الرئيسية » محاضن الــمؤسسات تضمن صمود الباعثين الجدد والتعاون المُثمر بين أصحاب الأفكار الخلاقة وهواة بعث المشاريع

محاضن الــمؤسسات تضمن صمود الباعثين الجدد والتعاون المُثمر بين أصحاب الأفكار الخلاقة وهواة بعث المشاريع

محضنة المؤسسات بسيدي داود نموذجا.

يُمكن للدول النامية ضمان تقدمها بتوفير محاضن المؤسسات الناجعة، التي يُديرها خُبراء في المــيدان، يخــتارون رُوّادها الذين ينــتصبون بها إختــيارا موضوعــيا، ذا أهداف سامــية، وبذلك يــتمّ من خلالها بعث مصادر إنتاج ناجحة، قادرة على المنافــسة، تُوفّر الثروة ومواطن الشــغل وتُحــقـق نموّ الإقتصاد الوطني.

بقلم عبد العزيز داود * و المبروك دمــق **

إنّ المنافسة بين المُنــتجــين، سواء على الصعيد المحلي أو الدّولي في تزايد مســتمر، تـتعــمّق وتقسو بشدّة، مما يجعل المؤســسـات الفتــيّة والجديدة غير قادرة على الصمود والنموّ والبقاء. حيث تُـقــدّر بعض الإحصائيات أنّ حوالي ثلاثة أرباع المُبــتدئــين في مشاريع جديدة تُوقــفهم الصعوبات منذ السنة الأولى، ويتخلّون عن أعمالهم وآمالهم.

هدف إنشاء محاضن المؤسسات :

على أنّ الخبراء في الميدان يجدون حلولا لتلافي أسباب هذا الفشــل بفضل محاضن المؤسسات. حيث أنّ هذه الأخيرة تُــوفّــر للباعثــين الجدد الدراسة العميقة للمشروع والنُّصح والمُـتابعة، إلى جانب توفير محلّ العمل ومُخــتلف الخدمات بأسعار منخفضة؛ كما تُـســهّل عليهم التّـســويق والتــّزود بالمواد الأولية… وهو ما يُمكّــن الباعثــين الجدد من الصّمود خلال فترة الانطــلاق الصعــبة، فيصــلون إلى أرضــية النجاة، والنّجــاح، ويُحقّــقون تواجدهم وبقاءهم بين منافســيهم.

تصنيف محاضن المؤسسات :

تختلف المحاضن باختلاف أهدافها ونوعية المُؤسسات التي تحتضنها، وشروط القبول المُعتمدة لاختيار المُؤسـسات التي تفتح لها أبوابها. وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم المحاضن إلى صنفين :

  • محاضن عامة، تقبل أيّ نشاط له نجاعة اقتصادية مُرجّحة.
  • محاضن متخصصة في أنشطة محدودة مثل تطوير أنواع معينة من التكنولوجيا.

وبصفة عامة تُمثّل هذه المحاضن شكلا متطورا من فضاء العمل، تتواجد به مجموعة من الخدمات والمرافق التي يُوفّــرها المُتصرّفون في المحضنة لفائدة المُؤسسات التي تنشط داخلها.

كما أنّ تصنيف محاضن المؤسسات هذه يمكن أن يعتمد مستوى العلاقة والتعاون بين إدارة المحضنة وباعث المشروع، خصوصا باعتماد مستوى التقدم التكنولوجي للمُؤسسة، إذ تستحقّ المُتطوّرة منها متابعة وتشجيعات مُتميّزة. وهنا تبرزُ أهميّة الميزانية التي تتصرّف فيها المحضنة لتوفير الخدمات المادية الكافية، والتأطير البشري اللازم، بمختلف أبعاده، وخصوصا في أساليب التصرّف والتسويق وتحقيق النجاح.

على أنّ هناك قواسم مشتركة تميز هذه المحاضن بالمقارنة مع مؤسسات أخرى، قريبة منها مثل فضاءات العلوم ومراكز الابتكار وغيرها. حيث تتميز محاضن المؤسسات بالأهداف المراد تحقيقها وبالعلاقة بين مستوى البنية التحتية ومستوى التكنولوجيا والدعم المقدم لتحقيق التصرّف الناجع بها.

الخدمات والمساعدة المادية والمعنوية اللازمة للباعـثين الجدد :

تُـقــدّم محاضن المؤسسات بصفة عامة إلى حرفائها مجموعة من المرافق والخدمات أهمها:

1- منح الباعثين الجدد مساحات، في شكل مكاتب أو ورشات، مع تبسيط الاجراءات عند الانتصاب بالمحضنة أو مغادرتها، والمساعدة على إيجاد مقرّ ملائم لكلّ مؤسسة عند خروجها واستقلالها، خصوصا إذا تحتّم وجودها بمنطقة صناعية.

2- تمكينهم من مختلف الخدمات المشتركة المطلوبة، بما في ذلك خدمات السكرتارية وبعث المراسلات أو إستقبالها… وقاعات الاجتماعات وغيرها. وإذا كانت المحضنة تركز على أنشطة التصنيع، فيمكنها أيضًا أن تُمكّن مستأجريها استخدام آلات يــتـمّ شراؤها لفائدة مجموعة من المُؤسسات المُتواجدة بالمحضنة.

