يحق للتونسيين الإفتخار والإعتزاز بإنجازات ومكاسب دولة الإستقلال، التي جسدتها صورة معالجة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في المستشفى العسكري بتونس، ومن واجب الطبقة السياسية الحالية أن ترتقي إلى مستوى إنجازات دولة الإستقلال بالحفاظ عليها ومزيد تدعيمها أو على الأقل بعدم الإنخراط في تدميرها عن قصد أو عن غباء.
بقلم سنيا البرينصي
غادر رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، أول أمس الإثنين 1 جويلية 2019، المستشفى العسكري بتونس بعد تلقيه العلاج اللازم وتعافيه من الوعكة الصحية التي تعرض لها يوم الخميس الفارط، 27 جوان، وفق بلاغ لرئاسة الجمهورية.
وغزت صورة رئيس الجمهورية وهو مرفوقا بطاقمه الطبي قبيل مغادرة المستشفى العسكري وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، حيث تناقلها التونسيون بكثافة تعبيرا عن فرحتهم بتعافي رئيسهم المنتخب وافتخارا واعتزازا بإنجازات ومكاسب دولة الإستقلال، وعلى رأسها المنظومة الصحية الوطنية و من مكوناتها المستشفى العسكري بتونس الذي يعد مفخرة وطنية لا جدال فيها.
التعليم والصحة من منجزات دولة الإستقلال
صورة قائد السبسي مرفوقا بطاقمه الطبي بالمستشفى العسكري عبرت أحسن تعبير عن السيادة الوطنية المتجذرة بالفكر والساعد والدماء في تونس منذ الحركة الوطنية وصولا إلى مرحلة بناء دولة الإستقلال، فأن يلجأ رئيس الجمهورية، بعد وعكة صحية وصفت ب “الحادة” إلى مستشفى عمومي وإلى كفاءات طبية في بلاده، ثم يغادر المستشفى وهو في صحة جيدة، فتلك لعمري من أجمل الصور التي ستبقى عالقة في أذهان التونسيين، والتي يمكن أن يختتم بها السبسي عهدته الإنتخابية، وربما مسيرته السياسية وهو في سن 92 عاما، والبلاد على قاب قوسين أو أدنى من الإنتخابات التشريعية والرئاسية ولا نظنه يرشح نفسه لعهدة ثانية وإن ترشح فمن اللصعب أن يقع إنتخابه من طرف التونسيين وحتى التونسيات نظرا لسنه المتقدم و مشاكله الصحية التي أصبحت معلومة من الخاص والعام.
أن يلجأ الرئيس التونسي إلى مستشفيات وكفاءات بلاده وهو في حالة صحية حرجة، في حين يسارع رؤساء وملوك عرب وأفارقة إلى مغادرة أوطانهم سرا وعلانية من أجل التداوي بمستشفيات باريس أو لندن أو نيويورك، حتى بسبب تعرضهم إلى “أنفلونزا”، فذلك مكسب اخر ينضاف إلى منجزات دولة الإستقلال وإلى إنجازات الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي راهن على التعليم والصحة وكسب هذا الرهان لتصبح تونس الإستثناء الوحيد في المنطقة التي عوضت نقص وشح مواردها الطبيعية بزخم لافت وغير محدود من كفاءة مواردها البشرية التي مثلت اللبنة الأولى لبناء الجمهورية وماتزال إلى غاية اليوم تمثل حصنها الحصين ودرعها الواقي ضد كل من يحاول المساس بمقومات ومكاسب هذا الوطن النير والمستنير بفضل جهود أبنائه وبناته التي لا تلين ولا تستكين في سبيل حمايتها والذود عنها والعض عليها بالنواجذ.
صورة رئيس الجمهورية أثناء مغادرته المستشفى العسكري وهو محاط بكفاءات طبية تونسية أشرفت على علاجه تناقلتها مختلف المواقع الإعلامية الوطنية والأجنبية، ويمكن القول أن هناك في العالم من سعد بذلك وازداد إحتراما للتونسيين وإنجازاتهم ، لكن هناك في العالم أيضا من شعر ب “الغبن” أمام النموذج التونسي، حيث شكلت بلادنا منذ سنوات الإستقلال الأولى إستثناء و مثالا يحتذى في عديد المجالات عربيا وإقليميا ودوليا، فقد كانت كانت رائدة في مراهنتها على التعليم والصحة وتكريس حقوق ومكاسب المرأة، وهي ستظل دوما إستثناء عربيا رائدا في هذه الميادين مهما حاول البعض الإساءة إليها وعمل جاهدا على إجهاض مسار إنتقالها الديمقراطي.
الصورة “الغراء” الطافحة بالإعتزاز بهذا الوطن والطافحة بالأمل كانت أيضا منذ لحظة نشرها مدار حديث التونسيين الذين من الثابت أنهم شعروا بالفخر لأن رئيسهم تداوى في بلاده وعلى أيدي كفاءات تونسية ولم يضطر كغيره من رؤساء بعض البلدان إلى السفر خارج البلاد للعلاج.
ورغم نشر الإشاعات عن موت رئيس الجمهورية من خلال وسائل إعلام أجنبية وتغذية إشاعة أخرى عن محاولة إنقلابية على رئاسة البرلمان، فقد تمسكت كل القوى السياسية وكل مؤسسات الدولة وخاصة منها الجيش الوطني بالشرعية الدستورية وواصلت عملها بنظام وهدوء تامين.
الزعيم بورقيبة الغائب الحاضر في كل الأوقات
ولعل في تلك الصورة رأى كل التونسيين زعيمهم الحاضر أبدا بالغياب الحبيب بورقيبة، المجاهد الأكبر الحقيقي ضد الجهل والظلام والظلامية وضد عاهات المجتمعات المتخلفة في كل المجالات التاريخية والفكرية والثقافية والدينية والسياسية والإجتماعية.
أجل في تلك الصورة شاهد كل التونسيين إنجازات الزعيم الراحل ورفاقه من بناة دولة الإستقلال وشعروا بالإعتزاز أكثر بوطنهم الكبير في إشعاعه العلمي والإداري والمؤسسات. فأن تكون تونسيا يعني أن لديك دولة مؤسسات وطنية صلبة وقائمة الذات في كل الميادين، وهو ما قد لا نجده في دول عربية أخرى بالرغم من ثراء بعضها “الفاحش” والتي لم يشفع لها “البيترودولار” حتى في بناء مستشفيات أو مدارس عمومية رائدة لمعالجة وتعليم أبناء الشعب، ويقوم على تسييرها أبناء هذا الشعب مثلما هو الحال منذ عشرات السنين في تونس.
وعلى وقع هذا الإعتزاز الغامر من التونسيين بوطنهم وبمنجزاته وجب على الطبقة السياسية بمختلف تشكيلاتها وأطيافها أن ترتقي إلى مستوى وطنية هذا الشعب وإلى مستوى إنجازات دولة الإستقلال بالحفاظ عليها ومزيد تدعيمها أو على الأقل بعدم الإنخراط في تدميرها عن قصد أو عن غباء.
شارك رأيك