في أجواء عدم التوافق المبهم والمشبوه حول قيام المحكمة الدستورية، تبقى الأسئلة معلقة حول ما يحاك اليوم في الغرف المظلمة لمستقبل تونس ومغزى تصريح لافت للناشط والصحفي الصافي سعيد بأن “الأزمة التونسية لا رابح منها سوى الثور الأسود الذي لا نعرفه”.
بقلم أحمد الحباسي
أثارت التصريحات والتسريبات الإعلامية التي أطلقها البعض بمجرد إعلان رئاسة الجمهورية عما سمي بتعرض رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لوعكة صحة “حادة” ودخوله للتداوي بالمستشفى العسكري بتونس العاصمة وما تبعها من إشاعات حول إحباط انقلاب محتمل جملة من مشاعر الخوف والغضب وربما الصدمة غير المسبوقة رغم علم التونسيين بتدهور الحالة الصحية للرئيس منذ فترة بحكم عامل السن من بين أسباب صحية أخرى تتكتم عليها الرئاسة ولجنة الأطباء المتابعة لصحة الرجل الأول في البلاد.
في تلك الأثناء كشفت عديد وسائل الإعلام بعض تفاصيل “إنقلاب” قد تكون دبرته عناصر متعددة سارعت كلها لنفى الرواية بكثير من اللخبطة والإرتباك الواضح مما زاد في حالة الريبة والشك والتساؤل حول حقيقة ما حدث فعلا.
إحتمال حصول انقلاب في تونس يبقى أمرا صعبا بكل المقاييس
طبعا لاحظ الجميع محاولة رئيس مجلس النواب محمد الناصر التخلص من كثير من تدخلات النواب التي طالبته بكشف المستور ووضع حد لبعض الإشاعات وشاهدنا مواقف مشبوهة أرادت إستغلال الظرف والإشاعة لإطلاق النار على مقتضيات الدستور.
من المؤكد أن إحتمال حصول انقلاب في تونس يبقى أمرا صعبا بكل المقاييس نظرا لرفض التونسيين بطبعهم للإنقلابات ولحكم العسكر خاصة بعد دفعهم أثمانا باهظة طيلة سنوات من أجل إرساء ديمقراطية ناشئة بإمكانها أن تنقل تونس إلى مصاف الدول الديمقراطية، لكن هذا لا ينفى مراهنة البعض على بعض الأحداث الغامضة للإستفراد بالسلطة ولعل الإتهامات التي طالت حركة النهضة أكبر دليل على أن الأغلبية قد باتت ترى في هذه الحركة الخطر الأكبر الذي يستهدف المسار الديمقراطي خاصة في ظل التصريحات السلبية الأخيرة لكثير من قياداتها.
لعل خرق الكتلة البرلمانية للحركة لقواعد البروتوكول بقراءة الفاتحة على روح الرئيس المصري الراحل محمد مرسى قد صدمت الأغلبية الصامتة وزادت من الشكوك المتصاعدة حول مدى إنخراط الحركة في مواقف سلبية تؤكد عدم إنتماءها للنسيج التونسي على كل المستويات ورفضها الإنسلاخ نهائيا عن حركة الإخوان الموصومة بالإرهاب و التي تأتمر بأوامر قطرية واضحة.
حكاية “إنقلاب” وزير الداخلية السابق لطفي براهم
بطبيعة الحال استعاد التونسيون حكاية “إنقلاب” وزير الداخلية السابق لطفي براهم حين نشر موقع “موند أفريك” الفرنسي مقالا للصحفي نيكولا بو حول مؤامرة لتنفيذ انقلاب خطط لها الوزير بالتعاون مع الإمارات. واللافت في الموضوع أن الصحفي قد تراجع أمام المحكمة الفرنسية التي لجأ إليها الوزير مؤكدا أنه لم يتهم براهم بالتخطيط إلى إنقلاب وأن ما كتبه ليس معلومات بل… مجرد تحاليل و أفكار – هكذا –.
طبعا لم تفوت حركة النهضة فى تلك الفترة الفرصة للتعبير عن إرتياحها لإقالة وزير يجمع الملاحظون أنه هو من تعرض لمؤامرة معقدة شارك فيها صحفي فرنسي مشبوه وبعض مواقع وأطراف إعلامية لمجرد نجاح أجهزة الداخلية في عدة عمليات إستباقية استهدفت عناصر إرهابية خطيرة.
بطبيعة الحال جاءت تدوينة المحامى القريب من حركة النهضة سمير بن عمر التي بدا فيها وكأنه يطالب رابطات حماية الثورة القيام بتصفية الوزير تعبيرا عن مدى خشية البعض من إستمرار النجاحات الأمنية التي تستهدف عناصر إرهابية طالما تولى المحامى الدفاع عنها وأثارت مواقفه جملة من الأسئلة الحارقة.
يجمع المتابعون أنه لن يهتم أحد بكل التصريحات الصادرة عن الحكومة حول حقيقة ما حصل وما سمى بيوم السكاكين الطويلة داخل برلمان الشعب رغم ما قدمته الداخلية ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية من معلومات موثقة وشرح دقيق لما حصل بغرض وضع حد للإشاعات المغرضة التي أنهكت ذهنية المواطن التونسي.
“الأزمة التونسية لا رابح منها سوى الثور الأسود الذي لا نعرفه”
على الجانب الآخر من الثابت أن هناك دوائر أجنبية متحالفة مع أطراف داخلية تحاول أن تكون طرفا في الصراع على السلطة مستغلة الوضع السياسي الذي يعانى من عدم التوافق لتهيئة المناخ لتغيير موازين القوى بطرق “ديمقراطية” خاصة في وجود حالة عدم توافق مبهمة ومشبوهة حول قيام المحكمة الدستورية، لتبقى الأسئلة معلقة حول ما يحاك في الغرف المظلمة ومغزى تصريح لافت للناشط والصحفي الصافي سعيد بأن “الأزمة التونسية لا رابح منها سوى الثور الأسود الذي لا نعرفه “.
اليوم و رغم مقترح السيد محمد الناصر بتكوين فريق تحقيق حول ما حدث يوم الخميس 27 جوان 2019 فالثابت أن الجميع يسعون إلى تجاوز ما حدث لأنهم يعلمون أن تصفية الحسابات السياسية ليست في صالح أحد من الأطراف المتصارعة على الحكم ولكم في عدم كشف حقيقة إغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمى خير مثال.
* محلل سياسي.
شارك رأيك