مع إقتراب موعد الأنتخابات التشريعية تشهد الساحة السياسية اليوم في تونس عمليات تقارب مفتعلة بين أحزاب صغرى لا يجمع بينها أي رابط سياسي أو أيديولوجي أو برامجي قوي وهي تحاول التحالف أو الإندماج أو التوحد خوفا من الموت والإندثار الوشيكين.
بقلم الدكتور محمود حرشاني*
مع إقتراب الإستحقاقات الإنتخابية القادمة في تونس وأهمها الإنتخابات التشريعية لتركيز برلمان جديد بدأت بعض الأحزاب الصغرى تتحرك على عدة أصعدة وأبرزها الصعيد الإعلامي والإتصالي في محاولة لتأكيد جدارتها بالمشاركة في هذه الإستحقاقات. ولكن هذه الأحزاب تدرك هي قبل غيرها حجمها الحقيقي وتواجدها في الساحة السياسية الفعلية بعيدا عن التواجد في البلاتوهات التلفزية والإذاعية والشعارات التي لم يعد يقنع بها المواطن التونسي أمام ما أصبح يعيشه من حالة ضيق واختناق جعلته يقف من خلال هذه المعاناة اليومية على حقيقة “نضال” هذه الأحزاب وأن عملها لا يعدو أن يكون مجرد رفع شعارات رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع. خاصة أمام حالة الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار وصعوبة الحياة في تونس اليوم.
أحزاب تلعن الظلام لكن المواطن بحاجة إلى شمعة تضيء حياته
لم يعد المواطن التونسي الغلبان يقنع بما يردده الساسة من شعارات رنانة الهدف منها الوصول إلى سدة الحكم وبعدها تنسى هذه الشعارات ويغرق المواطن من جديد في معاناته اليومية
هذه الأحزاب الجديدة والتي ولدت من رحم الثورة لا تملك قدرة على تغيير الواقع وهي تكتفي فقط عند حضور رموزها وقادتها في المنابر الإعلامية في القنوات التلفزية والإذاعية بلعن الطلام ولكن المواطن يبحث عن الشمعة التي تنير أمامه الطريق وليس فقط عمن يلعن الظلام.
توفير الشمعة التي تنير الطريق ليس بالامر الهيين او المقدور عليه عند الأحزاب الصغيرة التي يبدو أن رصيدها في لعن تبعات العهد السابق لم يعد كافيا ليجلب لها الأنصار فقد باتت اللعبة مكشوفة لدى الجميع وأصبح هناك حنين واضح إلى العهد السابق و هناك من يعبر عنه علانية وبوضوح وهناك من يعبر عنه في دوائر ضيقة. ولكن مضمون الرسالة واحد وهو أن الأحزاب الجديدة عجزت عن توفير الحلول والبديل وأن الإتكاء على مدح إيجابيات الثورة واللعب على العواطف وإثارة المشاعر لم يعد يسيل اللعاب أو يلفت الانتباه.
الأحزاب الصغرى والخوف من الإندثار الوشيك
أمام صعوبة مرور الأحزاب الصغرى إلى تحقيق أهدافها بعد أن إنفردت بالساحة السياسية والحزبية ثلاثة او أربعة أحزاب كبرى وهي حركة النهضة والنداء القديم وتحيا تونس الحزب الجديد المحسوب على رئيس الحكومة والذي أصبح رئيسه رسميا والحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي والذي يتبنى مرجعيات بورقيببة واضحة لا لبس فيها ولا غبار عليها ويعتبر أن خصمه الوحيد هو حركة النهضة و يدعو إلى إزاحته.
بقية الأحزاب الأخرى هي مجرد أرقام صغيرة حتى أن المواطن لا يحفظ أسماءها أو أسماء المسؤولين الأول عنها. ثم إن بعض هذه الأحزاب الذي ظل محافظا على وحدته عصفت به الرياح في الاونة الأخيرة وانقسم مثل حزب نداء تونس الذي إنقسم الى شقين والجبهة الشعبية التي تفتتت ولم يعد لها وجود.
أما بقية الأحزاب الأخرى فلا تأثير لها في الشارع اذا ما إستثينا حزب البديل بقيادة رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة والذي يلاحق الأحزاب الاربعة الكبرى الانفة الذكر ليكون الخامس مستفيدا من كاريزما رئيسه وقدرته الخطابية وهو الحزب الوحيد الان من بين الأحزاب الصغرى والجديدة القادر على ملء قاعة إجتماع تتسع لأكثر من الفي شخص.
من هنا أدركت الأحزاب الصغرى أن الإنتخابات القادمة ستكون فاصلة ومصيرية بالنسبة لها. وربما ستكون هذه الإنتخابات ونتائجها بداية تاريخ شهادة الوفاة لأغلبها وهو أمر طبيعي بعد عشر سنوات في عمر الثورة لايمكن أن يستمر على الساحة اكثر من 200 حزب سياسي. وبعض هذه الأحزاب غير قادر على جمع عشرة أنفار في مقهى.
لذلك شرعت بعض هذه الأحزاب الصغرى في التوحد والإندماج وتكوين جبهات موحدة لجمع شتاتها وخوض الإنتخابات المقبلة في ما يسميه قادة هذه الأحزاب جبهات أو تحالفات إنتخابية.. وتشهد اليوم الساحة السياسية في تونس تقارب أحزاب لا يجمع بينها أي رابط ولا يمكن لها ان تلتقي مع بعضها أو تتوحد وذلك خوفا من الموت والإندثار الوشيكين.
* كاتب ومحلل سياسي مدير موقع “مرآة الوسط” الإخباري.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
شارك رأيك