كرة القدم التونسية لم تشهد، طيلة تاريخها الطويل، وتحديدا منذ إستقلال البلاد، إنحدارا كهذا الذي إنزلقت في متاهاته، منذ مجيء وديع الجريء إلى سدة رئاسة الجامعة ! وقد شمل التدهو كل مكونات القطاع.
بقلم مصطفى عطية *
يقود الفشل المسؤولين عنه إلى تقديم إستقالاتهم. هذه هي القاعدة المعمول بها في البلدان المتقدمة والمتحضرة والديمقراطية، لكن في بلادنا، كما كل البلدان العربية، تختلف المسألة تماما، إذ يحرص المتسببون في الفشل على التمسك بكراسي النفوذ والسلطة والوجاهة، حتى وإن كان كل الشعب ضدهم.
حدث هذا مرات عديدة في مجالات مختلفة، ويحدث الآن في قطاع الكرة، فبعد مهازل وفضائح الكرة التونسية، خلال السنوات الأخيرة، والتي إنتشرت روائحها الكريهة لتزكم الأنوف بالداخل والخارج وتتناولتها البرامج الرياضية في الفضائيات الأجنبية بالتحليل الذي يشوبه التشهير، وهو ما أثر تأثيرا سلبيا على مواقف الهياكل الإقليمية والقارية والدولية تجاهنا، وآخرها وليس آخرا القرارات التي إتخذتها لجنة الطوارئ بالإتحاد الإفريقي لكرة القدم والتي سحبت بمقتضاها كأس رابطة الأبطال الإفريقية من الترجي الرياضي وإعادة مقابلة إياب نهائي هذه البطولة في بلد محايد.
إنتظر التونسيون أن يبادر وديع الجريء، رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم ومنظومته، بتقديم إستقالاتهم، لكن إنتظاراتهم كانت ضربا من ضروب المستحيل وخاصة مع وديع الجريء الذي فعل كل ما يلزم وما لا يلزم لتأمين بقائه على سدة رئاسة الجامعة حتى وإن أدى وجوده إلى إندثار هذه اللعبة في ربوعنا.
تراكمات أدت إلى الإنهيار
لسنا من هواة طعن الثور عند سقوطه، ووديع الجريء اليوم في حالة ضعف بسبب الأحداث الدرامية المتسارعة في قطاع كرة القدم حتى وإن إدعى بهتانا أنه ساهم في ” تطور كرة القدم التونسية ” فهذا الذي حصل ويحصل ويتراكم على إيقاع سريع، كنا حذرنا منه على إمتداد أشهر طويلة، وطالبنا مرارا وتكرارا بالتدارك وتصويب الأمر وإصلاح الأوضاع وتطويق الأزمات المستفحلة دون جدوى، لأن هياكل الإشراف في سبات عميق ولم تدرك طبيعة مسؤولياتها بتعلة أن الجامعة “مستقلة” ولا يمكن التدخل في شؤونها.
هذا وقد دأب وديع الجريء، كلما شعر بخطر إهتزاز كرسيه، على التلويح بالتهديد بالإتحاد الدولي لكرة القدم الذي سيعطل نشاط كرة القدم التونسية بالداخل والخارج إن تعرضت الجامعة لضغوطات من السلط الحاكمة، في حين أن العارفين بالقوانين الدولية في هذا المجال يعلمون علم اليقين أن الإتحاد الدولي لكرة القدم، وإن كان يرفض التدخل في شؤون جامعة منتخبة، فإنه يقبل بالطعون التي توجه إليه والتي تثبت إخلال جامعة الجريء بٱلتزاماتها وتجاوزها للقوانين المعمول بها في العديد من الحالات، ولو تفتح الفيفا الملفات التي أغرقت الجامعة التونسية لكرة القدم في بؤر خطيرة خلال السنوات الأخيرة، فسوف تتخذ الإجراءات التأديبية اللازمة تجاهها وتدعو إلى حلها وتنظيم إنتخابات سابقة لأوانها. ولو علمت الفيفا، على سبيل المثال وليس الحصر، أن الجامعة تصرف لبعض الحكام المحظوظين والمحصنين والذين يكلفون بمهمات خاصة عندما يلزم الأمر، جرايات غير قانونية خارج منح إدارتهم للمقابلات، فسوف تأمر بحل الجامعة لأنها تجاوزت مواثيقها وخرقت تشريعاتها وقوانينها.
هذا أحد الأمثلة، نسوقه عرضيا لنسقط خرافة “عصا الفيفا” التي يلوح بها وديع الجريء وباطنته في حلهم وترحالهم ويرهبون بها كل من يدعوهم إلى الإصلاح والتقيد بالمواثيق والقيم والتشريعات.
كرة القدم التونسية لم تشهد إنحدارا كهذا الذي شهدته منذ مجيء الجريء
ليس بيني وبين رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم “لا حرثة ولا ورثة” كما يقول المثل الشعبي الشائع، ولكن بيننا مصلحة كرة القدم التونسية، فإن كان هو المؤتمن عليها بصفته تلك، فنحن هنا ومن مواقعنا لن نترك له الحبل على الغارب للتصرف في القطاع كما يتصرف المزارع في مزرعته. عليه واجبات وعلينا واجبات أيضا ولا بد لكل طرف أن يلتزم بها.
لنكن واقعيين، ونترك المجاملات والإنتماءات بعيدا، ونعترف بالواقع المرير وهو أن كرة القدم التونسية لم تشهد، طيلة تاريخها الطويل، وتحديدا منذ إستقلال البلاد، إنحدارا كهذا الذي إنزلقت في متاهاته، منذ مجيء وديع الجريء إلى سدة رئاسة الجامعة ! وقد شمل التدهو كل مكونات القطاع : المنتخبات بكل أصنافها وهياكل التسيير والتحكيم والتنظيم والتكوين، والبنية الأساسية والتجهيزات والمسابقات بمختلف أنواعها، والقوانين والتشريعات، والعلاقة بين الجامعة والجمعيات وبينها وبين الإتحاد الإفريقي، وتتذكرون جيدا فضيحة العقوبات التي سلطها هذا الأخير على وديع الجريء وكرة القدم التونسية، وفي عهده عرفت الجمعيات الرياضية الإفلاس وعقوبات الفيفا والغياب عن منصات التتويج القاري، وأصبحت بعض المنتخبات التي لا تقاليد لها كمنتخبات دجيبوتي والرأس الأخضر وموريتانيا وسيراليوني وغيرها ترعبنا وأحيانا تهزمنا.
إستفحال الأزمة وضرورة الإنقاذ
يؤكد الأخصائيون، وخاصة الأجانب، أن الكرة التونسية لا تنقصها المواهب وهي ذات تاريخ عريق ومحطات نجاح وتفوق عديدة لكن الخلل الذي يعيق تطورها ويمنعها من تحقيق النجاحات المطلوبة هو غياب التأطير ووجود المسؤول الخطأ في المكان الخطأ، فمع وديع الجريء وجماعته لن نحصد إلا الفشل. نقولها بكل ألم ولكننا لا نستطيع كبتها لأن الصمت على مثل هذه الحقائق هو ضرب من ضروب التواطؤ مع مقترفي الآثام في حق كرة القدم التونسية، لقد إستفحلت الأزمة وحان وقت الإنقاذ…
* صحفي وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
شارك رأيك