سنعتمد أولا في رصد تطور الجريمة في بلادنا على تقرير دولي مهم وهو تقرير “نامبيو” والذي يصدر بشكل مسترسل حيث انه يعتمد جملة من المقاييس ليضع من خلالها ترتيبا يضم قائمة ب117دولة ومعدل الجرائم فيها.
التقرير الأخير المتوفر وضع فنزولا وبعض دول امريكا اللاتينية ودول افريقيا السوداء ونقصد هنا عددا منها اضافة الى الدول المضطربة في المراتب الاولى كدول تعاني من معدلات جريمة مرتفعة جدا .
من بين هذه الدول التي شملها هذا التقرير الدولي ليبيا وسوريا والعراق .
لكن ما يهمنا هنا هو وضعية بلادنا التي كان يضعها التقرير قبل سنتين في المرتبة 73دوليا ب 38،90نقطة اي انها لم تصل الى معدل 40 نقطة وهو الحد الذي يصنف كمعدل جريمة مرتفع .
لكن نفس التقرير أعطى تونس في 2019 معدل 42.29 ورغم أنه اعتبر أن مستوى الجريمة متوسطا الا ان تقييم المتوسط لا يكون بمقارنتة ببلدان فاقدة للأمن تماما بل بمقارنة الوضعية الحالية بما كانت عليه قبل سنوات وقبل عقدين او حتى ثلاثة فتونس كانت تصنف كبلد آمن جدا ومدنها منعدمة المخاطر عند التجول ليلا ونهارا لكن حاليا لم يعد هذا متوفرا .
ورغم ان الوضع لم يصل الى المستوى الكارثي أي الخطير الذي تشتعل معه الأضواء الحمراء الا انه ليس من الحكمة التغاضي عن التحولات المجتمعية التي تحصل لأننا قد نجد انفسنا بعد فترة في الوضعية الحرجة.
وطنيا سنعتمد معطيات المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في العام 2016 حيث تم رصد وصول 210جثة قتلى جراء جريمة اي انه قتل متعمد الى مشارح مستشفيات واهمية الرقم وخطورته تتوضح اذا احتسبنا هذا العدد ضمن دولة عدد سكانها يعتبر قليلا .
بالنسبة للعام 2018 الذي انقضى فانه تم تسجيل حوالي 200 ألف جريمة منها اكثر من 40 ألف جرائم عنف منها القتل الذي تطورت الجريمة فيه بحوالي 39 بالمائة وثلها لجرائم السرقة اما الجرائم المتعلقة بالمخدرات فقد ارتفعت بنسبة 88 بالمائة .
وفق المعطيات فان جرائم القتل تتوزع بين عائلية اي في نطاق العائلة واخرى بسبب اعتداءات للسرقة و”البراكاجات” وايضا وهو امر خطير بسبب تعاطي المخدرات.
أصناف جديدة
الامر الآخر الذي نرصده ونسمه كونه خطير جدا هو تصاعد وتيرة انواع جديدة من الجرائم لم تكن متداولة منها القتل الوحشي في نطاق الاسرة حيث تكاثرت جرائم قتل الابناء خاصة الرضع وايضا قتل ابناء مراهقين آبائهم.
النوع الاخر من الجرائم التي تزايدت بشكل كبير هي السرقات الجماعية اي السطو على بنوك او قباضات مالية او محلات او مواشي من قبل عصابات ملثمة اي ان الجريمة انتقلت من الفعل الفردي الى مخططات عصابات تنفذ وفق مخططات .
كل هذا الذي نتحدث عنه استثنينا منه الجرائم الارهابية باعتبارها صنف منفصل بذاته وخطر اخر تواجهه الدولة والمجتمع.
تفسير ارتفاع معدل الجريمة
بعد الثورة اي في السنوات الاولى التي تلت عام 2011 كان التفسير لارتفاع معدلات الجريمة هو عدم الاستقرار الامني وضعف اداء الاجهزة الامنية.
ورغم ان هذا التفسير موضوعي وحتى صحيح الا اننا اليوم ونحن في 2019تجاوزنا هذه الحالة والوضعية حيث استعادت الدولة قوتها وسلطتها وردعها.
لكن مع هذا فان معدلات الجريمة في ارتفاع فما هو السبب؟
لا يمكن فصل الامر عن عاملين رئيسيين وهما الوضعية الاقتصادية التي تمر بها البلاد وايضا الوضعية الاجتماعية التي يمر بها الشعب.
فالوضعية الاقتصادية الصعبة انعكست على الطبقتين المتوسطة والفقيرة فضربت مقدرتهم الشرائية في مقتل بالتالي تدهورت الحالة الاجتماعية ومعها او نتيجة لذلك صارت هناك حالة شبه عامة من اليأس والاحباط والغضب والتوتر والنتيجة الانفجار لأي سبب فحصول ردات الفعل فارتكاب جريمة أي أننا في مجتمع متوتر.
من الجهة الاخرى فان تدهور ظروف المعيشة جعل الكثيرين يعمدون الى طرق ووسائل غير قانونية للحصول على المال والنتيجة السرقات و”البراكاجات” والنشل.
محمد عبد المؤمن
شارك رأيك