هل إرتكبت مصالح الإعلام برئاسة الجمهورية خطأ إتصاليا بإعلانها أمس الخميس 27 جوان 2019 تعرض الرئيس قائد السبسي إلى “وعكة صحية حادة” ؟ يطرح بعض المحللين هذا السؤال خاصة وأن الإعلان تزامن مع الهجومين الإرهابيين الفاشلين الذين جدا بكل من مدخل شارل ديغول ومحيط مقر الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب بالقرجاني.
بقلم سنيا البرينصي
إعلان تعكر الحالة الصحية للرئيس للعموم ليس خطا في حد ذاته لأنه يترجم إرادة الصدق والشفافية مع الرأي العام التونسي بل هو خطأ تقديري من حيث التوقيت والشكل والمضمون، فأن يعلن عن الخبر في ظرف تعيش فيه البلاد على وقع تفجيرين إنتحاريين في قلب العاصمة، ونحن نعلم كما تعلم مصالح رئاسة الجمهورية رمزية العاصمة ورمزية شوارعها، وعلى رأسها شارعي الزعيم الحبيب بورقيبة وشارل ديغول، كما أننا نعلم جيدا كما تعلم مصالح الاتصال برئاسة الجمهورية رمزية الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب، فهل كان القائمون على نشر الخبر في ذلك الظرف العصيب بالذات يدركون أن إذاعة خبر تعكر الحالة الصحية للرئيس هي خطوة غير محسوبة يمكن أن تعكر الوضع العام بالبلاد وتمس من الأمن القومي للتونسيين؟ أما كان عليهم أن ينتظروا ساعات أخرى أو حتى ليوم اخر قبل الإعلان عن هذا الخبر، على الأقل حتى تنهي الأجهزة الأمنية سيطرتها التامة على الهجومين الإنتحاريين وتعود الأوضاع الأمنية إلى نصابها ويسترد التونسيين أنفاسهم بعد يوم عصيب وشاق عشناه جميعا؟
هذا من حيث التوقيت، أما من حيث الشكل والمضمون، فيمكن القول إن إعلان مصالح الإتصال برئاسة الجمهورية فجأة عن مرض الرئيس في خبر مقتضب وحاد وحمال أوجه ودلالات عدة، يفتح الباب للتأويلات والقراءات والإشاعات، وهو ما حدث فعلا حيث ذهب البعض بعيدا وحملهم “الشك” في الرواية الرسمية إلى حد تخيل وفاة الرئيس بل إن بعض وسائل الإعلام الأجنبية لم تتردد في إعلان الوفاة دون تثبت أو إنتظار إعلان رسمي.
هل كان من الضروري جدا أن يتم توصيف الوعكة الصحية التي تعرض لها رئيس الجمهورية ب “الحادة”؟، وهل أن صياغة الخبر بهذا الشكل كانت عن حسن نية، أم مقصودة؟ وما الهدف من ذلك؟ هل نسي أو تناسى مستشارو قائد السبسي والقائمون على الإتصال برئاسة الجمهورية أن المعني بالأمر هو رئيس الجمهورية المنتخب والقائد الأعلى للقوات المسلحة؟ وأن إشاعة “خطورة” مرضه بتلك الشاكلة وفي توقيت عصيب قد تربك الوضع الأمني العام بالبلاد، لاسيما وأن بلادنا تخوض حربا على الإرهاب؟
الوضع الصحي لرئيس الجمهورية من أسرار الأمن القومي
هل تغافل مستشارو الرئيس على أن الوضع الصحي لرئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة من أسرار الأمن القومي في كل الدول، ولا يجب أن يتداول فيه أو يتحدث فيه للعموم وفي كل الأوقات؟ هل تغافل مستشارو الرئيس على أن الأمن القومي، بما فيه صحة الرئيس، لا يجب أن يصبح متاحا للعامة “صباحا مساء ويوم الأحد” تحت مسميات مغلوطة على غرار “الشفافية” والديمقراطية” وغيرها؟ هل نسي مستشارو الرئيس أنه في أعرق وأعتى ديمقراطيات العالم لا نكاد نسمع أو نقرأ شيئا عن الأوضاع الصحية لرؤساء الدول وقادتها، وخاصة إذا تعلق الأمر ببلد مهدد بغول الإرهاب، أوبتعرض رئيس دولة ما إلى “وعكة صحية حادة” مثلما إنفرد به البيان الإعلامي “الغريب” من نوعه الصادر عن رئاسة الجمهورية؟
