يتواصل الجدل على أشده إثر مصادقة مجلس نواب الشعب الثلاثاء الفارط 18 جوان 2019 على التنقيحات التي تم إقرارها على القانون الإنتخابي قبل أشهر قليلة من تنظيم الإنتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، مما دفع عدد من المراقبين والمتابعين للشأن الوطني العام إلى التحذير من إمكانية أن تؤدي هذه التعديلات إلى تأجيل الإنتخابات، أو التشكيك في نتائجها المرتقبة، ما يطرح بدوره تبعا لذلك إحتمال إدخال البلاد في أزمة سياسية قد تكون لها إنعكاسات خطيرة على مسار الإنتقال الديمقراطي.
بقلم سنيا البرينصي
ولعله من الملاحظ أن تأجيل الإنتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة أصبح مطروحا بقوة في حال تم قبول الطعون التي من الوارد تقديمها ضد التنقيحات المجراة على القانون الإنتخابي، والتي تتطلب توقيع 30 نائبا على الأقل.
ولئن تخفي هذه التنقيحات الهادفة بالأساس إلى تغيير مسارات اللعبة السياسية والإنتخابية في البلاد، وذلك من خلال مضامينها وتوقيت إقرارها المثير للجدل، فإنها تكشف للعيان وجود صراع محتدم على السلطة ما فتئ يتزايد كلما إقترب موعد الإستحقاقين الإنتخابيين.
على وقع الإستعداد للإنتخابات المقبلة: السيناريوهات المحتملة
وبين مؤيد لهذه التنقيحات ومعارض لها، وكل له مؤيداته وحججه التي قد يراها وجيهة، يبقى الواجب الوقوف مليا على مضامين هذه التعديلات وتداعياتها المحتملة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، من زاوية دستورية بحته بالنظر إلى أن عددا من أساتذة القانون الدستوري إعتبروا تنقيح القانون الإنتخابي غير دستوري ويمس من شفافية المسار الديمقراطي للبلاد.
وبالنظر إلى أنه من الوارد أن يلجأ عدد من نواب مجلس الشعب إلى الطعن في دستورية التنقيحات المذكورة أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، يبقى السؤال هنا يتعلق بموقف الهيئة ثم بموقف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بصفته الراعي لبنود الدستور.
وفي هذا الإطار، يؤكد أستاذ القانون العام توفيق بوعشبة، في تصريح ل “أنباء تونس”، اليوم الخميس 20 جوان 2019، أن القانون الإنتخابي مسألة محددة ومنظمة دستوريا لأن رئيس الجمهورية مدعو إلى ختم القانون في اجاله المحددة وإنزاله بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ليصبح بذلك ساري المفعول.
كما إعتبر توفيق بوعشبة أن إمكانية تقديم طعون في عدم دستورية القانون الإنتخابي في صبغته الحالية متاحة لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة ولثلاثين نائبا من مجلس نواب الشعب أو أكثر.
وفي سياق متصل، أشار أستاذ بوعشبة إلى أن رئيس الجمهورية مطالب بختم القانون في حال لم يتم الطعن فيه أو في حال إنتهت اجال الطعون، أي بعد يوم 25 جوان الجاري، أو بعدم ختم القانون ورده إلى مجلس الشعب لإعادة النظر في بعض أحكامه ضمن الية “صلاحية الرد” المخولة لرئيس الجمهورية في حال وجدت طعون وقررت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين قبولها.
أما بخصوص إمكانية عرض رئيس الجمهورية القانون الإنتخابي على الإستفتاء، يؤكد توفيق بوعشبة أنها جائزة بصورة إستثنائية بما أن القانون الإنتخابي يندرج ضمن خانة حقوق الإنسان والحريات، ويضيف أنه في حال كان هناك إستفتاء على القانون المذكور وترتب عنه التصويت ب “لا”، فإن هذا القانون لا يمكن أن يختم، كما أن الإستفتاء سيترتب عنه تأجيل الإنتخابات إلى اجال زمنية يصعب تقديرها حاليا.
