أصبح العديد من المستهلكين يلاحظون عديد الممارسات التجارية غير الشفافة من قبل بعض المساحات التجارية الكبرى وهو ما من شأنه التأثير السلبي على القدرة الشرائية للمواطن ولكن هذا ليس في مصلحة هذه المساحات التجارية كذلك التي أصبحت في علاقة فتور مع المستهلك بسبب هذه الممارسات بالرغم من ما توفره للمستهلك من تنوع المنتوجات و أسعار منخفضة نسبيا.
بقلم فيروز الشاذلي
تنوعت أساليب الغش التجاري من قبل المغازات والمساحات التجارية بصفة ملحوظة حيث أصبحت تتعمّد هذه الفضاءات أكثر فأكثر مغالطة المستهلك العادي بأساليب تعتمد على مخاتلة الحرفاء وإيهامهم بالقيام بشراءات مربحة وبأقل الأسعار بينما في الواقع تعرضهم لعملية المستهلك تعتمد بالأساس على الإشهار الكاذب والذي لاقى إنتشارا واسعا.
أصبحت أغلب المساحات التجارية تلجأ إلى تسجيل أرقام الهواتف الخاصة بالحرفاء على أساس علاقة وفاء تجاري ليتم فيما بعد إرسال إرساليات قصيرة لهواتفهم لإعلامهم بتخفيضات هامة وغير مسبوقة في بعض المنتوجات، مما يؤثر على سلوك المستهلكين وإقبالهم على هذه المنتوجات، ولكن بعد قيام أغلبية المستهلكين بشراء هذه المنتوجات يكتشفون أن سعرها لم يقع التخفيض فيه أصلا وبالعكس السعر أغلى من المساحات الأخرى ولكن طريقة الإيعاز بالشراء هي التي جعلتهم يقعون ضحية الإيهام بالتخفيضات.
أساليب الغش التجاري المعتمدة من طرف المساحات الكبرى
وفي هذه الحالة، تركز هذه المسحات التجارية على المواد الحرة في تسعيرتها والتي تعرف أسعارها تذبذبا إرتفاعا وإنخفاضا نسبيا كمواد التنظيف، لكي تسهل عملية إقتناع المستهلكين بجدوى عملية الشراء، وفي بعض الأحيان يتم اشتراط شراء كمية معينة للتمتع بقيمة التخفيض بالرغم من عدم إعلام المستهلك منذ البداية بذلك عندما تم إرسال الإرساليات الخاصة بالتخفيضات.
كذلك، وفي نفس إطار مخادعة المستهلك، تقوم بعض المساحات التجارية بعرض الأسعار الخاصة ببعض المنتوجات، عكس ما هو متداول عادة بأن تكون اللافتة التي تحوي السعر مباشرة تحت المنتوج، فيقع وضع الأسعار فوق المنتوج بالنسبة للمواد والسلع التي من نفس الفصيلة كمواد التجميل أو المواد الغذائية التكميلية، بحيث يقع المستهلك في خلط بين مختلف الأسعار المعروضة.
من جهة أخرى، هناك أساليب جديدة في التسويق التجاري المعتمدة على مراوغة المستهلك فتقوم المساحة التجارية المعنية بتخفيضات حقيقية على مواد معينة لمدة محدودة زمنيا وبنسبة هامة وعندما يصل الإقبال على هذه المواد لحد معين محدد سلفا من قبلها، ليتم الترفيع في سعرها بطريقة كبيرة مع التمويه في إشهار هذه الزيادة خاصة عن طريق إرفاق ملصقات صغيرة جدا للتسعيرة وأكثر من السعر الأولي قبل التخفيضات لتصل هذه الزيادة في أغلب الأحيان لــ20% ويتفاجأ المواطن عند القيام بعملية الخلاص بهذا الإرتفاع المفاجأ بالنسبة إليه حيث يتم إعلامه بضرورة دفع الفارق الجديد.
من ممارسات الغش التجاري لهذه المساحات، نجد كذلك المتعلقة بمغالطة المستهلك حول العناصر الجوهرية للبضاعة التي يتم تصنيعها تحت العلامة التجارية الحصرية للمساحة الكبرى ونجد هذه الممارسات خاصة في مواد مثل الأجبان، فيتم تعمد عدم التنصيص صراحة على مصدر هذه الأجبان، إن كان حيوانيا أو نباتيا، بحكم إختلاف السعر إلى حوالي الضعف بين المنتوجين وخصائصه الغذائية والصحية مختلفة إختلافا كبيرا.
كذلك نجد هذه المغالطات في مواد مثل التن فيتم السهو عمدا على ذكر المحتوى المرفوق بالتن ونوعية التن ببيانات التنصيص على العلبة، لأن أسعار التن تفترق إن كان بالزيت النباتي العادي أو زيت الزيتون وإن كان فتاتا أو أحجاما كبيرة، لذلك تقوم بتغييب هذه البيانات عمدا لكي لا يجد المستهلك فرصة لمقارنة السعر بخصائص وجودة المنتوج الذي يسوق تحت العلامة التجارية الخاصة بالمساحة الكبرى والذي عادة ما يتم تسويقه بأسعار منخفضة نسبيا لجلب أكثر ما يمكن من حرفاء جدد.
