بدأت بعض الأصوات تبرز بين الحين والآخر تتحدث عن تأجيل الإنتخابات القادمة المقررة في الخريف وكل واحد يغني على ليلاه في تقديمه لحجج التأجيل في صورة واضحة على عدم فهم المرحلة وماذا يعنيه أصلا تأجيل الإنتخابات وتقديمه على أساس أنه حل بينما هو يمثل في الحقيقة سقوط حر لديمقراطية هشة .
بقلم فيروز الشاذلي
لنذهب في هذا الطرح إلى الآخر ونسلّم جدلا أنه تم تأجيل الإنتخابات ونحن في اليوم الأول من عهدة التأجيل، أوّل قطاع هش سيتأثر سلبا هو القطاع الإقتصادي وأكثر ما سيتضرر هو الإستثمار خاصة الإستثمارات الأجنبية التي لا تستطيع أن تنمو وتتدفق في ظل ضبابية سياسية وغياب أفق واضح، ففي هذه الحالة سوف تجد تونس نفسها أمام تقارير لا تحصى ولا تعد من قبل المؤسسات المالية والسياسية الدولية المنتقدة لهذه الخطوة لا سيما أنها خطوة التأجيل غير مبرّرة كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجموعة الأزمات الدولية …
أجّلنا الإنتخابات وماذا بعد ؟
بعد أن كان يتحسّس بعض الأمل في إستعادة نشاطه وإعادة سلامة التوازنات الكبرى للمالية العمومية سوف يجد الإقتصاد الوطني نفسه تحت ضغط التصنيفات السلبية من جديد، فالتصنيف التونسي الإئتماني السيادي هو أصلا غير جيّد وهو من المشاكل التي ساهمت في إرتفاع مديونية تونس ومثّل عائقا في خروجها والإقتراض من السوق المالية العالمية بنسب فائدة مناسبة، وذلك نتيجة التصنيف B+ من قبل وكالة فيتش رايتنغ والأسوء إن تم تأجيل الإنتخابات أن يتم تنزيل هذه الدرجة إلى مستوى C وعند ذلك على الإقتصاد التونسي السلام و الرحمة.
التأجيل هو فشل للديمقراطية الناشئة في تونس
تأجيل الإنتخابات مهما كانت الأسباب شرعية أو غير شرعية هو في الآخر عنوان لفشل الديمقراطية التونسية وفي عدم محافظتها على مسار بناء تقاليد سليمة للتداول على السلطة وفي مناخ من الثقة بين الطبقة السياسية التي لا محالة سوف تدخل في دوّامة صراع في هذا الوقت الإضافي على عهدة الرئاسة والبرلمان، فهذا التأجيل سوف يكون سببا إضافيا لاشتداد الصراع بين كل من يرى نفسه متضررا من هذا التأجيل ومن يرى نفسه مستفيدا، وهذا سوف يغذي حالة الإحتقان السياسي الموجودة أصلا وسوف يؤدي إلى أن يكفر المواطن العادي بالسياسة والسياسيين بإعتباره هو من سوف يدفع الثمن في الآخر من قوته اليومي وبذلك حتى من أيّد تأجيل الإنتخابات سوف يجد نفسه متضررا من العملية.
تأجيل غير دستوري يتقاطع مع مصلحة أعداء الوطن
تأجيل غير شرعي يعني حتما التقاطع مع مصلحة أعداء تونس في الداخل والخارج فلا ننسى أن حالة التأجيل غير المبرّر سوف تولد حتما مناخا من المواجهة والفوضى السياسية الشبيهة بالفترة الزمنية سنة 2013 وهذا يعتبر تقاطعا خطيرا مع أعداء مصلحة الوطن وبالدرجة الأولى الإرهاب الغاشم الذي لا يتغذي إلا من بيئة سياسية منقسمة يتصورها سانحة لضرب أهدافه البشعة، فالإستقرار السياسي بالنسبة للإرهابيين هو نهاية حتمية لمشروعهم الظلامي وبعد أن نجحت تونس في تسديد ضربات قاسمة لظهر الإرهابيين سوف يمثل تأجيل الإنتخابات والدخول في مربع الفراغ السياسي إعادة إحياء لأمالهم الجهنمية.
كما لاننسى أن تونس ليست بعزلة عن الساحة الإقليمية والدولية التي تمتلأ بعديد الأطراف غير الراضية عن المسار الديمقراطي الذي تعيشه تونس وتريد التدخل بكل جهدها لتقويض التجربة التونسية ولتغليب مصلحة طرف على حساب آخر بالداخل التونسي وهذا سيمثل تقاطعا خطيرا على المصلحة الوطنية، فقد بينت عديد التجارب ببلدان أخرى أن الفراغ السياسي فتح أبواب التدخل الخارجي السياسي والعسكري على مصراعيه بسبب الإنقسام الداخلي التي تعيشه تلك البلدان.
لذلك يجب طرح السؤال التالي أمن أجل مصلحة ذاتية نقدّم وطننا كفريسة حاضرة لأعدائه في الداخل و الخارج؟ أليس هذا بمثابة خيانة لوطن بين أيدينا؟
التأجيل الدستوري غير مطروح أصلا
ما يجعل الحديث عن تأجيل الإنتخابات هو مجرد هرطقة سياسية لا ترتقي لمستوى تقييم قانوني أو سياسي أنها لا تمتلك أي ركيزة قانونية دستورية بل تستند إلى مصلحة ذاتية تغيب عنها أيّة حجة، فتأجيل الإنتخابات حسب مقتضيات دستور 2014 لا يستقيم إلا في حالة وحيدة وهي وجود الخطر الداهم وليس وجود أزمة سياسية، والفصل 80 من الدستور كان واضحا بأن لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الإستثنائية، وذلك بعد إستشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب.
ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة إنعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة. وبعد مُضيّ ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يُعهَد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما.ويُنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب.
لذلك يتضح جيدا أننا لسنا بصدد وجود حالة خطر داهم أو حالة إستثنائية تؤدي إلى قيام هذا الخطر وحتى عدم تنصيب المحكمة الدستورية لا يوقف إنجاز الإنتخابات بإعتبار وجود هيئة وقتية تحل محلها حتى تنصيب الأعضاء الجدد .
رهان البعض على الرئاسة ليس في محله
كل هذه المهاترات تصب في واد واحد وهو الرهان على موقف رئاسة الجمهورية يميل إلى التأجيل ولكن تناسوا أوّلا أن الباجي قائد السبسي لن يرهن سنوات عمله السياسي في مغامرة يعرف مسبقا أنها لن تنجح إضافة أنها بدون معنى وهو المحامي المتضلّع لسنوات حيث يعرف جيدا أنها غير شرعية وغير دستورية وسوف تجد رفضا كبيرا سوف تعزّزه مضار التأجيل على الإقتصاد والساحة التونسية وهو الذي سعى في عديد المرات إلى تشديده على الفصل بين الدولة و المسار الشخصي.
شارك رأيك