حركة النهضة تعيش اليوم غربة سياسية في تونس رغم وجودها في الحكم و تعيش غربة إجتماعية بعد أن تدنت نسبة المغفلين الذين خدعتهم في إنتخابات سنة 2011 وبدؤوا ينفضون عنها الواحد تلو الاخر منذ ذلك الوقت.
بقلم أحمد الحباسي
متى ستلبس حركة النهضة الجبة التونسية ؟ من المؤكد أن هناك من سيجيب عن السؤال مدعيا أن حركة النهضة ربما يكون جسدها في تونس، لكن من الثابت أن عقلها وروحها ما يزالان في مصر، ولذلك لا وجوب لانتظار معجزة تجعلها تنزع رداء الإخوان لتلبس الجبة التونسية.
هناك أيضا من سيؤكد أن النهضة قد أصبحت جزءا من لعبة الأمم وأنها قد أصبحت أسيرة المال الذي يصرف على وجودها السياسي والإجتماعي والإعلامي من “بيت مال المسلمين” في قطر، لكن الثابت أن الحركة تعاني على كل المستويات لأنها تدرك بالممارسة أنها ليست مقبولة لا داخليا ولا خارجيا رغم كل الدعم القطري التركي ورغم ما توفره قناة الجزيرة من “غطاء” إعلامي وما تنجزه من عمليات شفط دهون متراكمة في جسد الحركة المنهك بفعل ما يحمله ويتحمله من تناقضات وارتدادات و إرهاصات الأحداث المتقلبة التي تعيشها تونس منذ الثورة.
عزلة الحركة الإسلامية التونسية وعزلة زعيمها راشد الغنوشي
حركة النهضة تعيش اليوم غربة سياسية رغم وجودها في الحكم و تعيش غربة إجتماعية بعد أن تدنت نسبة المغفلين الذين خدعتهم في إنتخابات سنة 2011 وبدؤوا ينفضون عنها الواحد تلو الاخر منذ ذلك الوقت.
هناك كثير من عوارض الخلل في خطاب الحركة الدعوي والسياسي على حد سواء، فهي كما تؤكده تصريحات واستقالة كثير من قيادة الصف الأول (وآخرها إستقالة لطفي زيتون أحد أكثر الأشخاص التصاقا وتسويقا لفكر مرشد الحركة الشيخ راشد الغنوشي) تكشف للعلن أنها حركة منقسمة قابلة للإنفجار في كل لحظة، بل الأخطر أنها لا تزال حركة غير متصالحة مع نفسها كما كانت في نشأتها الأولى ولم يتمكن خطابها الملوث بالأفكار الإخوانية السامة من فرض نفسه رغم كم المغريات والملونات والتضليل والحبكة الدينية الخادعة، فالجماعة كما تسمى في مصر تريد فرض خطاب مدسوس وتمريره داخل العقل التونسي بقوة الترهيب التكفيري تارة وتريد تحقيق إندفاع مدهش نحو الحداثة والديمقراطية تارة أخرى وهي كالحمام الذي غير خطوته بخطوة طير آخر ففقد الإثنين.
لقد وصل شيخ الإخوان في تونس إلى وضع معقد لا يحسد عليه وبات يشعر ربما للمرة الأولى و هو في هذا السن المتقدمة بأن أقرب المقربين منه يتخلون عنه في أصعب الظروف وأن هناك من” الإخوة” من يريد به شرا.
إرتدادات سقوط الإخوان المسلمين في مصر و تراجع شعبية الحليف التركي
لم يعد سرا أن حركة النهضة تعاني من كل عوارض الشيخوخة السياسية و هي الإنقسامات والأطماع وعمليات الضرب تحت الحزام والدسائس والخيارات الخاطئة، و قد تبين أن شيخ الحركة يعيش إرتدادات سقوط حركة الإخوان في مصر و تراجع شعبية الحليف التركي وسقوط كل هذه الأوهام الزائفة دفعة واحدة و في زمن قصير أدخله في أزمة داخلية طاحنة و أدخل الحركة في أزمة ثقة وانضباط غير مسبوقة.
