بعد أن كانت الأمور ذاهبة إلى مجراها الطبيعي نحو إصدار تعديلات قانون الإنتخاب، رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بصلاحيات محدودة، يقلب المشهد السياسي 360 درجة ويركّز أنظار أحزاب الحكومة والمعارضة على حد السواء نحو قصر قرطاح ليثبت أنه الرقم الصعب في المشهد السياسي التونسي ولا يمكن تجاوزه أو تحجيم دوره.
بقلم فيروز الشاذلي
والأكيد في كل هذا أن التوازنات السياسية والإنتخابية قبل وبعد عدم الختم على تعديلات قانون الإنتخاب واقع سياسي آخر لا يمت للماضي القريب بصلة.
سكوت أكثر من مقصود من قبل الرئاسة
ذ أولا يجب الإنتباه في البداية أن هذا الحدث غير معزول عن سياق كامل بدأته الرئاسة ممثلة في شخص الباجي من خلال توقيعه على أمر إستدعاء الناخبين للإنتخابات القادمة، يوم 5 جويلية 2019، وما في ذلك من دلالة على حرص الباجي على إبراز حرصه الشديد في إستكمال المسار الإنتخابي المقرر تتويجه الخريف القادم وهو بذلك قطع الطريق على التكهنات بتأجيل الإنتخابات، بعد هذه الخطوة الأولى هاهو يقوم بالخطوة الثانية في منهح متّسق للحفاظ على المسار الديمقراطي دون إقصاء أي طرف حسب ما يراه وذلك برفض تعديلات على قانون الإنتخاب قبل يومين فقط من الشروع في قبول مطالب القائمات المترشحة للإنتخابات التشريعية المقبلة.
من خلال ذلك يثبت الباجي رغم كل المحاولات لتقزيم دوره في الحياة السياسية أنه مازال أهم لاعب بل أكثر من ذلك فهو أثبت أنه هو من يحكم ويقرّر بخصوص إنتخابات الخريف القادم و أن لا كلمة تعلو فوق كلمة رئيس الجمهورية المنتخب.
هذا الوضوح في الرؤية السياسية لعميد السياسة التونسية من خلال الخطوتين المتتاليتين ترافق مع سكوت مقصود من قبل رئاسة الحمهورية أكبر دلالاته أن الرئاسة تقرّر وليست بحاجة لتبرير مواقفها لأي حزب أو شخص فالرئيس منتخب من قبل عموم الشعب ويمثّل إرادتهم، لكن هذا الوضوح في الرؤية قابله تخبّط وريبة من قبل عموم الأحزاب السياسية خاصة أحزاب الحكومة التي صاغت هذه التعديلات قبل فترة وجيزة من الإنتخابات القادمة حيث طالبت عديد الشخصيات خاصة التي تنتمي لحزب تحيا تونس بالتوضيح من قبل رئاسة الجمهورية غامزة من قناة السؤال على صحة رئيس الجمهورية، ولكن الرئيس له فلسفته الخاصة فهو لا يكترث بهذه الأصوات الصادرة من هنا وهناك بل يرى في نفسه دور الحكم الفاصل بين الأحزاب السياسية و ينتظر المبادرات السياسية للأطراف المقابلة خاصة حركة النهضة التي ساندت بقوة هذه التعديلات.
الباجي يثأر لنفسه سياسيا
من الناحية السياسية يمثل إبطال مفعول هذا القانون الحاسم بالنسبة للإنتخابات القادمة أكبر ثأر يقوم به الباجي لنفسه خاصة من قبل حركة النهضة التي كانت شريكته في سياسة التوافق والتي إتهمها مرارا وتكرارا بالإنقلاب على هذه الشراكة ودعم رئيس الحكومة يوسف الشاهد في الخلاف الحاصل بينهما وما تلى ذلك من محاولة تهميش وتحجيم دور الرئاسة و اعتبار الباجي من زمن الماضي ومحاولة تجاوزه.
لهذا يثبت الباجي اليوم أنه طرف لا يمكن تجاوزه من طرف حركة النهضة وبأنها أخطأت عندما قللت من شأنه و أن عدم إشراكه في صياغة هذه التعديلات مآلها الفشل في تمريرها وهو بذلك يرد الصّاع صاعين للشيخ الغنوشي وحركته فسقوط القانون بهذه الشاكلة على يد قائد السبسي هو ضربة موجعة لحزب النهضة قبيل إنتخابات هي أصلا غير متأكدة من نتائجها مسبقا.