على مستوى آخر نجد هناك إنتشارا لظاهرة الإشهار الكاذب عن طريق الومضات الإشهارية فتقوم بتخفيضات هامة لمنتوجات في مختلف وسائل الإعلام ثم يتم توفير المنتوج المعني بالتخفيض الهام إلا في فروعها المنتصبة بأماكن تواجد المساحات التجارية الأخرى حيث تعاني من قوة المنافسة ولكن في فروعها الأخرى المنتصبة في أماكن لا توجد بها منافسة كبرى أو منعدمة لعدم وجود مساحات تجارية منافسة فلا يتم تزويدها بهذه المنتوجات منخفضة الثمن ليجد المواطن نفسه ضحية ومضات إشهارية كاذبة ليصاب بخيبة أمل عند دخوله للمغازة وعدم حصوله على المنتوج نتيجة عدم توفيره.
كما أن البيوعات التنموية بالرغم أن لها قوانين منضمة لكن الفضاءات التجارية الكبرى عبثت بها عبثا كبيرا فعندما يطلع المواطن على ثمن البضاعة المعروضة على الرفوف ويرغب في شرائها باعتبار أن سعرها مناسب، لكن يتفاجأ بأن سعرها ضعف ما قرأه على بطاقة الثمن الملصقة على الرف، وفي كثير من الأحيان لا يتفطن المواطن لذلك بحكم تعدد شراءاته كما دأب البعض على وضع فضاء مخصص داخل المساحة التجارية لمنتوجات الــ (promotions) على أساس فيه كل المواد المخفضة سعرها ولكن يتم إضافة بعض المنتوجات لمغالطة المشتري مع إضافة بعض المصطلحات لإيعازه بعملية تنمية تجارية وهمية على سبيل المثال (superprix) أو ( سوم هبال) ووضع المنتوج برف خاص وتزيينه ليبدو كأنه منتج اليوم للبيوعات التنموية.
الردع من قبل وزارة التجارة
ما فتئت فرق المراقبة الإقتصادية التابعة لوزارة التجارة تضرب بقوة للتصدي لهذه الممارسات التجارية غير الشريفة والتي أصبحت متنوعة من قبل هذه المساحات الكبرى بتهمة المنافسة غير الشريفة، فقد تم تتبع أكثر من مساحة تجارية بعد رفع مخالفات إقتصادية قد تصل عقوبتها القصوى لكل مخالفة إلى خطية مالية بـ20 ألف دينار من أجل الإشهار الكاذب الذي إقترفته هذه المساحات التجارية الكبرى والتلاعب بأسعار المواد والمنتوجات الإستهلاكية على خلفية عدم تطابق أسعار العرض الرسمية مع أسعار البيع الفعلية.
في نفس الإطار يتم حجز كل المواد التي ثبت عدم مطابقة بيانات التأشير لمحتوى المنتوج فقد نصّ القانون عدد 117 لسنة 1992 المؤرخ في 7 ديسمبر 1992 المتعلق بحماية المستهلك في فصله 13 على ما يلي: “تمنع كل عملية إشهار لمنتوج تتضمن بأي شكل من الإشكال إدعاءات أو إشارات غير صحيحة أو من شانها أن توقع في الخطأ وخاصة عندما تتعلق بأحد العناصر التالية: وجود المنتوج أو طبيعة أو تركيبه أو صفاته الجوهرية أو كمية العناصر النافعة به أو نوعه أو مصدره وكميته أو طريقة وتاريخ صنعه، صفات وسعر وشروط بيع المنتوجات موضوع الإشهار، شروط الإستعمال المنتظرة، أساليب وطرق بيع المنتوج، هوية أو صفة أو كفاءة المعلن.”
كما تم في نفس الإطار تخطئة مساحة تجارية كبرى معروفة بـــــــ100 ألف دينار لعدم إمتثالها لتطبيق التخفيضات التجارية الصادرة عن المنتج الأصلي لمشتقات الحليب والياغورت طيلة شهر رمضان فقد خيرت هذه المساحة التجارية عدم تنفيع المواطن بهذه التخفيضات الممنوحة من المنتج والإحتفاظ بها وهو ما يفرضه القانون خاصة القانون عدد 36 لسنة 2015 المتعلق بإعادة تنظيم المنافسة والأسعار حيث ينص الفصل 32من هذا القانون بكل وضوح أنه في صورة إقرار الدولة تخفيضات في الأداءات الجبائية وشبه الجبائية الداخلة في تركيبة الأسعار يجب على المنتج والتاجر أن يعكس هذه التخفيضات على مستوى أسعار بيعه وفي حال تخفيض الأسعار من طرف المنتج أو تاجر الجملة بصفة استثنائية أو وقتية أثناء المناسبات والمواسم يجب أن ينتفع المستهلك النهائي بقيمة هذا التخفيض مهما كان نظام سعر المنتوج.
ضرورة الوعي الإستهلاكي للمواطن لا بد منه
إن الوعي الإستهلاكي للمواطن ضرورة ملحة خاصة مع تعدد الأساليب التجارية لهذه المساحات التجارية الكبرى بغاية إستقطاب أكثر ما يمكن من المستهلكين عبر عمليات إيعاز وهمي وذلك بتقنين شراءاته وتحديدها مسبقا قبل الذهاب أصلا لهذه الأماكن مع عمله على مقارنة أكثر للأسعار، من جانب آخر يلزم يكون المواطن سندا لمجهودات الرقابة الإقتصادية بالتبليغ عن كل تجاوز يلاحظه والتفاعل مع مجهودات وزارة التجارة في هذا الغرض.
شارك رأيك