رغم أن ملف إسترجاع أطفال إرهابيين من بؤر التوتر لم يتم تسويته بعد و إتهام منظمات حقوقية السلطات التونسية بالتقاعس في إعادة أطفال تونسيين ينتمون إلى تنظيم “داعش”،طفح على سطح الأحداث،مؤخرًا، ملف آخر لا يقل أهمية عن الأول بل له علاقة وثيقة به و هو قضية “الإرهابيين التونسيين” الذين تصدر أحكام قضائية ضدهم بالسجن عدة سنوات و حتى بالإعدام في بعض الدول،لكن دون أن تتدخل الحكومة التونسية لحماية رعاياها خاصة من تنفيذ أحكام الإعدام.
ويمنع الدستور التونسي سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن، فيما ترتكز استراتيجية مكافحة الإرهاب التي اعتمدتها تونس منذ نوفمبر 2016 على أربعة أسس جوهرية هي الوقاية والحماية والتتبع والرد.
ويعتبر الفصل 33 من قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، على أنه “يعدّ مرتكبًا لجريمة إرهابية ويعاقب بالسجن، كل من يتعمد استعمال تراب الجمهورية أو تراب دولة أجنبية لانتداب أو تدريب شخص (..) بقصد ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية (..) داخل تراب الجمهورية أو خارجه، أو السفر خارج تراب الجمهورية بغاية ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية
فأمس الأربعاء،أصدرت محكمة في بغداد حكمًا بالإعدام على تونسي بتهمة الانتماء إلى تنظيم “داعش” الإرهابي.والمدان هو محمد بريري الذي نقل من سوريا إلى العراق في فيفري الماضي.
وكان بريري -24 عامًا- نقل في نهاية جانفي الماضي من سوريا إلى العراق، مع 11 فرنسيًا من “داعش”، وتبين خلال محاكمته أمس أنه كان مقيمًا في فرنسا ولا يحمل جنسيتها.
ومثل بريري الأربعاء أمام قاضي محكمة جنايات الكرخ، قائلاً إنه “نادم على الانضمام إلى تنظيم “داعش”، ولكنني لست نادما على السفر إلى سوريا، لأنني فتحت عيني”.وأضاف المتهم الذي ظهر ببزة المساجين الصفراء: “غادرت لأنني كنت غاضبا، واعتقدت أن تنظيم داعش يدافع عن المستضعفين، واليوم رأيت الحقيقة وليس لدي أي علاقة بهذا التنظيم”.وخلال جلسة الاستماع التي لم تستمر لأكثر من ساعة، أقر بريري بانضمامه إلى “ألوية” مختلفة في التنظيم المتطرف وعمل في حراسة مقارهم أو كـ”حرس حدود” لـ”دولة الخلافة”.
و حتى الآن لم تتدخل السلطات التونسية لمنع إعدام مواطنها “محمد بريري” في العراق،و ربما قد تفعل ذلك لاحقًا و قد لا تفعل،فيما قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان إن بلاده تكثف الجهود الدبلوماسية لمنع إعدام ستة من مواطنيها في العراق، بعد إدانتهم بالانتماء لتنظيم الدولة.وقال لو دريان أمام لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان “بالنسبة للستة المحكوم عليهم بالإعدام، قلنا وسنكرر للسلطات العراقية موقفنا الرافض لعقوبة الإعدام”.لكن الوزير الفرنسي أكد “هؤلاء الإرهابيون نفذوا هجمات ضدنا، وقد زرعوا الموت أيضا في العراق، يجب أن تتم محاكمتهم حيث ارتكبوا جرائمهم”.
فهل يمكن إعتبار عدم تدخل الحكومة التونسية لمنع تنفيذ حكم الإعدام في حق أحد مواطنيها هو “تقاعس” غير مبرر من المسؤولين التونسيين؟ أو أن الحكومة التونسية تتعرض لضغوطات شعبية رافضة للتعامل مع الإرهابيين التونسيين المتواجدين بالخارج؟أم أنه لا توجد إتفاقية قضائية لتسليم و إستلام المجرمين و المطلوبين للقضاء مع هذه الدول؟.
في فيفري الماضي،قالت الخارجية التونسية إن حكومة بلادها “لن ترفض استقبال محتجزين من مواطنيها لهم جنسية مثبتة”، مشيرة إلى أن “الدستور التونسي يحظر إنكار الجنسية أو سحبها أو منع مواطنين من العودة”.فالدستور ينصّ في الفصل الـ25 “يحجر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن”، فالعودة إلى الوطن حق دستوري، ولا يمكن منع أي مواطن من العودة إليه مهما كان السبب.ويعتقد خبراء أن الحكومة التونسية لم تجد بعد صيغة واستراتيجية ملائمة للتعامل مع مثل هذه القضايا تمامًا مثل قضية التونسيين العائدين من بؤر التوتر ولم تطرح بعد مبادرات لإنقاذ هؤلاء الإرهابيين التونسيين من المشانق.