من الطبيعي إستغلال حافظ قائد السبسي لهذا الإنقلاب
بعيدا عن العاطفة والإنتماء الحزبي يجب الحزم بأن هذا الحدث الحاسم له تداعيات سياسية مزلزلة وبطبيعة الحال والمنطق هناك من سيتضرر من ذلك وهناك من سيستفيد. لهذا من الطبيعي وبعيدا عن كون حافظ قائد السبسي إبن الرئيس أن يخرج ليدلي بحوار كرئيس حزب في حوار نادر لقناة تلفزيونية، فهو بعد أن تكبّد الهزيمة السياسية وراء الأخرى من خسارة الإنتخابات البلدية إلى أزمة الشقوق داخل الحزب إلى هروب غالبية النواب إلى كتلة تحيا تونس التابعة ليوسف الشاهد، هاهو يجد الفرصة سانحة للخروح والقيام بهجوم سياسي معاكس على خصومه السياسيين ويقوم بالتحالف مع من يراهم مستفيدين من الواقع السياسي الجديد كنبيل القروي وأمثاله.
علاوة على ذلك يرى حافظ أن الوقت قد حان للخروج بصفته الأصلية للتحدث والإستفادة من هذا التعويم السياسي أكثر ما يمكن خاصة أن الحسابات الإنتخابية كلها سوف تتغير بصفة كبيرة والأريحيّة التي كان يتمتع بها يوسف الشاهد وحزبه تحيا تونس ذهبت أدراح الريّاح والنفس الإنتخابي للباجي الأب قد يكون يكون له وزن في الإنتخابات القادمة.
الشاهد وتحيا تونس أكبر الخاسرين
في ظل إمتناع رئيس الجمهورية على التأشير على قانون التعديلات الإنتخابية سوف تكون الإنعكاسات وخيمة على حزب تحيا تونس ورئيسه يوسف الشاهد وذلك لعدة أسباب، بداية سقوط القانون يمثل هزيمة سياسية قاسية مع بداية المعركة الإنتخابية خاصة أن من قام بإسقاط القانون هو رئيس الجمهورية الذي أحببنا أو كرهنا في خلاف سياسي مع رئيس الحكومة ويدعم الشق المتبقي من نداء تونس.
من ناحية أخرى، سقوط هذه التعديلات يعني لحزب تحيا تونس خسارة الكثير من الأصوات كانت سوف يربحها في صندوق الإقتراع ولكنها سوف تذهب لمرشحين من نفس الخزان الإنتخابي كانت سوف تمنعهم هذه التعديلات من الترشح.
هذا الأمر يختلف مع حزب النهضة فبالرغم من شمولها بهذه الخسارة السياسية ولكنها سوف تكون خسائرها الإنتخابية أقل بإعتبار خصائص القاعدة الإنتخابية الخاصة بها بينما حزب تحيا تونس سوف يجد أن جميع من كان من المفترض أن يشملهم الإقصاء سوف يشاركونه في نفس القاعدة الإنتخابية وسيسحبون من الحزب الكثير من الأصوات ليجد نفسه في فسيفساء حزبية غير قادر على التموقع أو أن يكون طرفا حاكما بصفة فعلية وليس مجرد ديكور حزبي.
حركة النهضة وحزب تحيا تونس يساعدان قائد السبسي في إسقاط قانون التعديلات الإنتخابية
عدم حرص الكتل الحاكمة على الدفع نحو إستكمال إنتخاب أعضاء المحكمة الدستورية ساعد بشكل كبير وغير مباشر على تقوية الركيزة أو الحجة القانونية التي يستند عليها قائد السبسي (أو دائرته المقربة لأن هناك كلام كثير حول الوضع الصحي الحقيقي للرئيس) في عدم التأشير والإذن بنشر هذا القانون فطبقا للدستور وخاصة الفصل 81 الطرفان الرئيسيين في مسألة النظر في دستورية القوانين ونشرها هما المحكمة الدستورية ورئيس الحمهورية.
أما بالنسبة للمحكمة فهي غير موجودة بحكم تلكأ الأطراف الحاكمة في إنتخاب أعضائها بحكم إستحواذها على أكبر الكتل النيابية فهذه المحكمة لها إختصاصات واضحة أفردها لها الدستور عوض الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين ولا تستطيع أن تأخذ دورها في حل جميع الإشكاليات القانونية أو الدستورية التي تطرح.
من ناحية أخرى، رئيس الجمهورية هو الطرف الوحيد المنتخب والمحدّد في هذا الفصل في ظل غياب هذه المحكمة كما أن الفصل لم يحدّد بوضوح مخارج إمتناع رئيس الجمهورية على التأشير كما هو الحال في دساتير البلدان المشابهة التي تعتمد على نظام برلماني معدل يكون فيه رئيس الجمهورية ذا صلاحيات محدودة.
شارك رأيك