من الضروري إيجاد الحلول الإستراتيجية لقطاع الفلاحة في تونس نظرا لأهميته الإقتصادية والإجتماعية وذلك ضمن الإطار الحكومي مع الإبتعاد عن الصراعات الثنائية بين النقابات المهنية والوزارات التي لا فائدة منها و الخاسر الأكبر فيها هو الفلاح البسيط.
بقلم فيروز الشاذلي
منذ فترة و الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والهياكل المنضوية تحت لوائه تشن هجوما بلا هوادة ضد وزير التجارة عمر الباهي فبالرغم أن إتحاد الفلاحين إمتدّ هجومه في الدفاع عن مصالح منظوريه إلى وزارات أخرى كوزارة الفلاحة ممثلة في شخص سمير الطيب لكن لم تكن بنفس الشراسة و الحدة والتركيز على وزارة التجارة و شخص عمر الباهي.
أسباب المواجهات المتتالية بين إتحاد الفلاحين ووزير التجارة
آخر هذه الحملات الغاضبة على وزير التجارة كانت من قبل منتجي البيض والدواجن حيث تم تحميل وزير التجارة مسؤولية المشاكل التي يعيشها القطاع بداية من فرض تسعيرة على البيض في آخر سنة 2018 وبداية سنة 2019 دون المأمول حيث إعتبر منتجو البيض هذه التسعيرة أقل من التكلفة الحقيقية لتكلفة الإنتاج وأنها ستتسبب في خسائر كبرى للقطاع وأن بعض المنتجين سيضطرون لإعلان إفلاسهم وتقريبا باءت جميع الإجتماعات بين الطرفين بالفشل نتيجة تباعد وجهات النظر فحين أصرّت وزارة التجارة وقتها أن التسعيرة التي تم ضبطها تراعي مصالح جميع الأطراف ومنها المنتجين وتكلفة الإنتاج وقد وصلت الأمور إلى حد التلاسن في الإعلام بين رئيس إتحاد الفلاحين الذي إعتبر أن وزارة التجارة من خلال مداهمتها لمخازن البيض هي مجرد عملية شعبوية وبحث عن”البوز” وبين وزارة التجارة التي ردت على عبد المجيد الزار بكون عمليات المراقبة على المخازن تتم حسب قوانين المراقبة الجارية بها العمل طبقا لإذن قضائي مسبق.
بعد ذلك إحتدم الصراع من جديد بين الطرفين في شهر رمضان حيث إتهم منتجو البيض وزير التجارة بإغراق السوق من خلال إعطاء رخصة لتوريد 6 مليون بيضة بالرغم من وجود مخزون بــــــ18 مليون بيضة وطالبوا بالتحقيق في كيفية إعطاء هذه الرخصة للتوريد خاصة أن هذا البيض تم بيعه بــ800 مليم بينما الوزارة سعرت البيض بـــ 940 م في البداية، بل إعتبرت منظمة الفلاحين أن ذلك فتح الباب واسعا أمام التوريد العشوائي للبيض خاصة من القطر الجزائري الذي يتميز بإنخفاض سعره مقارنة بالبيض التونسي بحكم إنخفاض تكلفته لعوامل عدة أهمها الدعم الكبير للأعلاف من قبل الدولة الجزائرية وعدم وجود أداءات كبيرة على هذه المنتوجات زيادة على إستقرار العملة الوطنية مما تسبب في إغراق السوق التونسية بالبيض المهرب وتخزينه من قبل كبار المهربين خاصة بمنطقة الجم في وضعيات تخزين غير صالحة للإستهلاك البشري ويتم شراء البيضة الواحدة المهربة بــــ 150 مليم وبيعها لتجار التفصيل بــــ 180 مليم و 200 مليم بينما تكلفة البيض المحلي بــــ 207 مليم مما جعل المربي المحلي في إشكالية كبيرة حيث إعتبر إتحاد الفلاحين أنه اذا لم يتوقف تدفق البيض من القطر الجزائري سيكون الإفلاس مصير الجميع واتهم وزارة التجارة بالتساهل مع هذه الظاهرة وتحفظ وزارة التجارة على غلق الحدود لوقف التهريب مما إعتبرته منظمة الفلاحين موافقة وتماهيا ضمنيا من قبل وزارة التجارة مع هذا التوريد العشوائي لضرب المربي المحلي.
تبعا لذلك قام مربي الدواجن ومنتجي البيض بتنظيم وقفة إحتجاية أمام مقر وزارة التجارة تنديدا حسب رأيهم بممارسات وزير التجارة في حقهم وبعد ذلك طالبت المنظمة بعقد جلسة مع وزير الفلاحة لإبلاغها إحتجاجها ومطالبتها بتحمل مسؤوليته التاريخية في الدفاع على مربي الدواجن ومنتجي البيض وغلق الحدود نهائيا والتصدي لتسلّط وزارة التجارة على القطاع والتثبت من السلامة الصحية للبيض الجزائري الموجود بالجم الموجود منذ أكثر من 20 يوم خارج المخازن.
