عندما أنشئ صندوق التأمين على المرض “الكنام” فقد كانت الغاية تحقيق جملة من الأهداف منها التأمين الصحي وتوفير العلاج للكل دون تمييز لكن مع هذا هناك هدف رئيسي لم تكن كل الأهداف الأخرى لتتحقق إن فشل الصندوق في تفعيل هذا الهدف الجوهري.
المقصود هو تأهيل قطاع الصحة العمومية الارتقاء به وجعله يضاهي مستوى
قطاع الصحة الخاص أي في العيادات والمصحات
هذا الهدف الذي وضع منذ أكثر عشرة سنين هو إقرار صريح واعتراف كون منظومة الصحة العمومية تشهد وضعا مترديا وسيئا لا سيما إن تمت مقارنتها بالقطاع الخاص.
فبعد ما يزيد عن عقد من الزمن وصلنا إلى وضعية في منظومة الصحة العمومية اقل ما يقال عنها كونها ازدادت ترديا وتدهورا.
فمن ناحية تدهور وضع القطاع الصحي العمومي ومن ناحية أخرى فان ما تم رصده وتحديده من سقف مصاريف إنفاق منذ 10 سنوات ويزيد بقي على حاله في حين أن الوضعية الانفاقية للمواطن التونسي تدهورت كثيرا بل إن مقدرته الشرائية ضربت تماما. في مقابل هذا فان أسعار الدواء شهدت خاصة في السنوات الأخيرة ارتفاعا مشطا وكذلك انفاقات التحاليل والأشعة اي الخدمات الطبية ومع هذا فما خصصه الكنام لا يتغيرأضف علىه الزيادة المشطة الأخيرة في تسعيرة الاطباء .
القطاع الخاص متطور لكن الأسعار باهظة
هناك معضلة كبيرة لم يتعامل معها صندوق التأمين على المرض بجدية مطلقا وهي تحول قطاع الطب إن كان الخاص أو العام إلى “سوق ودلال” في أغلبه فالكنام يحدد تسعيرة الكشف بالنسبة لطبيب عام ب18 دينارا لا غير أما اطباء الاختصاص فهو بين 30 و 35دينارا وكل من تعاقد مع الكنام يمضي على التزام تعهد بما يفرض عليه من شروط لكن هل فعلا هناك التزام بهذا؟
بالنسبة للطب العام فان الكشف بات 30بدينارا وحتى أكثر أما أطباء الاختصاص فالأمر بات كارثيا بل لا نبالغ إن قلنا أن هذا القطاع صار مجال ربح وكسب سريع وان الكثير من الأطباء إن لم نقل جلّهم أصابهم وباء النهم للمال والرغبة في الثراء السريع
بالتالي صاروا يطلبون كشفا يصل إلى 60 دينارا وأكثر.
لكن طريقة تعامل الكنام مع هذه المعضلة هو إقرارها كونها مشكل وان هذا السلوك مخالف للقانون لكن هناك اعتراف آخر وهو انه لا توجد إجراءات قانونية تفعل ضد هذه التجاوزات أي أن وظيفة صندوق التأمين على المرض هنا توعوية في حين أنتعاقد الأطباء مع الكنام اختياري بالتالي من يقبل له عليه ان يقبل بالتسعيرات التي يحددها.
المواطن يعاني
ضمن كل هذا فان المتضرر الأكبر هو المواطن خاصة محدود ومتوسط الدخل فهو بين مطرقة الغلاء في أسعار الأدوية والخدمات الطبية وما يفرضه الأطباء من معلوم كشف وبين “الكنام” الذي يتصرف وكان الأمر لا يعنيه أولا من خلال عدم تفعيل قانون يجبر كل طبيب تعاقد مع صندوق التأمين على المرض على الالتزام بما وضع في العقد من شروط ومنها تحديد تسعيرة كشف وعلاج وان الأمر ليس مجالا حرا يحدد فيه الطبيب التسعيرة التي يريدها على هواه.
هذا الأمر أيضا يناط بعهدة وزارة الصحة حتى تتدخل وتفرض القانون كون الطبيب ليس تاجرا بل اليوم نراه تحول إلى” مستكرش” يستغل حاجة المرضى لفرض أسعار عليهم فوق مستوى مقدرتهم وبين هذا وذاك فان الكنام يتعامل مع الأمر وكأنه موضوع لا يعنيه .
من هنا حان الوقت وصارت الضرورة تحتم مراجعة ما حدد من قيمة استرجاع مصاريف علاج منذ أكثر من 10سنوات ف 200 دينارا التي حددت للشخص مع زيادة ب50 دينارا للقرين والأبناء في الكفالة كسقف سنوي لا يتجاوزه الكنام هو رقم لم يعد منطقيا بالمرة بالتالي ولا بد من مراجعته وفق مستوى الأسعار اليوم أي في العام 2019 والذي يختلف كثيرا عن مستوى الأسعار في عام 2006.
محمد عبد المؤمن
شارك رأيك