يتساءل المواطنون ماذا ينتظر رئيس الحكومة يوسف الشاهد لإصلاح الأخطاء الفظيعة التي إرتكبها أسلافه بٱسم المد “الثورجي”؟ كيف تبقى البلاد بدون جهاز أمن الدولة وبدون وكالة للإتصال الخارجي في هذه الظروف الداخلية والإقليمية والدولية المضطربة؟ ألم يكن التدارك والترميم والإصلاح هو أساس برنامجه الذي نال به تزكية مجلس نواب الشعب؟
بقلم مصطفى عطية *
حول هذا الموضوع، علمت أنباء تونس من مصادر وثيقة الصلة بمحيط عمل رئيس الحكومة أن قائمة المؤسسات، وخاصة الإسترتيجية منها، التي تم تدميرها نتيجة الهستيريا “الثورجية” والغباء، موجودة على مكتبه في إنتظار إستعادتها تدريجيا لتدعيم تماسك الدولة، بعد أن تأكد للجميع، بالحجة والبرهان، أن فقدانها قد أثر كارثيا على سير دواليب الدولة وأجهزتها وألحق أضرارا بالغة بأمن البلاد وصورتها في الخارج.
الإصلاح المنهجي بعد التدمير “الثورجي”
كما كان منتظرا تصاعدت أصوات العديد ممن ركبوا سروج العمل السياسي في السنوات الأخيرة وٱرتبط تموقعهم في المرحلة الإنتقالية بالفشل الذريع قبل أن تعصف بهم الإنتخابات الماضية وتعيدهم إلى أحجامهم الحقيقية، مذ علموا ببرنامج الإصلاحات التي تعتزم الحكومة إنجازها، وخاصة منها تلك المتعلقة بالأجهزة والمؤسسات التي عصفت بها رياح الحماقة “الثورجية”، وٱنطلقت، تبعا لذلك، مزايداتهم الشعبوية المحمومة رفضا لهذه الإصلاحات الحيوية، معتبرين إياها شكلا من أشكال الثورة المضادة.
لا أعتقد أن هؤلاء “الثورجبين” قد إطلعوا، ولو لماما، على الكلاسيكيات الفكرية والإيديولوجية وحتى الأدبية التي عالجت واقع الثورات والإنتفاضات في العالم وإرتداداتها، وتضمنت بأساليب مختلفة الصراع بين الثوار الحقيقيين و”سراق الثورة” أي “خونة المستقبل” كما يصفهم رجيس ديبريه، ولا أظنهم يعرفون أن الجنوح إلى إصلاح ما أفسده التسرع والإرتجال هو سلوك ثوري نبيل، كان أتاه المناضل الكبير الراحل نلسن منديلا، والزعيم الثوري التشيكي الراحل فاكلاف هافال.
التوظيف الإنتهازي لحراك الرابع عشر من جانفي 2011
ليعلم هؤلاء الذين ركبوا سروج الحراك الشعبي في البلاد قبل أن يكتشف الشعب زيفهم، أن الثورة المضادة التي عادوا للحديث عنها هذه الأيام بكثير من الإندفاع المحموم هي من صميم توظيفهم الإنتهازي لحراك الرابع عشر من جانفي، ومن سعيهم الهستيري للقفز العشوائي على أهدافه لخدمة أجندات شخصية وحزبية ضيقة جدا، فالإنتهازية والرغبة الجامحة في الإنفراد بركوب سروج الحراك الشعبي، يوحدان أصحاب المصالح الدنيئة المشتركة ويشكلان مكونات ومراحل ما يسمى بالثورة المضادة، أي أن هؤلاء الذين دأبوا على التحذير من إمكانية وقوعها هم مضرمو نيرانها وليس الذين يطالبون بالتراجع عن الأخطاء الكارثية كما يدعون.
إن التراجع عن الأخطاء وتنفيذ الإصلاحات الضرورية وإعادة توظيف الكفاءات الوطنية العالية في كافة المجالات هي الطريق الوحيد المؤدي إلى إنهاء الإحتقان في البلاد والشروع الفعلي في البناء على قواعد سليمة، أما خلاف ذلك فكل الطرق مقطوعة أمامه، فبعد ثماني سنوات ونصف من الصراع حان الوقت لٱتخاذ القرارات الشجاعة التي تعيد الأمل للمواطنين وتمنحهم فسحة تطلع إلى الآفاق الرحبة.
نقول هذا الكلام بعد أن إنهمرت سهام الفاشلين والشعبويين مستهدفة كل محاولات إصلاح ما اقترفت أيديهم من حماقات.
لا شك ان الجروح والندوب التي خلفتها في قلوبهم هزائمهم وخسارتهم لمواقع النفوذ والسلطة ،التي كانوا يعتقدون واهمين أنها باقية لهم، وخفوت الأضواء حولهم، وإنسحاب الكثيرين من الذين كانوا محيطين بهم، قد أصابهم بداء الثأر الأسود ومعارضة كل شيء صالح ومفيد للبلاد والعباد.
بعض الأحزاب التى مازالت تلوح بالشعارات الشعبوية التي أصبحت تثير إستهزاء الناس غير قادرة على جمع عدد من الأفراد يفوق عدد قيادييها في الإجتماعات التي تنظمها، وبعض السياسيين الذين صاحبهم الفشل الذريع في كل تحركاتهم إندفعوا رافضين كل شيء وبالأخص الإصلاحات العاجلة التي يطالب بها الشعب.
يبدو هذه المرة ان اللعبة قد إنتهت، وأن الإصلاحات في طريقها إلى الإنجاز ولا عزاء للثورجيين وأصحاب معاول التهديم الذين ركبوا سروج الحراك الشعبي ووجهوه إلى حيث منافعهم ومصالحهم وأجندات مموليهم بالخارج.
* صحفي وكاتب.
شارك رأيك