في نفس السياق قام منتجو البطاطا والغلال الصيفية بالمشاركة في الوقفة الإحتجاجية أمام وزارة التجارة تنديدا بما وصفوه بالقرارات العشوائية لوزير التجارة فيما يتعلق بإخضاع الصادرات عبر الحدود البرية إلى الترخيص المسبق والتوريد العشوائي لمادة البطاطا من القطر المصري دون مراعاة صحة المستهلك حيث تم إعتبار وزير التجارة عمر الباهي مسؤول مسؤولية كاملة على ما آلت إليه أوضاع الفلاحين وطالبوا برحيله نتيجة تجاهله الميزة التفاضلية للمنتوج الوطني معتبرين أن السياسة المعتمدة للوزارة أدّت إلى ضرب منظومات الإنتاج وإحباط الفلاح وإرباك الترويج الداخلي والتضييق على التسويق الخارجي ومنع التصدير على حد تعبيرهم وذلك لامتصاص هذا الفائض من الإنتاج والذي يتسبب فى انخفاض سعر البيع تحت الكلفة فمنفذ تصدير الغلال الصيفية نحو القطر الليبي هو السبيل الوحيد بالنسبة للفلاح لترويج منتوجه خاصة مع كميات الإنتاج الكبيرة هذه السنة فالغلال الصيفية شهدت وفرة إنتاجية غير عادية تجاوز إرتفاعها الـــ 40 بالمائة مقارنة بالسنة الفارطة.
مع العلم أن هذا الصراع المحتدم بدأ منذ البداية بأزمة الحليب ومطالبة منتجي الألبان بالترفيع في الدعم لصالح الفلاح أو الترفيع في سعر القبول عند مراكز التخزين واعتبروا أن وزارة التجارة لم تستمع إلى مشاغل الفلاح منذ إطلاق صيحة التحذير في 2015 وهو ما أدى إلى خسارة في قطيع الأبقار تراوحت بين25 و30 بالمائة بسبب تهريبها نحو الأقطار المجاورة في المقابل لم يتم توريد «الإناث» من الأراخي بسبب ارتفاع التكلفة حيث يصل سعر الواحدة ما بين 6 و7 آلاف دينار. وتسبّبت تلك الأزمة بين الطرفين في نقص شديد في تزويد السوق بمادة الحليب مما دفع وزارة التجارة إلى توريد كميات من الحليب البلجيكي لسد العجز في عرض السوق.
تقاطعات سياسية وراء المطالبات النقابية
من بين هذه التقاطعات السياسية تركيز النقد والهجوم اللاذع على وزير التجارة بحكم علاقته الوثيقة برئيس الحكومة واعتباره ممسكا بملف التجارة بحكم هذه العلاقة مع رئيس الحكومة وليس قدرته على حل المشاكل العويصة التي يعاني منها الفلاح على مستوى مسالك التوزيع أو الأسعار بل إنّ إتحاد الفلاحين كان في كل مرة يتداول التفكير في تحوير وزاري إلاّ ويطالب بضرورة إقالة وزير التجارة ويتهمونه بالفشل.
لعلّ التقاطع الثاني الذي كرّس ثنائية هذا الصراع هو إعتبار إتحاد الفلاحين أن وزير التجارة قد تنكر للمنظمة التي كان ينتمي إليها حيث كان الفلاحون ينتظرون من الوزير الدفاع على مصالحهم خاصة أنه تقلد مسؤوليات قيادية في إتحاد الفلاحين في مرحلة ما بعد الثورة منها أمانة مال الإتحاد ومساعد رئيس مكلف بالإنتاج الحيواني وهو فلاح مباشر يتعاطى أساسا الزراعات الكبرى والتربية الحيوانية وكلّما تمت مهاجمة عمر الباهي إلا وتمّ تذكيره بتناقض مواقفه التي يصرح بها في السابق كممثل للفلاحين و الآن بصفته الوزارية.
في نفس إطار التقاطع السياسي لا يخفى على أحد أن هجوم منظمة الفلاحين المقربة في شخص العديد من أعضائها من حركة النهضة يندرج ضمن سياسة الضغط التي ينتهجها العديد من قيادات النهضة غير المرتاحين لدعم الحركة لحكومة الشاهد وآخرها تصريحات القيادي في حركة النهضة العجمي الوريمي بأن وزير التجارة لم يستطع السيطرة على الأسعار رغم وفرة الإنتاج والمواطن يشتكي من الغلاء وكان عليه اتخاذ إجراءات سريعة وقوية لضرب المحتكرين لكنه لم يفعل و يجب على الحكومة تحمل مسؤولياتها في هذا الخصوص.
دعم الفلاح : إستراتيجية حكومية ولا تقتصر على وزارة فقط
لا شك أن قطاع الفلاحة في تونس قد تم تهميشه في العقود السابقة بل في بعض الأحيان تمت معاقبته بالرغم أن مثل في عديد السنوات حبل النجاة الأخير بعد إنهيار قطاع السياحة وتراجع الإستثمارات الأجنبية الموجهة للتصدير لكن هذا لا يمنع من القول أن مشكلة الفلاحة لا تقتصر فقط على وزارة التجارة التي تم تحميلها أكثر ما يلزم من مسؤوليات فهي بحكم إشرافها على المراحل الأخيرة لتسويق منتوجات الفلاحة من حيث تنظيم مسالك التوزيع وتوفير التزويد بالسوق وترشيد سياسة تسعير المنتوجات، يتم إعتبارها مسؤولة عن كامل المشاكل الحاصلة في الفلاحة بينما تشجيع الفلاحة هي سياسة حكومية بإمتياز تدخل فيها بالأساس وزارات كالفلاحة بإعتبارها سلطة الإشراف الأولى في هذا المجال كذلك تدخل مصالح الديوانة بقوة لدحر عمليات التهريب التي أضرت بالقطاع و أدخلته في أزمة عميقة.
لذلك ضروري إيجاد الحلول الإستراتيجية لقطاع الفلاحة ضمن الإطار الحكومي والإبتعاد عن الصراعات الثنائية التي لا فائدة منها و الخاسر الأكبر هو الفلاح البسيط.
شارك رأيك