وأوضح بوعشة أن العملية برمتها مرشحة بصورة أو بأخرى، مرتب لها، أو غير مرتب لها، إلى الضغط على تاريخ الإنتخابات بهدف التأجيل. وتابع بأن هناك رغبة من بعض الأطراف في إستغلال هذه العملية التشريعية، التي فيها الكثير من الإنحراف، لما يقضيه الدستور لخلق مناخات وتعقيدات تؤجل الإنتخابات المقبلة.
حسب خبير قانوني، النواب إرتكبوا خطأ دستوريا فظيعا
وشدد أستاذ القانون الدستوري على وجود خطأ دستوري وصفه ب “الفظيع” في التنقيحات التي تم إقرارها على القانون الإنتخابي وقع فيه مجلس نواب الشعب وجهة المبادرة يتعلق بالفصل 74 من الدستور المخصص لضبط شروط الترشح لرئاسة الجمهورية.
ولفت إلى أنه لا يمكن قانونا إضافة شروط أخرى للفصل 74 من الدستور إلا بمقتضى “قانون دستوري” طبقا لأحكام الدستور المتعلقة بتعديله، بل يمكن فقط إضافة شرط “التزكية”، مؤكدا أن أي إضافة يتم إقرارها لهذا الفصل بالذات تتطلب وجوبا تنقيح الدستور، وبالتالي تصبح الشروط المضافة لهذا الفصل باطلة بصريح نص الدستور.
تأجيل الإنتخابات وارد ونواب هذه الكتل سيطعنون في القانون الإنتخابي
أما النائب بمجلس نواب الشعب توفيق الجملي فأفاد، في تصريح ل “أنباء تونس”، بأن عددا من النواب يفوق ال 30 سيقدمون إبتداء من غد الجمعة طعونا في القانون الإنتخابي المذكور.
وأضاف أن النواب الذين من المنتظر أن يطعنوا في القانون الإنتخابي هم من الكتل البرلمانية لكل من نداء تونس (شق الحمامات) والجبهة الشعبية والولاء للوطن والكتلة الديمقراطية. واعتبر الجملي أن هناك إمكانية كبرى لتأجيل الإنتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة.
ما رأي الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات؟
في المقابل، قال عضو الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات محمد التليلي المنصري، في اتصال مع “أنباء تونس”، إن إحتمال تأجيل الانتخابات المقبلة غير مطروح في قاموس الهيئة.
وأكد المنصري أن الطعون التي من المنتظر تقديمها ضد القانون الإنتخابي لن تؤثر على دورية ومسار الإنتخابات المقبلة، موضحا أن الهيئة جاهزة لكل السيناريوهات في الغرض.كما إستبعد عضو الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات إمكانية لجوء رئيس الجمهورية إلى عرض القانون المذكور على الإستفتاء.
وصادق مجلس نواب الشعب بتاريخ الثلاثاء الفارط على مشروع قانون أساسي يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالإنتخابات والإستفتاء كما تم تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرخ في 14 فيفري برمته ب 128 نعم و14 إحتفاظ و30 رفض..
وبموجب هذا القانون تم إقرار عتبة ب 3 بالمائة في الإنتخابات التشريعية، وحذف إقصاء التجمعيين من عضوية مكاتب الإقتراع، وإشتراط بطاقة عدد 3 خالية من السوابق العدلية للترشح للتشريعية وما يفيد بالتصريح بالمكاسب والمصالح في الاجال المضبوطة والتصريح الجبائي للسنة السابقة للترشح، إلى جانب رفض وإلغاء ترشحات نتائج من يتبين قيامه أو إستفادته من أعمال ممنوعة على الأحزاب السياسية كالإشهار السياسي من خلال العمل الخيري أوالجمعياتي، ورفض ترشحات من ثبت قيامهم بأفعال أو خطابات لا تحترم الدستور والنظام الديمقراطي، أو تدعو إلى العنف والتباغض بين المواطنين، أو تمجد الديكتاتورية وممارسات إنتهاك حقوق الإنسان.
شارك رأيك