ماذا يحدث في مجلس نواب الشعب ؟! سؤال يتطارحه المواطنون المحبطون بكل حيرة وتعجب وٱستغراب بعد تتالي التصرفات والمواقف والقرارات والإجراءات المتباينة مع إنتظارات الشارع ! هل أصبح النواب في واد، والشعب، الذي قيل أنه إختارهم، في واد آخر؟
بقلم مصطفى عطية *
لا نتحدث عن التلاسن والتشابك بالأيدي وتبادل الإتهامات، والأمثلة الشعبية التي تحولت إلى آيات قرآنية، والألفاظ العنصرية والإقصائية المذلة لأقليات من الشعب التونسي، والإستنتاجات المثيرة لٱستهزاء العامة، بل عن نتائج التصويت على مشاريع القوانين والتنقيحات التي يتكتل فيها أصحاب المصالح الإنتمائية ضد الرغبات الشعبية في إساءة واضحة للبلاد ومؤسساتها وللشعب وطموحاته.
كان الشعب المحبط، الذي تتالت عليه الخيبات خلال سنوات القحط الثماني، يمني النفس ببرلمان يتبنى مشاغله ويعالج مشاكله ويضع حدا لٱستنزاف آماله وطموحاته، ويوفر الحلول للأزمات المتراكمة والمتفاقمة بٱستمرار، خاصة وقد عاش طيلة السنوات الثلاث الأولى بعد الإطاحة بالنظام السابق على إيقاع فصول طويلة من فضائح ومهازل مجلس تأسيسي أفقد السلطة التشريعية هيبتها ومصداقيتها وحولها إلى مصدر تندر وٱستهزاء.
نظام الإقتراع على القائمات المعتمد حاليا هو الأسوأ على الإطلاق
رحل المجلس التأسيسي، غير مأسوف على رحيله، تاركا وراءه أسوأ الآثار وأكثرها إنتهاكا لقيم الديمقراطية والحرية والعمل السياسي، وجاءت صناديق الإنتخابات التشريعية الماضية بنواب جدد عوضوا أغلبية الراحلين من المجلس التأسيسي، ولكن، وبعد مرور الأيام وتتالي الأسابيع والأشهر والسنوات، إكتشف التونسيون أن الحال مازالت على ما هي عليه تقريبا، فالمشاحنات والمشادات والملاسنات، وحتى مظاهر التشابك بالأيدي مازالت كما هي أو تكاد، لم يتغير المشهد كما كان يأمل المواطنون مما زاد في تعميق الشعور بالإحباط لديهم وتذكية نيران الغضب في أفئدتهم وشعورهم وكأن هذا البرلمان الذي من المفروض أن يمثلهم أصبح يعمل ضدهم.
أشرنا، أكثر من مرة، في تحاليل سابقة إلى أن معضلة الديمقراطية الناشئة في بلادنا مردها القانون الإنتخابي الذي تم إختياره على مقاس بعض الأحزاب وليس طبقا للقيم الديمقراطية، فنظام القائمات المعتمد حاليا هو الأسوأ على الإطلاق لأنه يجرد الناخب من أهم حق تشرعه له الديمقراطية وهو حق إختيار الشخص الذي سينوبه في البرلمان، وبنظام القائمات نجده وقد إنتخب قائمة محشوة بأسماء لا يعرفها ولم يخترها بل فرضت عليه فرضا وهو ما يتنافى، جملة وتفصيلا، مع أبسط قواعد الديمقراطي. ولكن أين نحن من الديمقراطية وقواعدها وشروطها وٱلتزاماتها، لقد أخذنا منها القشور وأهملنا اللب والجوهر والمقصد والهدف! وتلك مصيبة كبرى مازلنا وسنبقى نعاني من تداعياتها الكارثية.
دستور أعرج يكبل أعضاء الحكومة و يعيق تحركاتهم
تصر الأحزاب المنتفعة من نظام القائمات المغلقة، والمعدة في مكاتبها طبقا للولاءات والمصالح والمنافع، على الإبقاء على هذا النظام غير عابئة بخطورة نتائجه السلبية على المسار الديمقراطي برمته، وكأنها تريد لهذا المسار أن يتعطل ويندثر بعد أن تكون قد إستعملته ووظفته وٱستغلته في السيطرة على دواليب الحكم والتمكن من أجهزته لتنفيذ أجنداتها الأصلية.
إنعكس الوضع المرتبك وشبه الفوضوي، الذي تكتل فيه أصحاب المصالح ضد رغبات وطموحات وتطلعات الشعب، على الساحة السياسية بأكملها فعمق أزماتها، وحولها إلى حلبة للصراعات والمصادمات والتجاذبات فكثرت الإنشقاقات في صلب الأحزاب، وبالتالي داخل الكتل البرلمانية التابعة لها، وتسارعت وتيرة “الترحال النيابي”، أي التنقل داخل البرلمان من حزب إلى آخر ومن كتلة إلى أخرى، وٱنعكس كل هذا على الحكومة ! فكما يكون وضع مجلس نواب الشعب يكون وضع الحكومة في الأنظمة البرلمانية ! لذلك لا يمكن، منطقيا وتبعا لما يحدث في صلب البرلمان، رفع سقف الرهان على الحكومة عاليا مهما كان حسن نية أعضائها وكفاءة البعض منهم وٱجتهاد الآخرين، فالأحزاب أمامهم والنواب في البرلمان وراءهم ولا مفر لهم من دستور أعرج يكبل تحركاتهم، وهو الدستور الذي صاغه أعضاء مجلس تأسيسي أغلب أعضائه من أنصاف الأميين وقليلي المعرفة وعديمي التجربة.
الشعب عيل صبره وفقد الأمل في هذه الطبقة السياسية
نحن الآن في أسوإ الوضعيات التي لا نحسد عليها، والتي تعيق تقدم المسار الديمقراطي وتطوره، وتعرقل كل محاولات النهوض والإصلاح والتدارك، وتساهم في مزيد تردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، وما قد ينجر عن ذلك من تأجيج لغضب الشعب، الذي فقد الأمل في هذه الطبقة السياسية واستنفد كل ما تبقى لديه من قدرة على الصبر والصمود.
إن كل المؤشرات تؤكد أن الطريق أصبحت مسدودة أمام الجميع، ولم يعد بالإمكان التقدم على أي مسار من المسارات، وهو ما جعل البعض يتكهن بتدخل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لرفض التنقيحات المتعلقة بالقانون الإنتخابي التي صادق عليها البرلمان وإحالتها على إستفتاء شعبي وهو ما سوف يؤدي عمليا إلى تأجيل الإنتخابات ! فهل يفعلها الباجي ؟
* صحفي وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
شارك رأيك