إسناد لزمات للخواص حتى يقوموا برفع السيارات المخالفة في الأماكن الممنوعة للوقوف والتوقف (الشنقال) قد تشكل حلا لعديد البلديات لكنها عند التطبيق تطرح أيضا عديد المشاكل لعدم أهلية هؤلاء الخواص وعدم توفيرهم للإمكانات المادية والبشرية الضرورية لمثل هذه العملية.
بقلم فوزي عبيدي
بعد إتمام الإنتخابات البلدية السنة الفارطة وتنصيب المجالس البلدية، قامت أغلبية البلديات بلزمات وإسنادها للخواص لرفع السيارات المخالفة في الأماكن الممنوعة للوقوف والتوقف حيث أصبحت موضة التصرف البلدي حتى في البلديات الصغيرة في داخل تراب الجمهورية التي لا تعاني أصلا مناطقها العمرانية من أزمة مرور، وحسب تفكير أعضاء البلديات المنتخبين والمستجدين على العمل البلدي هو الحل الأفضل، فمن خلاله تضرب البلدية عصفورين بحجر واحد، فهي بهذه الطريقة تتجنب المشاكل الناتجة عن رفع السيارات المخالفة (“الشنقال”) مع المواطن مباشرة بإحداث وسيط ثالث يتحمل هذه المشاكل وهو صاحب اللّزمة، وثانيا تتخلص من الأعباء المالية الناتجة عن تشغيل عملة تابعين لها في هذا الميدان وما يرافقها من تدني الإنتاجية وعدم الإنضباط المميز للعامل العمومي، بل بالعكس أصبحت هذه العملية مصدر دخل كبير خاصة للبلديات الكبرى فعوائد لزمات “الشنقال” أصبحت من أهم الموارد المالية لهذه البلديات التي تعاني أزمة تمويل لأنشطتها الأصلية كالنظافة والعناية بالمحيط، ولكن بهذه الطريقة تم ترحيل المشكلة لتكون بين صاحب اللّزمة و المواطن ليجد هذا الأخير نفسه تحت ممارسات تعسفية وفي بعض الأحيان غير قانونية نتجت عنها أضرار كبيرة لعديد المواطنين.
حوادث “الشنقال” بالجملة وفي تصاعد
ما فتئت حوادث “الشنقال” تتصاعد في مناطق بلدية عدة نتيجة سعي أصحاب اللزمات إلى الربح السريع دون تفكير في أساليب العمل الصحيحة لحفظ النظام العام ودون توفير آلات العمل الضرورية و المناسبة الكفيلة بعدم إلحاق الضرر بسيارات وعربات النقل الخاصة بالمواطنين، فبالنسبة لأصحاب هذه الشركات الخاصة يكفي أن توفر عربة واحدة لجر السيارات المخالفة لتبدأ حملة جمع الأموال دون مراعاة أي شروط فنية لهذه العربات المخصصة لجر السيارات فهي لا تتناسب مع جميع السيارات مما تسبب في عديد الأضرار الفادحة وأحيانا، علاوة على أضرار السيارة، يتعرض المواطن لإهانات وسوء معاملة من قبل عملة هذه الشركات الخاصة، فهم ليسوا بالعملة المؤهلين ويفتقرون لأدنى مستوى علمي وفي أغلب الأحيان تصرفاتهم لا تمت بصلة لأعوان مكلفين بتطبيق لزمة للحفاظ على النظام العام بل عبارة عن “عصابة باندية” والويل كل الويل لمن يقع تحت رحمتهم، فالمهم بالنسبة لهم إصطياد أكثر ما يمكن من السيارات على جوانب الطرقات دون مراعاة أماكن التوقف الخاصة بالوزارات، ففي عديد الأحيان عمدوا إلى رفع سيارات إدارية تابعة لوزارات معينة وهي رابضة أمام مبنى الوزارة نفسها بالرغم من وجود علامات تنبه لذلك وتحدد مكان التوقف الخاص بالوزارة المعنية، وهي ممارسات لم تكن تقع من قبل عندما كانت عملة البلديات تباشر هذه العملية بنفسها.
كما تعدّدت تجاوزات هذه الشركات الخاصة بحكم عدم وجود ضوابط محددة لكيفية رفع السيارات المخالفة وخاصة إستعمال آلات غير مناسبة لرفع السيارات الخفيفة مما إنجر عنه عديد الحوادث وأعطاب لسيارات المواطنين، فجرّاء ذلك سقطت عديد السيارات من شاحنة الرفع الخاصة بالشركة الخاصة واصطدمت بسيارات رابضة ما تسبّب في خسائر مادية وتعطيل حركة السير في الكثير من الأوقات وذلك عوض جعل هذه الآلية لتسهيل عملية الجولان وتسهيل حركة المرور.
كما برزت عديد الممارسات الخارجة عن المألوف من قبل الأعوان غير المؤهلين كأولئك الذين قاموا مؤخرا في منطقة البحيرة 2 بالتسبب في أضرار لإحدى السيارات بعد أن تم قلبها في الطريق بسبب “الشنقال”، حيث تم الإلتجاء إلى القضاء من قبل صاحبة السيارة المتضررة بعد إتصالها بإدارة الشركة التي لم تلمس منها أية مبادرة لإصلاح الخطأ أو تقديم حل وذلك لعدم وجود تأمين على الأضرار الحاصلة، وهذا الإشكال في الحقيقة تتحمله البلدية لأنها هي الطرف الأصلي المشرف على تنفيذ اللزمة وعليها العهدة بتطبيق القوانين الناظمة للملك العمومي البلدي.
