تفاجأ الجميع يوم أمس الثلاثاء 11 جوان 2019 بتداول المنشور الصادر عن المجلس الوطني لعمادة الأطباء والقاضي بالترفيع في تعريفات أتعاب مختلف الإختصاصات الطبية في القطاع الخاص التي تصل إلى حدود 45 دينار بالنسبة للطب العام و70 دينار بالنسبة لطب الإختصاص.
بقلم فوزي عبيدي
هذه التعريفات الجديدة مثلت صدمة للكثير من المواطنين بحكم الزيادة الكبيرة فيها فقد وردت في صيغة هامش أدنى وأقصى والأكيد أن الغالبية الساحقة من أطباء الخواص سوف يذهبون نحو تطبيق الأسعار القصوى بحكم معرفتهم الجيدة بإضطرار المواطن الذهاب للتداوي بالقطاع الخاص نظرا لما آل له حال قطاع الصحة العمومية من تدهور كبير وسوء خدمات.
الأطباء يدافعون عن مصالح قطاعهم أكثر منه الدفاع على المصلحة الوطنية
من ناحية أخرى، هذه الزيادات لم يكن وقتها أصلا فالمواطن عانى الأمريّن من الزيادات المتلاحقة في حياته اليومية التي تنهال عليه من كل صوب وحدب فمسّ الغلاء جميع مستلزمات حياته اليومية من أكل، لبس، سكن، نقل… حتىّ أسعار الدواء لم تسلم من الزيادات بحكم أن أغلبها مستورد وما رافق ذلك من إنهيار العملة الوطنية وخاصة ترفيع الدولة في الأداءات المستوجبة على هذه الأدوية والتي أجمع الكثير من الخبراء على أن هذه الأداءات ليست في موضعها وليست بالمردودية الكافية لميزانية الدولة بقدر ما هي إلاّ ضرب للقدرة الشرائية للمواطن في مقتل في أهم عنصر حياتي لا يستطيع التخلي عنه.
الآن يجد المواطن نفسه تحت ثقل زيادة جديدة غير مبررة خاصة أن القطاع الخاص لأطباء الإختصاص من أكثر القطاعات التي شهدت إنتعاشا كبيرا بعد الثورة بحكم إنهيار القطاع الصحي العمومي والإلتجاء القصري للمرضى للقطاع الخاص، إضافة أن إرتفاع المردود المالي لهذا القطاع الخاص أحببنا أو كرهنا لا تقوم غالبيتها بواجباتها الجبائية طبقا لمعايير العدالة الجبائية وذلك للثغرات الكبيرة التي يحويها نظام المهن الحرة غير التجارية بالنظام الجبائي التونسي حيث تم إسقاط جميع التعديلات التي تخص هذا النظام من خلال الإحتجاجات السنوية التي نظمتها عمادة الأطباء قبل كل قانون ميزانية جديد بل أصبح الكثير من الأطباء يدخلون للحياة السياسية للدفاع عن مصالح القطاع أكثر منه دفاع على المصلحة الوطنية.
العمادة تستذكر التشاريع القانونية إلاّ عندما تكون في صالحها
عند إصداره لهذا المنشور تبنى المجلس الوطني لعمادة الأطباء في التنصيص على إقرار هذه الزيادة على الفصل 42 من مجلة واجبات الطبيب الصادرة بمقتضى الأمر عدد 1155 لسنة 1993 مؤرخ في 17 ماي 1993 والذي ينص على أنه يتعين على الطبيب دوما تحرير قائمة أتعابه بنفسه وبحذق واعتدال مراعيا في ذلك مقدار الأتعاب مثلما يتم ضبطه ومراجعته بصفة دورية من قبل المجلس الوطني لعمادة الأطباء والهيئات المهنية وكذلك الظروف الخاصة منها حالة المريض وتشعب العمل وصعوبته.
ولكن هنا أغفلت العمادة لأنه ليس في صالحها على أن نفس الفصل المذكور أعلاه ينص صراحة على أن تحرير الأتعاب الخاصة بالطبيب يخضع كذلك للتعريفات والأتعاب مثلما تقتضيها الأحكام التشريعية والترتيبية الجاري بها العمل والتي تعتبر قاعدة لضبط المصاريف الطبية المسترجعة من قبل هيئات الضمان الإجتماعي وهذه الهيئات المقصود بها هي الصندوق الوطني للتأمين على المرض ففي هذه الحالة لم يراعي المجلس الوطني بأي حال من الأحوال خلال إقراره لهذه الزيادة المشطة أي إتفاقية ممضاة مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض فهذه الزيادات التي أقرها تمثل إرتفاعا بقرابة 40 بالمائة مقارنة مع التعريفات التعاقدية المنصوص عليها بالإتفاقيات الموقعة مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض.
ظاهريّا نجد أن الطبيب مدعو للإستئناس بالتعريفتين المقترحتين من قبل العمادة ومن قبل الصندوق حسب إتفاقيات إسترجاع المصاريف ولكن في الواقع نجد أن القلّة القليلة من الأطباء تراعي ذلك بل الأغلبية الساحقة من الأطباء تقوم بتطبيق تسعيرة الأتعاب الصادرة عن العمادة وتسجيلها بأوراق إسترجاع المصاريف الخاصة بالمريض ليفاجأ المريض عند تقديمه لهذه الأوراق لصندوق التأمين على المرض بإنحصار تعويض الصندوق عند حد السقف المنصوص عليه في الإتفاقية الخاصة بالصندوق وليس ما دفعه هو في الواقع.
العمادة لحماية الطبيب والمواطن من يحميه
أحدثت عمادة الأطباء كهيئة ناظمة بحكم القانون عدد 21 لسنة 1991 مؤرخ فى 13 مارس 1991 المتعلق بممارسة مهنتي الطب وطب الأسنان وتنظيمها حيث تضم وجوبا جميع الأطباء وجميع المؤهلين لممارسة مهنتهم بالبلاد التونسية وذلك مهما كان قطاع النشاط الذي ينتمون إليه وحسب الفصل11 من هذا القانون تتولى العمادة الدفاع عن شرف المهنة واستقلاليتها وتمثيل المصالح المعنوية لأعضائها والدفاع عنها وتنظيم مشاريع التقاعد والتعاون لفائدة أعضائها.
لكن من يحمي المواطن في جانب الحصول على الخدمات الصحية بأسعار معقولة ومدروسة ولا تخضع لتسعير أحادي فمن الضامن أن التسعير الأحادي من قبل العمادة ليس فيه تعسف وسوء تقدير وأنانية مفرطة وهنا تبرز ضرورة قيام أطراف عديدة بدورها كوزارة الإشراف المعنية الأولى بتداعيات هذا القرار على مجال الصحة العمومية وقدرة التونسي على الحصول على الخدمات الصحية وهي وزارة الصحة العمومية كذلك وزارة الشؤون الإجتماعية لعلاقة الموضوع بالتأمين على المرض مع ملاحظة ضرورة إهتمام منضمات المجتمع المدني كمنظمة حماية المستهلك والمنظمة التونسية لإرشاد المستهلك بمثل هذه المواضيع والمجالات المهمة في حياة المواطن التونسي وعدم إقتصارها فقط على أمور الإستهلاك العادية خاصة أن المواطن يجد نفسه في بعض الأحيان هو الطرف الضعيف أمام بعض الممارسات القطاعية التي ظهرت بعد الثورة فيما درج على تسميته باللوبيات القطاعية.
شارك رأيك