ماذا يحدث تحديدا في حركة النهضة، هل هي طفرة من الديمقراطية زائدة عن اللزوم في تنظيم له ضوابط الإلتزام برأي وموقف وقرار الجماعة، أم بوادر إنشقاقات في الجدار الذي خلناه متماسكا !؟
بقلم مصطفى عطية *
هذه هي الأسئلة التي يتطارحها المحللون والكثير من عامة الناس بعد أن كثرت التصريحات المضادة لمواقف قيادة الحركة من قبل بعض الأعضاء، بدءا بعبد اللطيف المكي ومحمد بن سالم وصولا بلطفي زيتون الذي أعلن فك ارتباطه بدائرة الإستشارة لدى شيخ الجماعة راشد الغنوشي، وهو ن أبرز قياديي الحركة ومن أكثرها تموقعا في الساحة طيلة أكثر من ثماني سنوات.
حقائق وأسرار
بدأت خيوط هذه المسألة تتشكل منذ أكثر من سنة بتصريح لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، دعا فيه رئيس حكومة “الوحدة الوطنية” يوسف الشاهد إلى إعلان إلتزامه بعدم الترشح للإنتخابات القادمة، وهو التصريح الذي أثار ردود فعل مكثفة داخل الأجهزة العليا للسلط الحاكمة، كرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وفي صفوف أحزاب الموالاة والمعارضة على حد سواء وعبر الأوساط الشعبية بكافة إنتماءاتها قبل أن يستقر بحدة غير مسبوقة في صلب قيادة حركة النهضة. فمن جانب أكد رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني، وهو أحد غلاة المحافظين فيها أن التصريحات المثيرة للجدال التي أدلى بها راشد الغنوشي في تلك الفترة ودعا فيها يوسف الشاهد إلى عدم الترشح للإنتخابات الرئاسية القادمة هي “تصريحات رسمية تمثل الحركة… ورئيس الحركة هو أول من يتكلم بٱسمها”، ومنذ أيام فقط عاد الهاروني لتأكيد موقفه هذا متحدثا عن “شروط” لم يفصح عنها بالتفصيل ولكنها بادية وواضحة ولا تتحمل تأويلات. لكن في الأثناء خرج بعض أعضاء مجلس الشورى وبعضهم من “المتشددين” ليفندوا ما ذهب إليه الهاروني كل على طريقته الخاصة.
التباينات بدأت تتسرب خارج النادي المغلق جدا لمجلس شورى النهضة
المسألة ليست بالبساطة التي يتصورها بعض الذين يعتبرون مثل هذه التصريحات المتباينة في قيادة الحركة أمرا طبيعيا يفرضه منطق الشورى وأساليب الممارسة الديمقراطية، لأن المطلعين على التقاليد المعمول بها في حركة النهضة، منذ زمن العمل السري وحتى اليوم، يعرفون جيدا أن مثل هذا التباين، إن حصل فعلا، لا يتسرب خارج النادي المغلق جدا لمجلس شورى الحركة، أما وقد تسرب ونشر على السطوح الإعلامية ففي الأمر خطورة.
مناورات لطفي زيتون والصمت المطبق لراشد الغنوشي
لم يأت موقف لطفي زيتون بالقطع مع دائرة الإستشارة لدى راشد الغنوشي دون ترتيب مسبق وإعداد هادئ وقراءة موضوعية لكل التداعيات التي قد تنجر عن ذلك، بل العكس تماما، فكل شيء كان جاهزا لهذه “الفرقعة”!
لم “يهضم” لطفي زيتون، وهو أحد قادة التيار “المراوغ ” الذي يدعي الإنفتاح، جنوح راشد الغنوشي إلى تجديد الحركة وتوسيع مجال انفتاحها وتيسير إندراجها في سياق التحديث المؤدي إلى تحولها لحزب مدني يتبنى الديمقراطية ويلتزم بشروطها ويكرس قيمها ومبادئها، كما لم يغفر له سحب البساط من تحت أقدامه وإنهاء إحتكاره الإعلامي لدور “الصوت المنفتح الوحيد” في الحركة، ثم لا ينسى المتابعون للشؤون الداخلية للنهضة كيف إحتج لطفي زيتون على إبعاد الكثير من الرموز المتشددة من الصفوف الأمامية، كالصادق شورو و الحبيب اللوز وغيرهما، وتعويضهم بوجوه من الجيل الصاعد المجبول على التفتح والتحديث.
تبقى مسألة توزيع الأدوار واردة جدا في ما أتاه لطفي زيتون وصمت راشد الغنوشي المطبق الذي فتح الأبواب وأسعة لأكثر التأويلات إيغالا في الخيال المجنح.
* صحفي وكاتب.
شارك رأيك