كما تضرر عدد من المواطنين في الأيام الأخيرة من “الشنقال” بالعاصمة بعد أن تم إضافة علامات أرضية في عدة أنهج بصفة مفاجأة مع عدم وجود لافتات مرافقة لمنع التوقف حسب ما يقتضيه القانون مع العلم أن المواطنين تعودوا ركن سياراتهم بتلك الأماكن ولم يسبق أن تم رفعها.
إيقاف وقتي لهذه اللّزمات لم يحل المشكلة
عديد رؤساء البلديات قاموا بإيقاف عمل هذه الشركات مؤقتا نتيجة التشكيات والإحتجاجات العديدة للمواطنين خاصة مع إقتراف عملة هذه الشركات تجاوزات فظيعة كالتي جدّت ببلدية المنستير حيث أصدر الوالي بنفسه قرارا بإيقاف نشاط صاحب لزمة ”الشنقال” بصفة مؤقتة إلى حين إشعار آخر ويأتي هذا القرار بعد أن استمع إلى شكوى أحد المواطنين الذي أفاد بأنه وجد طفليه في الشارع بعد أن عمد عمال ”الشنقال” إلى إنزالهما منها ورفع سيارته التي كانت مفتوحة الأبواب إلى المستودع.
جميع البلديات التي قامت بتعليق نشاط شركات “الشنقال” أعلنت أنها ستوقف هذا النشاط مؤقتا إلى حين عقد جلسة مع المستلزم وذلك لتوضيح حقوقه وواجباته تجاه المواطنين وضرورة الإلتزام بكراس الشروط التي تمنع مثل هذه الممارسات الخطيرة ولكن هذا الإيقاف المؤقت لم يحل المشكلة بل أغلب الشركات التي تم إيقافها عن العمل رجعت لسالف نشاطها ولم تقم بالتطبيق الفعلي لمقتضيات كراس الشروط والتجاوزات التي يقومون بها مازالت على حالها وتشكيات المواطن تزداد يوما بعد يوم.
من ناحية أخرى هناك ضرورة في التنصيص على العقوبات ضمن كراسات الشروط لجميع حالات تجاوز القانون من قبل هذه الشركات بحيث تكون واضحة ولا تستطيع التهرب من مسؤولياتها كما فعلت سابقا.
مسؤولية البلدية بتغيير كراس الشروط
إن حفظ النظام العام وضبطه فيما يخص الأماكن الموجودة في مناطق العمران بإعتبارها ملك عمومي بلدي يرجع بالأساس للسلطة البلدية وبالتالي فهي المسؤولة الأولى عن تنفيذ القانون وعن حفظ مصالح المواطن وخاصة عدم الحياد عن الهدف الأساسي وهو تنظيم حركة المرور وخدمة المواطن وليس العقاب وجمع الأموال، فالقانون الأساسي الجديد للبلديات عدد 29 لسنة 2018 مؤرخ في 9 ماي 2018 والمتعلّق بمجلة الجماعات المحلية أعطى صلاحيات واسعة للمجلس البلدي حسب الفصل 233 بتصريف الشؤون البلدية والبت فيها، ومنها على وجه الخصوص التعهدات المالية للبلدية، وضبط المعاليم والرسوم ومختلف الحقوق والتفويت والتعويض والتسويغ وإسناد الاستغلال والمساهمة في المنشآت العمومية المحلية وبقية المشاريع الإقتصادية والتفويت والتعويض في العقارات وترتيب أجزاء الملك العمومي للبلدية.
لذلك يجب على البلدية ممارسة دورها من خلال إعداد كراس شروط كامل وليس فقط الإقتصار على الجوانب المادية لتسويغ اللزمة بل إعطاء البعد الفني والتقني اللازم للآلات المستعملة ونوعية شاحنات الرفع والإلتزامات فيما يخص تأهيل الأعوان والعملة المنتدبين من قبل هذه الشركات الخاصة والمستوى التعليمي الأدنى الإجباري، كما تمت ملاحظة عدم وجود في بعض الأحيان لتأمين على الأضرار الناتجة عن مباشرة أعمال الرفع، لذلك يجب التنصيص ضمن كراسات الشروط على أعمال التأمين الإضافية.
من جانب آخر يجب التنصيص على الإلتزامات التنظيمية لهذه الشركات فيما يتعلق بالأماكن الممنوعة للتوقف من تعليق لافتات ووضع إشارات واضحة تحذر المواطن من ذلك فالهدف هو حث المواطن على عدم الوقوف في هذه الأماكن لتسهيل عملية حركة المرور وليس تخطية المواطن.
“الشنقال” شر لا بد منه في بعض الأحيان
لأن المواطن كذلك لم يصل إلى درجة الإحترام الذاتي والتلقائي لعلامات المرور وإشارات منع التوقف فكلما تم التخلي عن “الشنقال” إلا ورجعت حليمة لعادتها القديمة بالفوضى المرورية وركن السيارات في كل مكان دون إحترام حق مستعملي الطريق في مرور آمن وعدم إحترام علامات المرور لتجنّب الفوضى والاكتظاظ في محيط الدائرة البلدية.
لذلك تلجأ البلديات لهذه الطريقة الزجريّة في سعي منها لحل الأزمة المرورية خاصة أوقات الذروة كهذه الأيام في النصف الثاني من شهر رمضان حيث تلجأ بعض البلديات إلى العمل “بالشنقال” حتى في ساعات الليل لكثرة الإكتضاظ و الفوضى المرورية.
شارك رأيك