3- إيجاد الخدمات الإستشارية على عين المكان : مثل المساعدة على إعداد مراحل تكوين المُؤسسة، والخبرة القانونية اللازمة، والتدريب على تقنيات الإدارة، وأُصول المحاسبة، وطرق التسويق والتمويل. كما يُمكن المضي أبعد من ذلك، إلى تسهيل الوصول إلى المؤسسات المالية خصوصا إذا كانت المحضنة لها سُــمعة طيّــبة، يُمكن للشركات المُموّلة أن تمنح منظوريها قروضا بشروطً سهلة.

وإذا كانت المحضنة لا تملك المهارات أو المعرفة اللازمة، فإنها تسهّـل على الباعــثين الوصول إلى هذه الخدمات المتخصصة، وبشكل عام كلّما تعلّق الأمر بتعــميق البحث والتطوير.

4- المُساعدة على إيجاد العلاقات التجارية وتوسيعها بين المُؤسسات داخل المحضنة وخارجها. كما يُمكن ربط العلاقة مع المُؤسسات المجاورة للمحضنة من خلال التبادل الخصب للأفكار والمشورة، والتي تخلق ديناميكية مُقايضة وتعاون مُـثمر مع مجموعة من الشركات التي لها خبرة في الميادين المُشتركة أو المُتكاملة.

5- متابعة المُؤسسات التي نجحت داخل المحضنة وتوصّلت إلى اســتـقلاليــتها، وذلك بمواصلة تقديم المساعدة وخدمات النصح، وربط العلاقات بينها وبين عُملائها بمخــتلف أصنافهم وخصوصا المزوّدين والحرفاء. وهو ما تسعى إليه محضنة المؤسسات عمومًا. على أنّ ضمان توفير الحد الأقصى من الخدمات والمرافق على عين المكان يعتمد على موارد المحضنة وعلاقاتها مع محيطها الصناعي والتجاري.

وسائل تطوير محاضن المؤسسات الحالية لتحقيق نجاعتها :

حيث أنّ الهدف الأساسي من تركــيز هذه المحاضن هو الوصول بالباعـثــين الجدد إلى نجاح مشاريعهم، فمن اللازم تشريك عــدّة أطراف لها علاقة بالفوائد المُـنجــرّة عن أعمال المحضنة. وهو ما يُـبرز أهميّـة اختيار صفة كلّ عضو من أعضاء مجلس المحضنة، بصفتهم المُـخــطّطين لأهدافها وأعمالها والمُتحمّسين لنجاحها، والذي يتحقّــق بنجاح روّادها من الباعثــين الجدد.

ومن أهم عوامل نجاح المحضنة، التوافق والتــناغم بين مختلف عناصر مجلسها، وحسن اختيارهم للأهداف الأساســية، على الأمد القصير والبعيد، وحُسن انـتــقاء المدير، وحماسه وحسن تصرّفه، واصطفاء ما تتــبناه المحضنة من مشاريع وأصحابها على أساس معايير موضوعيىة مرتكزة على نسبة نجاح نشاطها وعلى نسبة الإبداع فيها…

وإذا تناولنا الموضوع على المستوى العالمي، تتمحور برامج تنظيم محاضن المؤسسات، حول إعادة هــيكلــتها أو المساعدة على بعث محاضن أخرى تُمكّنُ من إنشاء مؤســسات إنــتاج جديدة، الهدف الأساسي منها تـشــجــيع الابــتـكار وتســهـيل خلق المؤسسات بإحداث بيــئة مُلائمة وفــعّـالة، يــتمّ من خلالها تدعيم القدرات التــقنــية المتوفرة لدى الشباب والمُغرمين بالخلق والإبداع، وربطها مع مُخــتلف مصادر التمويل وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة. حيث أنّ هذه الأخيرة، وخصوصا منها المُتطوّرة والمُبدعة، تلعب دورا حاسما، ليس فقط في خلق فرص العمل، وإنّما تُمكّنُ من توفير الإنتاج وخلق الثروة والصّمود أمام عولمة السوق.

وهنا تتجلى وتبرزُ أهمية ومنافع إنشاء محاضن المؤسسات حيث يتمّ من خلالها تسهــيل بعث مشاريع إنتاج جديدة، بتوفــير الدعم الفـني والمادّي والتّجاري. وتكوين إطار لمناقــشـة المشــكلات الشــائعة وتبادل الخبرات وتكوين الشــبكات الاحترافـية التي يحتاجها رواد الأعمال.

وبهذا الدعم يتمّ تمهيد الســبيل لتواجد شركات مبـتكرة تحصُل على تمويل مكــثف وخبرة تُمكنها من النجاح والمساهمة في النموّ الاقـتصادي للوطن.

وعلى هذا الأساس يُمكن للدول النامية ضمان تقدمها بتوفير محاضن المؤسسات الناجعة، التي يُديرها خُبراء في المــيدان، مُتحمّـســون في خدمة الوطن، يخــتارون رُوّادها الذين ينــتصبون بها اختــيارا موضوعــيا، ذا أهداف سامــية، وبذلك يــتمّ من خلالها بعث مصادر إنتاج ناجحة، مُقاومة للمنافــسة، تُوفّر الثروة ومواطن الشــغل وتُحــقـق نموّ الاقــتصاد الوطني.

* عبد العزيز داود أستاذ أكاديمي “متميّز” مدير سابق بمدرسة المهندسين وخبير لدى المنظمة العالمية للتنمية Onudi.
** المبروك دمــق دكتور مهندس متقاعد من التعليم العالي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.