بمناسبة محاكمة قتلة صالح بن يوسف التي اثارت جدلا هذا الاسبوع، وجه الرئيس السابق المؤقت منصف المرزوقي سهامه نحو البورقيبيين الحداثيين و فتح ملفا يقول انه من ذكرياته وهو مرافق لوالده و ترجم بنات افكاره كما ارادها هو.
واكد في تدوينة نشرها يوم الجمعة الفارط على صفحته الرسمية ان حملات التشويه التي تقوم بها فئة من الحداثيين ضد صالح بن يوسف قد مر بها كذلك وانها ستتفاقم بحلول الاستحقاقات الانتخابية المقابلة و قيل انه يطير و مجنون و طرطور… وهذا نص التدوينة:
” بمناسبة عودة الجدل القديم حول أول فتنة بين التونسيين في العصر الحديث ، عادت بي الذكريات الى الرجل الذي كان يأخذني في العاشرة من عمري لأحضر لقاءات الزعيم الشهيد : والدي محمد البدوي المرزوقي .
في إطار حملة التشويه المدروسة التي استهدفتني ولاتزال (انتظروا العجب بحلول الاستحقاقات المقبلة) لم تكتف غرفة العمليات بالتسويق لصورة المجنون، السكّير ، الطرطور ، عاشق القاروص والحمص الخ ، ولكنها تناولت أيضا للنيل منّي عرض هذا الرجل الذي لم يسلم من الظالمين وأجرائهم لا حيّا ولا ميتا .
بعضهم جعلوا منه صبايحي و آخرون ترجمان الفرنسيين ( كان زيتونيا لا يعرف إلا لغة الضاد) أي خائن في إطار أكثر التقنيات انتشارا عند المكلفين بالمهام القذرة : قلب الحقائق بجعل الوطني عميلا والعميل وطنيا والشريف نذلا والنذل شريفا والفاسد نزيها والنزيه فاسدا الخ .
كان أصعب أب لا فقط بما كان يطلبه من أبنائه ولكن لما كلّفنا جميعا من آلام مبكرة ونحن نعيش رعب دخول الجنود الفرنسيين بيتنا الذين كان مخبأ لسلاح المقاومة ، ثم رعب دخول الذباحين بعد ” الاستقلال ” وكانوا يتصيدون اليوسفيين واحدا بعد الآخر ، لا أقل من ألفين منهم ذبحوا ما بين 1955 و1956…وفيما بعد نكبة اليوسفيين صعوبة العيش بين أناس كانوا يعتبروننا من بقايا فرقة ضالة.
من حسن حظّه وحظّنا أنه تلقّى ذات ليلة سنة 1956 معلومة أنه على قائمة الاغتيالات فلاذ بالفرار مستجيرا بالمغرب الذي كان الزعيم الشهيد قد أوفده لقادتها (1) قبل بضعة شهور ليشرح لهم وجهة نظر الأغلبية الساحقة للدستوريين من استقلال منقوص مرفوض.
أقرأ اليوم بصعوبة خطّه وما كتب عن وضعية البلاد سنة 1955 فكأنّي بالزمن توقّف أو عضّ ذيله .
أنظر إلى صورة سنة 1957 وهو في مأدبة غداء نظّمها حزب الاستقلال المغربي على شرفه وشرف اخوة من اليمن فيخيل لي أنني أنا الجالس ومأساة اليمن اليوم جزء من مأساتنا العربية المتواصلة لا ندري إلى متى.
أنظر إلى صورته شابا سنة 1955 وشيخا سنة 1988 بضعة أشهر قبل وفاته ودفنه في مراكش التي أحبها حبّه لدوز، فأقدّر ما أظهره طيلة 33 سنة من صلابة في التمسك بنفس المواقف والثوابت.
لم يطلب عفوا أبدا. لم يفاوض في رجوع مشروط كما نُصح مليون مرة . لم يتخلّى يوما عن وفائه للزعيم الشهيد ، لرفاقه المذبوحين ، لتصوره لاستقلال كامل، لقيم العروبة والاسلام التي غرسها فيّ باكرا …لتصوّر ارستقراطي في التعامل مع الأعداء والخصوم …للرفض الدائم لأي هزيمة أو استسلام.
رحم الله محمد البدوي المرزوقي ورحم الزعيم الشهيد صالح بن يوسف ورحم كل ضحايا الاستعمار والاستبداد .
الفضاعة ليست أن يموت الشهيد في أبشع الظروف أو أن يقضي المناضل جلّ حياته مسجونا أو منفيا، وإنما أن تذهب تضحياته سدى أو حتى أن تخدم في آخرة المطاف مصالح من قتله أومن نكّل به.
لا يجب أبدا أن نسمح بشيء كهذا .
تضحيات كل شهداء معارك تحررنا أمانة في عنقنا وعنق الأجيال القادمة .
ولا بدّ لليل أن ينجلي “
شارك رأيك