على بعد مسافة قصيرة من موعد إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس تحاول بعض الأطراف السياسية المتنفذة مستعينة بالكتل الكبيرة في البرلمان تمرير تنقيحات جديدة على القانون الإنتخابي من شأنها أن تقطع الطريق أمام بعض المترشحين سواءا للرئاسية أو التشريعية والتي أظهرت إستطلاعات الرأي الأخيرة تفوقها وإحتلالها الصدارة في نوايا التصويت مقابل تدحرج الأحزاب الحاكمة حاليا.
بقلم الدكتور محمود حرشاني*
هذه الأحزاب المتنفذة حاليا (والتي فاجأتها نتائج إستطلاعات الرأي بما أصبحت عليه من إنحسار لشعبيتها قبل أربعة أشهر من هذه الإنتخابات أوأقل من أربعين يوما من موعد تقديم الترشحات لها) لم تجد ما تلوذ به سوى الإلتجاء إلى إدخال تنقيحات على القانون الإنتخابي لقطع الطريق أمام زحف الوجوه الجديدة والتي لم تقرأ الأحزاب الحاكمة لوزنها حسابا. أو انها لم تكن تتوقع صعودها الصاروخي بهذا الحجم…
خطوة قد تربك سير الرزنامة الإنتخابية وتحول دون إجراء الإنتخابات في موعدها
إلا أن الرأي العام لم يتقبل هذه التنقيحات وتعالت أصوات عديد المنظمات والجمعيات وفي مقدمتها الإتحاد العام التونسي للشغل وجمعية عتيد وعديد الأحزاب داعية إلى عدم المس بالقانون الإنتخابي في هذه الفترة محذرة من مغبة العودة الى سياسة “سن قوانين على المقاس” لقطع الطريق أمام الخصم السياسي التي كان يعمل بها النظام السابق.
كما حذرت الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات من الإقدام على هذه الخطوة التي قد تربك سير الرزنامة الإنتخابية وتحول دون إجراء الإنتخابات في موعدها.
وفي الوقت الذي تتمسك فيه حركة النهضة وحزب تحيا تونس بمقترح إدخال تنقيحات على القانون الإنتخابي فإن أحزابا أخرى مثل نداء تونس لا تبدو متحمسة كثيرا لهذه الخطوة وقد حذر أحد قادة هذا الحزب الأخير الفاضل عمران من الإقدام على هكذا إجراء والذي يمكن الطعن فيه وإسقاطه بالمحكمة الإدارية حتى ولو أقره مجلس النواب. وهو ما قد يمس برزنامة الإنتخابات ويتسبب في تأجيلها.
أما حزب مشروع تونس فإن موقفه من إدخال التنقيحات على القانون الإنتخابي كان واضحا وهو الرفض… سيما وأن هذه التنقيحات تتعارض مع روح وجوهر الدستور الذي يخول لكل تونسية وتونسي الترشح للإنتخابات التشريعية والرئاسية إذا لم تكن لديه موانع جزائية أو قانونية تحول دونه والترشح.
هناك اليوم إجماع على رفض هذه التنقيحات لأنها غير دستورية وغير أخلاقية
وأمام عدم وجود إجماع أو أغلبية تناهز 109 تمكن من تمرير هذه التنقيحات فشل مجلس النواب أمس الخميس 13 جوان 2019 في تمرير هذا القانون الجديد المنقح والمصادقة عليه وأجل النظر فيه إلى الأسبوع القادم ريثما تنجح الكتل صاحبة المشروع (حزب تحيا تونس وحركة النهضة) في إقناع بقية الكتل بالمصادقة وهو أمر يبدو مستبعدا أمام ضغط المجتمع المدني والمنظمات الوطنية وفي مقدمتها الإتحاد العام التونسي للشغل الذي لا أحد بإمكانه أن يستهين بموقعه اليوم.
حزب حركة النهضة يبرر على لسان أحد قيادييه محمد بن سالم الإقدام على إدخال التنقيحات الجديدة بأنها حماية لتونس حتى لا يأتي يوم نترحم فيه على تونس ونقول “يرحم تونس” حسب تصريحه لإذاعة شمس أف أم وهنا إشارة واضحة الى جمعية خليل تونس ونبيل القروي الذي بنى صعوده الصاروخي على العمل التضامني الذي تقوم به جمعية خليل تونس في الأحياء الشعبية والأوساط الريفية وهتافات المنتفعين من الناس البسطاء “يرحم خليل” وخليل هو الإبن المتوفى لنبيل القروي والذي تحمل الجمعية الخيرية إسمه.
ومن الأسماء المستهدفة من خلال سن القانون الجديد عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر التي فاجآ صعودها كل التوقعات ووضعتها نتائج سبر الاراء الأخير في المرتبة الثالثة. وهذه لكي يتم إقصاؤها أوجدوا لها مدخلا وهو منع كل من يمجد منظومة العهد السابق ولا يعترف بالدستور الجديد وبالثورة من الترشح. وقد رأت بعض الجمعيات والملاحظين في هذا الأمر تدخلا سافرا في حرية الرأي الشخصية وركيزة واهية لمنع الخصم
ومهما يكن من أمر فان هناك اليوم إجماع على رفض هذه التنقيحات لأنها غير دستورية باعتبارها تأتي في الأربعة أشهر الأخيرة من المدة النيابية الحالية كما أن أهدافها وأعراضها واضحة وهي قطع الطريق أمام الخصوم السياسيين للإنفراد بالساحة.
* كاتب ومحلل سياسي مدير موقع مرآة الوسط الاخباري التونسي.
شارك رأيك