تعيش تونس هذه الأيام على وقع مجموعة من الاحداث السياسية المهمة لعل أهمها والذي بات يشغل بال الرأي العام التونسي هو الإستحقاقات الإنتخابية القادمة والتي ستجرى في شهري اكتوبر ونوفمبر القادمين بالنسبة للإنتخابات التشريعية الخاصة بالبرلمان والانتخابات الرئاسية التي سيختار فيها التونسيون رئيسهم الجديد للخمس سنوات القادمة.
بقلم الدكتور محمود حرشاني *
ويبدو الإستحقاقان على مسافة واحدة من الأهمية ما دام نظام الحكم في تونس المعتمد اليوم هو النظام البرلماني والذي يعطي للبرلمان سلطة مطلقة في إجازة القوانين أو اسقاطها. ورغم مطالبة عديد الشخصيات السياسية بضرورة تغيير هذا النظام الذي يصفونه بالهجين والذي يعطل مصالح الدولة ويجعلها مرتهنة بقرار الأغلبية والكتل القوية في البرلمان والعودة الى نظام يعطي صلاحيات أوسع للرئيس وهي صلاحيات بما هي عليه اليوم محدودة جدا وتجعل الرئيس عاجزا عن تمرير أي قانون في غياب مساندة الكتل القوية في البرلمان له إلا ان الكتل المسيطرة حاليا على البرلمان وفي مقدمتها كتلة حزب حركة النهضة ذات الأصول والمرجعيات الدينية ترفض هذا التحوير في طريقة نظام الحكم والذي جاء به دستور ما بعد الثورة والذي صاغته النهضة التي كانت متحكمة في أوصال المجلس التاسيسي على مقاسها وبما يخدم مصالحها.
العصفور النادر مازال لم يظهر في الأفق
ونحن الان في الستة أشهر الأخيرة المتبقية من المدة النيابية الحالية ودستوريا لا يصح إدخال أي تنقيح على الدستور أو المجلة الإنتخابية في هذه المرحلة. ومعنى ذلك انه لا يحق لأي جهة مهما كان حجمها ومكانتها أن تطالب بإدخال تغييرات على المجلة الإنتخابية طالما لم يعد يفصلنا عن الإنتخابات سوى أشهر قليلة.
وفي هذه المدة المتبقية بدا الحديث كله يتجه نحو من سيكون رئيس الجمهورية في المرحلة القادمة وأساسا من هي الشخصية التي ستحظى بدعم حزب حركة النهضة لتستطيع المرور الى قصر قرطاج.
السيد راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة في اخر تصريح صحفي له في باريس منذ من اسبوعين أكد عندما سئل في هذا الموضوع أن حركة النهضة تبحث عن العصفور النادر لتدعمه في هذه الإنتخابات الجديدة وهذا التصريح يقرأ من جانبين.
الجانب الأول أن حزب حركة النهضة المتمكن من مفاصل الدولة والمتواجد بكثافة في كامل أنحاء الجمهورية ليس له مرشحا من حزبه أو لا ينوي أن يرشح أحدا من قادته وأبنائه لهذه الإستحقات ولكنه سيتبى مرشحا من خارجه ويدعمه ليصل الى الرئاسة.
والجانب الثاني أن الأسماء التي بدأت تتردد الان بقوة في وسائل الإعلام لا تملأ عين النهضة وهي بالنسبة لها ليست في وارد أن تكون مساندة لها بل على العكس وهنا ندرك معنى عبارة العصفور النادر أن هذا العصفور لم تجده النهضة بعد وهو مازال لم يظهر في الأفق.
توحيد كل شقوق نداء تونس بما فيها الأحزاب التي انبثقت عنه
في هذه الأثناء تعيش الأحزاب الكبرى صراعات وتشققات وتستعد كلها للإنتخابات. وأهم هذه الأحزاب تحيا تونس الذي أعلن رسميا منذ يومين أن رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد هو رئيس هذا الحزب المعروف إصطلاحا باسم حزب الحكومة.
وهذا الحزب الذي ولد في أواسط السنة الجارية وعينه مفتوحة على الإنتخابات التشريعية والرئاسية عزز موقعه مؤخرا بانضمام حزب المبادرة الذي يراسه كمال مرجان وتوحد الحزبان في حزب واحد ورغم ما يصدر من تأكيدات بعدم تلاقي توجهات حزب تحيا تونس المحسوب على العائلة الوسطية والإنتماء للبعد الدستوري وحتى المرجعية البورقيبية عدم تلاقيه مع توجهات حزب حركة النهضة صاحب المرجعية الدينية فإن الملاحظين والمتابعين للشان السياسي يشتمون تقاربا في الأفق بيت الحزبين وربما مساندة حركة النهضة ليوسف الشاهد إذا ما ترشح للإنتخابات الرئاسية وهو أمر غير مستبعد لأن النهضة ساندت يوسف الشاهد أيام كان مهددا بالسقوط هو وحكومته رغم إصرار رئيس الجمهورية على ذلك. وهو ما أثار غضب الرئيس الباجي قائد السبسي وجعله ينهي اتفاقه مع حركة النهضة ومع شيخها راشد الغنوشي.
ولكن في السياسة كما يقول الباجي قائد السبسي لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة فربما يتغير الموقف الان خصوصا بعد الإعلان عن مبادرة جديدة سيطرحها الرئيس الباجي قائد السبسي بعد عطلة عيد الفطر وتهدف إلى ترميم حزب النداء والعودة إلى حزب نداء تونس التاريخي وقد يكون من بين عناصر هذه المبادرة توحيد كل شقوق نداء تونس بما فيها الأحزاب التي انبثقت عنه مثل مشروع تونس وبني وطني وشق طوبال والعودة بها كلها الى النداء الاصلي ولا يستبعد المحللون أن ينضم إلى هذه المبادرة حزب تحيا تونس بتركيبته الجديدة. ليكون لكل هذه الأحزاب مجتمعة في حزب واحد مرشحا وفاقيا واحدا للإنتخابات الرئاسية في وجه العصفور النادر الذي مازالت تبحث عنه النهضة وربما هو مازال لم يظهر في السماء بعد.
- كاتب ومحلل سياسي مدير موقع مرآة الوسط الاخباري.
شارك رأيك