قد يبدو هذا التأكيد مبالغا فيه للوهلة الأولى، فكيف يمكن لبرنامج طوّره المجتمع المدني منذ تقريبا سنتين أن يساهم في وضع تونس على سكة الثورة الرقمية. من خلال تحليل الشروط الأساسية للثورة الرقمية فإن الشرط الأول لنجاحها هو توفر المعلومات والبيانات في شكل مفتوح بما يسمح بإعادة استعمالها، فثورة القرن الواحد والعشرين مبنية بالأساس على البيانات وبدونها لا حديث عن ثورة رقمية حتى وإن توفرت التجهيزات والبنية التحية والكفاءات.
ورغم أن أغلب دول العالم تشهد حاليا تطورا غير مسبوق في عدد البيانات المفتوحة فإن عددها بقي محدودا جدا في تونس ولم يتجاوز في 2017 وقبل انطلاق برنامج انشر حسب الموقع الرسمي للبيانات المفتوحة التابع لرئاسة الحكومة تقريبا 300 وحدة بيانات، فيما يبلغ عدد البيانات المنشورة في الولايات المتحدة الأمريكية 300 ألف وحدة بيانات.
كان التحدي الأساسي هو توفير المعلومة الرسمية في شكل مفتوح وهو تحد صعب يرتبط بالأساس بمدى استعداد وقدرة مختلف الهياكل العمومية على توفير هذه البيانات سواء من الناحية التقنية أو من ناحية المحتوى. لذا كان الهدف الأساسي لبرنامج “انشر” الذي انطلق في نهاية سنة 2017 هو توفير المعلومة من خلال مقاربة جديدة لا تعتمد على مجرد التكوين وبناء القدرات فقط بل تقوم بالأساس على مرافقة تقنية وقانونية للهياكل العمومية التي قبلت الشراكة مع البرنامج وهي بالأساس وزارة النقل والهياكل التابعة لها ووزارة الفلاحة والموارد المائية والهياكل التابعة لها والعديد من البلديات. وشارك في عملية المرافقة التقنية عديد الخبراء من تونس والولايات المتحدة الأمريكية وذلك بدعم من برنامج مبادرة الشراكة الشرق أوسطية بما ساهم في نقل الخبرة والمعارف في هذا المجال إلى العديد من إطارات الإدارة التونسية. وبفضل هذه الشراكة تضاعف عدد البيانات المفتوحة في تونس 3 مرات في ظرف سنة ونصف لتبلغ 1000 وحدة بيانات من بينها 700 وحدة بيانات منشورة في إطار برنامج “انشر” وهو ما يمثل تقريبا 70 % من جملة البيانات المفتوحة ويعود ذلك إلى التعاون المثمر مع وحدة الإدارة الالكترونية برئاسة الحكومة، ووزارة الفلاحة ووزارة النقل وتقريبا 50 بلدية. حيث تم إطلاق بوابات قطاعية للبيانات المفتوحة في وزارة الفلاحة http://www.agridata.tn/ وتعد وزارة الفلاحة والهياكل التابعة لها أكبر منتج للبيانات المفتوحة على مستوى إفريقيا والشرق الأوسط بأكثر من 350 وحدة بيانات تشمل مجالات متعددة كوضعية السدود والموارد المائية والإنتاج النباتي والحيواني، والغابات. وبوابة النقل http://data.transport.tn بقرابة 125 وحدة بيانات تشمل النقل البري والبحري والجوي ومعطيات حول الأحوال الجوية. أما بوابة البلديات http://openbaladiati.tn فيبلغ عدد البيانات المنشورة بها 380 وحدة بيانات بفضل الالتزام المهم من طرف العديد من البلديات. وتطور هذا العدد مؤخرا بفضل الشراكة المتميزة مع الجامعة الوطنية للمدن التونسية والتي تم إمضاء اتفاقية معها لتوسيع هذا البرنامج ليشمل بلديات أخرى.
ولربط الصلة بين طالب المعلومة والهياكل العمومية وتيسير النفاذ إل المعلومة تم تطوير منصة https://www.informini.org/ وهي المنصة الأولى في تونس التي تستجيب لمقتضيات قانون النفاذ إلى المعلومة وتمكن من تقديم طلبات النفاذ إلكترونيا. وبلغ عدد مطالب النفاذ حاليا الموجهة عبر المنصة أكثر من 500 مطلب نفاذ تم الاستجابة إلى 60% منها وهي نسبة مهمة جدا مقارنة بالنسبة المسجلة في إطار مطالب النفاذ الورقية.
لم يكتف برنامج انشر بالمساعدة على نشر البيانات المفتوحة بل ركز أيضا على إعادة استعمالها لتحقيق قيمة مضافة لهذه البيانات وذلك بتنظيم العديد من مسابقات الهاكتون، وهي مسابقات يتنافس فيها الشباب التونسي لتطوير تطبيقات هاتف جوال باستعمال هذه البيانات وذلك بالشراكة مع عديد المؤسسات الاقتصادية وهو ما سيساهم لاحقا في خلق مواطن شغل ويساهم فعليا في وضع تونس على السكة الحقيقية للثورة الرقمية.
شارك رأيك