بعد الجدل الذي أثارته المراجعة الأخيرة لتعريفات أطباء القطاع الخاص من مختلف الدرجات والإختصاصات المهنية صار من الضروري توضيح بعض الأمور وتصحيح بعض المغالطات.
بقلم د. أمين سقير *
الطب مهنة حرة وتعريفة الأطباء محددة مسبقاً ولا تخضع للعرض والطلب ولكن يجب أن تتطور بموجب تطور الكلفة الحقيقية للعلاج والأعباء المالية المتزايدة التي يتحملها الطبيب كأي مواطن تونسي تدهورت قدرته الشرائية.
تتم مراجعة الأتعاب من طرف عمادة الأطباء دورياً كل ثلاث سنوات واخر مراجعة كانت سنة 2016 ولم تقم القيامة انذاك! كما لم تقم القيامة عندما إرتفعت الأجور في القطاع العام أحياناً للضعف خلال السنوات الأخيرة.
يجب إلقاء اللوم أولاً على الكنام (الصندوق الوطني للتأمين على المرض) التي لم تراجع المبالغ المسترجعة وسقف إسترجاع المصاريف منذ 10 سنوات (سقف 200 دت سنوياً منخفض جداً) وهي مبالغ كان من المفروض مراجعتها كل ثلاث سنوات.
تأخر المراجعة جعل المريض يدفع جزءًا أكبر من أتعاب الطبيب. لا لوم على هذا الأخير في ذلك فلو واصل الطبيب العمل بتعريفة الكنام لصار يعمل بالمجان، فالصحة ليس لها ثمن و لكن لها كلفة!
يجب إلقاء اللوم على صحة عمومية منهارة صارت تدفع بالمريض دفعاً نحو الطب الخاص
الإرتفاع الأخير للتعريفة يعود أيضاً إلى فرض 1% ضريبة على رقم المعاملات و 7% أداء على القيمة المضافة الذي على الطبيب جمعه من المرضى لفائدة إدارة الضرائب. هذه الضرائب مشطة و إستثنائية ولا تحترم مبادئ دستورية أهمها مساواة المواطنين أمام الحقوق والواجبات (الجبائية) والحق في الصحة بدون أداءات إضافية يدفعها المريض لفائدة السليم.
وأخيراً يجب إلقاء اللوم على التغطية الإجتماعية الضعيفة الذي لا تشمل كل المواطنين وعلى صحة عمومية منهارة صارت تدفع بالمريض دفعاً نحو الطب الخاص.
إذا أردنا الإبقاء على طب خاص مواكب لتطور العلم ومجهز بشكل جيد فلا بد من مراجعة الأتعاب لأن التجهيزات الطبية الحديثة والتكوين في المؤتمرات الدولية لا تقدمه الدولة مجاناً للأطباء وإنما يدفعون بالعملة الصعبة من أجله.
إذا لم يقم الأطباء بمراجعة اتعابهم لتتماشى مع الكلفة الحقيقية فسيضطر المريض عاجلاً أو أجلاً إلى العلاج في الخارج بتكلفة أعلى بكثير.
قد يكمن الحل في النظام التكميلي للتغطية الإجتماعية الذي تقدمه شركات التأمين الخاصة ولكن هذه الشركات هدفها الربح ولا تقدم خدماتها إلا بمقابل باهض.
على الدولة والمجتمع إذاً القيام بدورهما والسهر على توفير الموارد المالية لقطاع الصحة تحت عنوان التضامن الوطني وإلا ستزداد الأعباء المالية على المرضى بشكل غير مسبوق، وذلك من خلال الرفع من تمويل الكنام وتوسيع التغطية الإجتماعية وإيقاف العمل بالاداءات الجبائية المسلطة على المرضى.
يجب تجاوز الصورة النمطية للطبيب كشخص ثري جشع يجمع المال ولا يدفع الضرائب
للأسف الصورة النمطية للطبيب كشخص ثري جشع يجمع المال ولا يدفع الضرائب لم تتغير بمرور الزمن. في الواقع صار الطبيب يعتبر تلميذاً نجيباً ومساهماً هاماً في المنضومة الضريبية التونسية بشكل يتجاوز كل المهن الحرة الأخرى، في حين أن دخله في تراجع مستمر.
نؤكد أنه لا وجود لطبيب تونسي واحد يدفع اداءات حسب النظام التقديري، ورقم 500 دت سنوياً كضريبة سنوية رقم مضحك وغير حقيقي تداوله أشخاص يهدفون إلى مغالطة الرأي العام.
منظومة الكنام والحفاظ عليها وتوسيعها هو أفضل أداة لمحاربة التهرب الضريبي للأطباء لأنها الوحيدة التي تقدم صورةً آنية وواضحة على النشاط الذي يقوم به الطبيب.
* طبيب مختص.
مقال لنفس الكاتب بأنباء تونس :
شارك رأيك