذا نلوم الشعب على إستقالته من الشأن العام في حين أن الطبقة السياسية، و خاصة الحاكمة منها، تشجع على الرداءة والإنحطاط ولا تقدم البرامج والمقترحات بل تقتصر على الشتائم المتبادلة وخلق الضوضاء لتسليط الأضواء عليها (طبعا مع وجود إستثناءات قليلة.)
و لكن هل إن الإستقالة هي الحل؟ هل بعزوف التوانسة عن الشأن العام ستستحي هذه الطبقة السياسية وتقرر الرحيل من تلقاء نفسها؟
وحده الحزب الإسلامي يستفيد من الإستقالة والعزوف السياسيين
من السذاجة التفكير بهذه الطريقة. لا حل إلا بالمشاركة الفعّالة وأخذ زمام المبادرة! وهنا أريد أن أخص حديثي للفئة من التوانسة التي تهمني أكثر والتّي أنتمي إليها وهي فئة التقدميين و الحداثيين، والتي يبدو أنّها أكثر الفئات حسرة على الوضع التّي وصلت إليها تونس وكذلك هي أكثر الفئات إستقالة وعزوفا بعد مشاركة قياسية في إنتخابات 2014 تمكنوا من خلال تحقيق إنجاز تاريخي وهو هزم حزب إسلامي في إنتخابات ديمقراطية (أمر لم يحدث من قبل في أي من دول العالم)، لكن الفرحة بهذا الإنجاز لم تتواصل كثيرا حيث حصل التوافق مع الإسلاميين و تسليمهم الحكم من جديد والبقية تعرفونها.
أنا مثلكم أحسست بهذا الألم، و ذقت طعم الخيانة، كيف لا وفي 2014 شاركت في أوّل إنتخابات في حياتي إنتخبت فيها النداء (رغم عدم إنتمائي له) معتقدا أنّنا سنتخلص من الكابوس الإخواني الذّي فعل بالبلاد ما نعلمه جميعا…
لكن على عكس الكثيرين لم تتواصل صدمتي كثيرا حيث أنني أدركت أنّ الإستقالة والعزوف لن تنفعانا في شيء بل المستفيد الوحيد منها سيكون الحزب الإخواني الذّي يتمتع بقاعدة إنتخابية دغمائية ستصوت له حتى لو أخذ البلاد لحرب أهلية.
اليوم ونحن نقترب أكثر فأكثر من إنتخابات 2019 المصيرية سنكون مع موعد جديد مع التاريخ، فإما أن نكتبه نحن أو أن يكتبه من نكّل بالمواطن والدولة التونسيين طيلة السنوات الماضية، ورغم كل شيء فإنّ كل الظروف مواتية لتحقيق نصر إنتخابي جديد مشابه لنصر 2014 وربما أكبر منه، فالسخط الشعبي على حزب النهضة بلغ مستويات قياسية، كيف لا ومعاناة الشعب تتواصل وتزداد حدّة، ولا يذهب قيادة النهضة إلى مكان إلا و يجدوا مواطنين في إستقبالهم بالإتهامات والطرد (مع رفضنا للعنف المادي)!
علينا أن نعمل على تحويل هذا الغضب الشعبي إلى حركة ناشطة قادرة أن تحدث الفارق في صناديق الإقتراع.
وهنا توجد مؤشرات إيجابية جدا، حيث أعلنت الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات على تجاوز عدد المسجلين الجدد في القوائم الإنتخابية 800 ألف مسجل جديد مع تواصل حملة التسجيل إلى غاية يوم 22 ماي 2019، وفي هذا الإطار دعت عدد من الأحزاب مثل التيار الديمقراطي و أفاق تونس والجبهة الشعبية والبديل والتكتل عن دعوتهم للتمديد في اجال التسجيل إلى غاية شهر جويلية لإتاحة الفرصة لأكثر عدد ممكن من التوانسة للمشاركة، دعوة رحبت بها أحزاب أخرى كتحيا تونس وأفادت مصادر من داخل الهيئة أنّها ذاهبة في هذا الإطار.
النهضة متخوفة من إرتفاع عدد المسجلين والمشاركين في الإنتخابات
ربما ما يثير الإستغراب في هذا الإطار هو الصمت غير المعتاد للنهضة، فهذه الأخيرة دأبت أن تتدخل في كل كبيرة وصغيرة إلا أنها لم تتكلم في موضوع التمديد في اجال التصويت ولم تقم بحملة تذكر لتشجيع المواطنين على التسجيل للقيام بواجبهم الإنتخابي، لكن في الحقيقة السبب معروف، فكما يعلم الجميع فإنّ القاعدة الإنتخابية للنهضة تقريبا كلها مسجلة منذ إنتخابات 2014 حيث معلوم أنّ هذا القاعدة تتصف بالإنضباط والتنظّم والولاء للحركة (الذّي يتجاوز عند بعضهم الولاء للوطن) بالتالي لا طموحات للنهضة في تسجيل ناخبين جدد، وأكثر من هذا فإن إرتفاع عدد المسجلين يثير مخاوف النهضة خاصة و أنّ الهيئة أعلنت أنّ أكثرية المسجلين هم فئة النساء والشباب وهما فئتان لا تتمتع فيهما النهضة بشعبية تذكر (حيث أن القاعدة الإنتخابية التقليدية لحزب الإخوان تتمثل في فئة الذكور والكهول)، وإذا إتخذنا من المنطق سبيلا فإنه يصعب الإعتقاد بأنّ مئات الالاف من المواطنين ذهبوا للتسجيل لكي ينتخبوا فيما بعد حزب فشل في إدارة البلاد وأضر بمصالحها الداخلية و الخارجية.
طبعا لا يمكن التأكد من أنّ كلّ من قام بالتسجيل سيشارك لكن المؤكد هو أنّ نسبة المشاركة ستكون أعلى من نسبة المشاركة في الإنتخابات البلدية، كما أنّه من المؤكد فإنّ الأحزاب الحاكمة لن تكون أكبر مستنفع من إرتفاع نسبة المشاركة نظرا لأدائها الكارثي، حسب إعتقادي فإن أكثر المستفيدين ستكون الأحزاب التّي لم تشارك في الحكم والتّي أظهرت نوعا من الإنتشار في البلاد وأخص بالذكر هنا الحزب الدستوري الحر وحزب التيار الديمقراطي مع إمكانية لبروز المستقلين إلا أنّ حظوظهم في النجاح أقل بكثير من هذين الحزبين.
في كل الحالات فإنّ المؤكد أنّ النهضة سائرة نحو هزيمة إنتخابية قاسية خاصة إذا ما كانت نسبة المشاركة مرتفعة وهو ما سيزيد من تعقيد وضعيتها في ظل ظرف إقليمي و دولي معادي.
* طالب سنة ثالثة حقوق بكلية العلوم القانونية بتونس.
مقال لنفس الكاتب بأنباء تونس :
شارك رأيك