الإرهاب ليس سببه شباب في مقتبل العمر هو مجرد حطب جحيمه، بل سبب الإرهاب الأول من يسعره من المنظرين له من شيوخ فتنة نواصل تجاهل فعلهم الإجرامي.
بقلم فرحات عثمان *
الإرهاب أولا وقبل كل شيء نظرية كراهية ورفض الآخرين، ثم هو تنظير وعملية غسل دماغ قبل أن يصبح الجريمة الدموية التي أصبحت فاجعة تقريبا عادية اليوم في بلادنا.
هذا الإرهاب بمثابة الجبل الجليدي؛ عندما نقضي على الفاعل الأخير، أي الإرهابي المسؤول على تفجير نفسه أو غيره وشريكه أو من شاركه إجرامه، فنحن نترك جبل الجليد العائم على حاله، لا نمسه، مما من شأنه طبعا أن يأتينا بفواجع أخرى لتعدد حالات الإحباط وغسل الدماغ عند شباب في عمر الزهور، أي ممن هم عرضة للإستغلال بغسل دماغهم لجعلهم حطب الجحيم الإرهابي. كيف إذًا القضاء حقا على الإرهاب ببلادنا؟
حطب الإرهاب ومن يُشعل فيه النار
إن السلطات لتفتخر، وحُق لها ذلك، بعد كل فاجعة إجرامية، بتصفية من شارك الإنتحاري في فعلته الشنيعة بسرعة؛ إلا أن هذا الذي لا يُستهان به لا يكفي للقضاء تماما على الإرهاب. ذلك أن الإجرام الإرهابي ليس سببه الفاعل الأخير، أي الشاب الإرهابي الذي يفجر نفسه أو يتم التخلص منه جسديا؛ فليس هو إلا الحطب الذي يُوقد به الجحيم الإرهابي. أما الفاعل الأول والمسؤول الحقيقي، فهو الذي يسهر على إعداد الحطب ليسعر به نار ذا الجحيم متى شاء.
الإرهابي الذي من شأنه العودة لارتكاب شناعاته في كل وقت ليس الذي نرديه قتيلا فقط، بل هو أولا وآخرا من لا يشارك مباشرة البتة في عمليات التفجير التي يعدّ لها وقودها. رغم هذه المسؤول الثابتة، نواصل تجاهل إجرامه في غسل دماغ الفاعل الأخير، تلك الشبيبة التي يسهل التغرير بها وهي لا تزال في عمر الزهرر. فبدون فعل هذا الإرهابي المستتر، لا عملية تقع؛ علما وأن عمله التنظيري ليس مستترا البتة، إذ هو في تمجيد آلية الإرهاب اليوم، ألا وهي الفهم الخاطىء للجهاد.
ومن يمجّد الجهاد الإرهابي كُثر في البلاد، إلا أن يد الأمن لا تطالهم، فيستمرون في التغرير بذوي الأحلام الهشة، ما يمهّد لعمليات أخرى ليست إلا النتيجة الحتمية للسبب، أي غسل الدماغ بفهم مخالف للدين الصحيح فتوفير التربة الخصبة له.
لذا، لا مجال لأن نقاوم الإرهاب بنجاعة دون العمل على الحد، على الأقل، من أسبابه إن عسر القضاء عليها تماما. وهذه مسؤولية الجميع، تخص بالتأكيد كل مسؤول بالبلاد؛ ومن له رأي وفهم للدين من واجبه العمل على تصحيح المفاهيم في نطاق إقامة دولة القانون، فهذا من ذاك.
سبب الإرهاب غسل دماغ الشباب
بعد الفتاة الإرهابية، وكانت في سن الزهور، هوذا شباب آخرون في مقتبل العمر ممن أغواهم الشيطان فانقلبوا إلى سفاحين.
لا شك أنه من الواجب اليوم على كل ضمير حي، بعد تعدد العمليات، التساؤل هل كان بالإمكان أن يمر هؤلاء الفتيان إلى الإجرام وحصد الأرواح البريئة وهم في ذاك العمر؟ لئن كانوا في سن المسؤولية الجزائية، يتحملون ضرورة عواقب أفعالهم، فسنّهم الغضة لا توفّر لهم حتما النضج الكافي لفهم ما يفعلون حقّا، بل هي مما يسمح بالتلاعب بهم وجعلهم آلة بشرية تنفذ ما وقعت برمجتهم له من طرف المتلاعبين بوعيهم.
لذا، ليس من الحكمة الإرتياح بالإكتفاء بالتصفية الجسدية لهم بينما لا يعدوا أن يكونوا إلا آخر عجلة الدولاب، كما يقول المثل الفرنسي؛ الحكمة في تصفية عملية غسل الدماغ التي يتعرضون لها، ما يقتضي تقصّي الأسباب التي حملتهم على الإجرام. فهل هذا مما تحرص عليه فعلا السلط الأمنية بالبلاد؟
إنه من الثابت أن هؤلاء الشباب، حطب العمليات الإرهابية المتتالية، من المغرور بهم؛ فسنّهم وتعاسة معيشتهم في بلاد لا تعترف لهم بأبسط الحقوق والحريات التي تتطلّبها سنّهم، تجعلهم لقمة سائغة للمستغلين لسذاجة بعضهم وطموح البعض الآخر في التعلق بمباديء دين أفسده من جعل منه دين نقمة وكراهية وإجرام. فلا يخفى على أحد أن هناك من يتاجر بالدين وبالشعارات لغايات، لا غاية واحدة، في نفس يعقوب!
لا جرم، هؤلاء أشد مسؤولية من الشباب، حطب الإهاب، وقد علمنا أن الفتنة أشد من القتل. فماذا سنفعل لردعهم عن فعلهم الإجرامي وقد سبق للعديد منهم أن مجّد علانية الإرهاب تحت مسمّى الجهاد؛ وهو لا يزال يُفسد الدين بهذا الفهم الخاطىء له؟
إلى متى نواصل غض النظر على أهل الإسلام المتزمت ممن لا يتردّدون في تنمية مشاعر الثورة على السلطة والكراهية عند هؤلاء المغرور بهم بالكلام عن الإسلام كدين حرب لا إيمان سلام، وملة كراهية لا عقيدة حب؟
طبعا، من الواجب مواصلة الحرب بلا هوادة ضد الإرهاب المادي، إلا أنها لا يجب أن تكتفي بتاتا بالتنصل من مسؤولية التصدّي للعوامل التي تجعل الزهور من شبابنا نباتات شائكة سامة؛ هذا يحتم تفكيك الأسباب بالجرأة على طرح مسؤولية من يعمل بلا هوادة على توظيف العقول البسيطة للإجرام، مما يحملنا ضرورة على الكلام في الجهاد لتبيان أنه انتهى مع قيام الدولة الإسلامية والسلط الشرعية. فلا جهاد اليوم إلا الجهاد الأكبر، أي جهاد النفس؛ وهو يفرض الحياة لا الموت للإتيان بالخبر القاطع الذي هو المعنى الصحيح للشهادة. أما غير ذلك، فليس هو إلا تلك الحرب المقدسة التي لا يعرفها الإسلام، بل هي مما رسب إليه من اليهومسيحية، لأن دين القيّمة لا يقرّ الحرب إلا كعملية دفاعية لردع إعتداء؛ وهو اليوم من مسؤوليات السلط القائمة.
* ديبلوماسي سابق وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
شارك رأيك