البيان الإعلامي لرئاسة الجمهورية وشى دون مواربة وبوضوح ب “خطورة” الوضع الصحي لرئيس الجمهورية، وهو أمر سرى كالنار في الهشيم وتناقله جميع التونسيين والإعلام المحلي، ثم الأجنبي حتى أن بعض القنوات الأجنبية أذاعت بكل “صفاقة” وعدم مهنية” وربما “تشفيا” خبر وفاة قائد السبسي. فهل هذا هي النتيجة التي هدفت إليها مصالح الإتصال برئاسة الجمهورية؟ لا نعتقد ذلك، فقط نحن ننزل الأمر في خانة الخطأ الاتصالي غير محسوب العواقب، والذي نعتقد أنه لولا إصدار بيان ثان يمكن وصفه ب “المهني” أفاد بإستقرار الحالة الصحية لرئيس الجمهورية، ولولا التصريحات المطمئنة التي أدلى بها أحد مستشاري قائد السبسي ونجله ورئيس الحكومة ربما لكانت النتائج ستكون سيئة.
وبعيدا عن كل التأويلات، وجب التنصيص على أن مثل هذه الأخطاء الإتصالية التي وقعت فيها مصالح الإتصال برئاسة الجمهورية لا يجب أن تتكرر، مع الإشارة إلى أن هناك عدة أخطاء إتصالية أخرى أرتكبت في السابق، لكنها تبقى “عادية” أو بالأحرى “غير مضرة”، بمعنى أنها لم تكن بمستوى “خطورة” البيان الصادر أمس، علما وأنه من المفروض على مؤسسات وأجهزة وهياكل الدولة الحساسة والحيوية وممثليها عدم إرتكاب أي أخطاء إتصالية سواء كانت بسيطة أو فادحة، وبأي شكل من الأشكال.
يبقى الأهم الان هو تحسن الوضع الصحي لرئيس الجمهورية، وهو أمر أكده رئيس مجلس الشعب محمد الناصر، اليوم الجمعة 28 جوان 2019، في إتصالات أجراها مع عدد من النواب، مع العلم أن رئيس البرلمان عاد، مساء أمس الخميس، رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي يخضع للعلاج في المستشفى العسكري إثر وعكة صحية طارئة.
في انتظار الشفاء التام لرئيس الجمهورية
في النهاية، لا يسعنا إلا أن نتمنى الشفاء العاجل لرئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة والعودة السريعة لمباشرة مهامه. فقد يختلف التونسيون (بإستنثاء الفئة الحاقدة والضالة، أي الصحون الطائرة المقذوفة علينا منذ أحداث 14 جانفي 2011) مع قائد السبسي سياسيا وفكريا وقد ينتقدونه أيضا، لكنهم جميعا يعترفون بقيمته ومكانته الكبيرة داخل البلاد وخارجها ويفتخرون به ويتندرون بمواقفه أو أقواله، كما أنهم يعلمون جيدا أن قائد السبسي هو أول رئيس تونسي منتخب من الشعب مباشرة وبصفة ديمقراطية تعددية يدخل قصر قرطاج، وهو من أعاد الدولة إلى مسارها السليم إثر إنتخابات 2014، ومثل عامل إستقرار وتوازن محوري وجوهري بالبلاد منذ ظهوره في المشهد السياسي في مرحلة ما بعد أحداث 14 جانفي 2011. واختلافنا معه في عديد المسائل والخيارات لا يمكن أن يغطي كل ذلك.
شارك رأيك