فيما ترى قراءات أخرى بأن الحكومة التونسية صرفت النظر في قضية الإرهابيين التونسيين الذين تصدر في حقهم أحكام قضائية ثقيلة كالمؤبد و الإعدام في الخارج و ذلك بضغط من جهات سياسية ترفض جملة و تفصيلا الدفاع عن أشخاص تورطوا في إرتكاب جرائم و أعمال إرهابية.
جزء كبير من الرأي العام التونسي و الحكومة يرفضان عودة الإرهابيين
و يعبر جزء كبير من الرأي العام التونسي وكذلك الحكومة عن رفضهما لعودة الإرهابيين. وتقدر السلطات التونسية عدد المقاتلين العائدين إلى تونس بطرقهم الخاصة بـ800 شخص يخضعون للرقابة. وقد تظاهر في جانفي 2017 حوالي ألف شخص ضد عودة الإرهابيين المحتملة مبررين ذلك بالخطر الذي سيشكلونه على أمن البلاد،و ربما لهذا السبب لا تقوم الحكومة التونسية بأية خطوة لإنقاذ رعاياها -الذين تورطوا في الإنتماء إلى التنظيمات الإرهابية المختلفة-من تنفيذ الإعدام في حقهم من دول كالعراق و ليبيا و سوريا.
3 آلاف تونسي التحقوا بالتنظيمات الإرهابية خارج البلاد
وكشفت السلطات التونسية في السنوات الأخيرة أن هناك حوالي ثلاثة آلاف تونسي التحقوا بالتنظيمات الإرهابية خارج البلاد، بينما تقدر المنظمة عددهم بنحو خمسة آلاف شخص.ويثير موضوع عودة الإرهابيين إلى تونس جدلاً واسعًا في البلاد حيث لا تزال حالة الطوارئ سارية منذ اعتداءات استهدفت سياحًا وعسكريين وأمنيين في 2015 و2016.
ويعتقد معهد واشنطن للدراسات في تقرير سابق حول المقاتلين التونسيين في بؤر التوتر أن الوضع الديمقراطي لتونس يوفر ميزة تتمثل بإمكانية اعتماد الحكومة على المجتمع المدني القوي في البلاد للمساعدة في حل مثل هذه الأمور بدلا من اتباع مقاربة قائمة على الأمن فقط.
و قال إنه “ورغم تحسّن الوضع بشكل كبير مقارنةً بالفترة 2012-2013، فضلاً عن عدم تعرُّض تونس لهجوم كبير منذ نوفمبر 2015، إلّا أنه لم يتمّ تحقيق الكثير لمعالجة المحرّكات الكامنة للتعبئة والانتشار. وصحيح أن الحكومة قادرة الآن على التعرّف على العائدين عند المعابر الحدودية الرسمية، لكنها لا تملك خطة بشأن ما يجب فعله حالما يتم تحديد هويتهم، كما تفتقر قواتها الأمنية إلى الوسائل اللازمة لمراقبتهم.
وفي غضون ذلك، لا تزال السجون المكتظة في البلاد تمثّل أرضاً خصبة للجهاديين. ورغم حصول تونس على مساعدة من الولايات المتحدة في إدارة السجون، إلّا أن مشاكل التطرف والأمن متداخلة بشكل وثيق مع القضايا السياسية والاقتصادية الأكبر، مما يجعل حلها صعباً بشكل خاص”.
و كان القضاء العراقي قد أصدر خلال الأيام الأربعة الأخيرة،أحكامًا بالإعدام في حق 7 فرنسيين أدينوا بالانتماء إلى تنظيم “داعش”،آخرهم ياسين صقم -29 عاماً- أصيل بلدة لونيل في جنوب فرنسا، وأحد أشهر الإرهابيين في الإعلام الفرنسي، الذي تسلمه العراق من سوريا في نهاية جانفي الماضي.
وحكمت محكمة في بغداد ،اول أمس الثلاثاء، على إبراهيم النجارة -33 عامًا- الذي اتهمه جهاز الاستخبارات الفرنسي بتسهيل إرسال إرهابيين إلى سوريا، وكرم الحرشاوي الذي سيبلغ 33 عامًا بعد غد الخميس، بالإعدام شنقًا حتى الموت، بعدما نقلا نهاية جانفي من سوريا حيث كانا محتجزين إلى جانب آخرين بيد قوات سوريا الديموقراطية.
وسبق أن أصدرت المحكمة نفسها أحكامًا يومي الأحد والاثنين على كيفن غونو وليونار لوبيز وسليم معاشو ومصطفى المرزوقي بالإعدام شنقًا.
ويحاكم العراق آلاف المشتبه بقتالهم في صفوف تنظيم الدولة، ومنهم مئات الأجانب الذين اعتقل كثير منهم مع استعادة السلطات السيطرة على معاقل التنظيم في أنحاء العراق.
وينص قانون مكافحة الإرهاب العراقي على عقوبة الإعدام لكل من أدين بالانتماء إلى تنظيمات متطرفة، حتى وإن لم يشارك في أعمال قتالية.
وبحسب القانون العراقي، لدى هؤلاء المدانين مهلة 30 يومًا للطعن بالحكم.
عمّـــار قـــردود
شارك رأيك