لقد خير الشيخ رغم نصيحة لطفي زيتون الهروب المتعنت إلى الأمام والمغامرة البائسة بحثا عن إنتصار إنتخابي مقبل غير مضمون على حساب المسار الديمقراطي المتعثر وعلى حساب وطن شارك في تدمير مقوماته الإقتصادية و الأمنية.
هذه عوارض الخلل العميق في سياسة الشيخ الغنوشى بل هذه هي تناقضات الوضع داخل الحركة وهذا التناقض الكامن في حكم مرشد الحركة يدعونا للقول أن المشكلة ليست في التسيير فحسب بل في كيفية تفكير عقل الشيخ الرافضة للواقع وللتطور والخروج للعالم بالحلة الديمقراطية بدل خطاب قروسطي عفا عليه الزمن كما عفا عن كثير من الخطب والإيديولوجيات الفكرية الأخرى.
ربما ما لم تفهمه حركة النهضة أنها تنشط اليوم في مجال وفضاء سياسي و إعلامي مفتوح أن لم نقل منفلت، وبهذا المعنى فإنها لم تعد قادرة على تضليل الرأي العام أكثر مما فعلت طيلة ما يزيد عن خمسين سنة، وإذا كانت سياسة التقية و التمكين صالحة في زمن سابق للتغلغل وبسط النفوذ داخل العقل الجمعي، فهذه “الوسيلة” التي ابتكرها مؤسس الجماعة حسن البنا وعمقها فكريا منظر الإخوان سيد قطب لم تعد مناسبة أو بالإمكان المواصلة فيها في ظل وضع بائس ومتفجر يجمع المتابعون أن للحركة يد في حصوله بهذا الشكل المفزع، حيث استلمت الحكم سنة 2011 مدعومة برأي عام إيجابي كان يظن بالإخوان خيرا.
القيادات النهضاوية لا تقل نفاقا في خطابها السياسي والديني عن خطاب خصومها
إن التركيبة البشرية لقيادات الحركة تؤكد أنهم مخاتلون بخطاب الطهرانية المسوق للناخبين بل أن هذه القيادات لا تقل نفاقا في خطابها السياسي والديني عن خطاب خصومها إذ يرفعون شعار الأخلاق والتخليق بينما يرتكبون ما يجعل تلك الصورة تتهاوى في أعين من آمن بإيديولوجيتهم وخطابهم التقوى الأخلاقوي المزيف، ولعل موقفهم المخاتل في خصوص موضوع النقاب في الفضاء العام قد نال من النقد والسخرية لأنه حالة سيئة من حالات التوظيف السياسي والتلاعب و المزايدة لا غير.
لعل الجميع اليوم في انتظار أن تحسم الحكومة أمرها في خصوص ملف تجفيف منابع التمويل الخارجي للحركة، ولعل من أولويات رئيس الحكومة إذا كانت له مطامح سياسية أن يسعى إلى ضرب مكامن الوهن الكثيرة في منظومة مراقبة التمويل، لأن ضرب هذه المنظومة سيضعف حظوظ الحركة إنتخابيا و يجعلها تفقد كثيرا من قاعدتها الإنتخابية الممولة بهذا المال السياسي الملوث و المشبوه، لقد انتعشت خزائن حركة النهضة بعد الثورة و سالت التبرعات المشبوهة سيلان الفياضات الأخيرة من رجال أعمال محسوبين على التيار الإسلامي ومن جمعيات “خيرية” بحيث استغلت الحركة سقوط المنظومة الأمنية وعدم وجود أي تتبع لحركة أموال الإخوان لتتحرك بسهولة وحرية وتجمع المليارات التي شاهدنا تأثيرها في كيفية الإعداد الضخم و المكلف لحيثيات المؤتمر العاشر الأخير للحركة.
ربما تكون للشيخ راشد طموحات في الرئاسة ولذلك غدر بالقريب و البعيد وحبك المؤامرات لتفكيك نداء تونس وضد كل من تمرد عليه أو وقف في وجه طموحاته الكبرى ولكن المؤكد أن الشيخ لم يدافع يوما عن وطنه بكل ضمير و نزاهة فهو لا ينتمي لتونس بقدر ما ينتمي لأمة الإسلام والحركة الإسلامية العالمية.
* محلل سياسي.
شارك رأيك