اللحظات التاريخية التي تلت إعلان رحيل الرئيس قائد السبسي وضعت حدا لطموحات مشروع الإخوان المسلمين في تونس باعتبار أن حركة النهضة الإسلامية تبقى مجرد أداة معزولة عن الواقع التونسي مهمتها تنفيذ الأجندة الإخوانية.
بقلم أحمد الحباسي
ترجل الرئيس محمد الباجى قائد السببسي وفارق الحياة ولم يعد ممكنا إلا أن نترحم عليه مؤكدين أنه كان رجل دولة وقدم لتونس ما استطاع تقديمه وهو في هذا السن المتقدم، لكن من المهم اليوم أن نستخلص الدروس والعبر والنتائج، وهنا لا بد من تسجيل حصول معجزة ربانية لم يكن ينتظرها أكثر المتفائلين، وهي تتمثل في هذا الإنتقال السلس غير المسبوق حتى في أكثر الدول الديمقراطية في العالم، لكن لا بد أيضا من الإشارة إلى أن تعرض الرئيس إلى وعكة وصفت بالحادة قبل ما يناهز الثلاثة أسابيع قد مثل بروفة كشفت عديد التصرفات المشبوهة، بحيث تحدث الكثيرون عن بداية محاولة إنقلاب مدبرة من حركة النهضة، لا ننكر خروج قيادات هذه الحركة للنفي والإستنكار لكن من الثابت أن تصريحات هؤلاء لم تقنع أحدا وبات الجميع أكثر شكا وحيطة وتحسبا.
هل تخلت النهضة فعلا عن مشروع الإسلاميين الداعي لإنشاء دولة الخلافة ؟
لا تنكر قيادات في حركة النهضة أنها منزعجة تمام الإنزعاج من السياسة والخط المتبعين من مرشد الحركة السيد راشد الغنوشى وبكونه قد تخلى عن مشروعها وثوابتها، ومن مشاريع النهضة المعلنة منذ سنوات السعي لإنشاء وتركيز أسس دولة الخلافة الذي تحدث عنه رئيس الحكومة السابق السيد حمادي الجبالي.
لعل هناك من يظن أن النهضة قد تخلت في وقت من الأوقات وحتى بعد المؤتمر العاشر وما سمي نفاقا وبهتانا بمؤتمر الفصل بين الدعوى والسياسي عن هذا الحلم المجنون، ولعل الدليل قد حصل بمناسبة وفاة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، حين كشفت الحركة عن كونها لا تزال قلبا وقالبا مع مشروع الإخوان في مصر الداعي لإنشاء دولة الخلافة إذ بكت الحركة بحرقة أثارت الدهشة والإستياء رمزا من رموز الدعوة لمثل هذا المشروع الهلامي العبثي.
لكن لماذا نطرح هذا الموضوع وما علاقته برحيل الرئيس؟
رحيل الرئيس قائد السبسى لحظة ضربت مشروع حركة النهضة في مقتل
لعل ما حصل بين إعلان ساعة وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي و ساعة أداء رئيس مجلس نواب الشعب السيد محمد الناصر لقسم تسلم مهمته كرئيس مؤقت للبلاد بقدر ما مثل لحظة تاريخية ومعجزة سياسية وحالة ديمقراطية معبرة أذهلت العالم بقدر ما مثل الحدث دق إسفين ومسمار في نعش حلم “الجماعة” كما يسميهم مؤسس الإخوان الشيخ حسن البنا بإرساء معالم دولة الخلافة في تونس.
بانتقال السلطة بتلك الطريقة الدستورية السلمية سقط مشروع الخلافة إلى الأبد، فشل في جذوره ومنبته قطعت أوصاله ولعل سقوط المشروع يوم عيد الجمهورية فيه دلالات ومعان كثيرة على البعض أخذها بعين الإعتبار عند تحليل ما حصل في هذا اليوم، بل أن هذا السقوط لا يقل أثرا و تأثيرا عن سقوط جدار برلين بشكل كلي وهو الذي شكل لعقود حاجزا دمويا وأخلاقيا وإنسانيا تماما كما كانت سلوكيات قيادات النهضة التي عاثت في البلاد فسادا.
لعله بقدر ما مثل رحيل الرئيس الباجى قائد السبسى نهاية لمرحلة تاريخية مهمة بحيث سيفتح تونس على مراحل تاريخية مختلفة وغير محددة المعالم حاليا فان هذا الرحيل قد كان اللحظة التي ضربت مشروع حركة النهضة في مقتل، فقد خسرت الحركة عند صعودها للحكم بعد الثورة فرصا ذهبية لن تتكرر على الأقل في المدى المنظور لإنجاح مشروع سياسي إسلامي وسطي متطور بل إن إخفاقها التاريخي في حكم البلاد بعد سنة 2012 قد أثبت أن هذه الحركة الشمولية لا تزال تعيش عكس حركة التاريخ وأن غايتها الحقيقية هي جعل كتاب القرآن حكرا عليها وأداة لشرعنة وصايتها على الشعب.
ربما أوحت الحركة الإسلامية بأنها بدخولها إنتخابات 2011 أكتوبر وما تلاها أنها تقبل بالإنتخابات آلية للوصول للحكم على الرغم من كونها لا تمارس الإنتخابات أو الديمقراطية داخلها مثلما أثبتته النزاعات والخلافات المعلنة بسبب القائمات الإنتخابية و ما اتهم به القيادي حاتم بولبيار رئيس الحركة بكونه يريد داخل مجلس النواب 50 شخصا موجها مثل الإنسان الآلي يقتصر دورهم على التصويت و مباركة ما تأتيهم من أوامر، فهذا القول كما يؤكد المتابعون مرحلي وتكتيكي من الممكن الإنقلاب عليه في اللحظة الصفر.
حركة النهضة في أزمة وجود حقيقية والسيد راشد الغنوشى لا يريد المقامرة هذه المرة بكشف ما تبقى من أوراق قليلة خشية تلقى ضربة قاصمة، فالرجل في نهاية قطار العمر من ناحية وفي نهاية عهدته على رأس الحركة وهو يواجه صيف غضب معلن من بقية القيادات التي نادت بتنحيه في المؤتمر العاشر للحركة بل أن نجاح هؤلاء في “طرد” رفيق دربه ومستشاره السيد لطفي زيتون يمثل إعلانا واضحا لفقدان مرشد الحركة للسيطرة على القرار.
من الممكن أن هناك من يظن داخل الحركة مثل عبد اللطيف المكي وحمادي الجبالى أن رحيل الشيخ قد يطلق أصابع بعض الصقور لمحاولة استعادة حلم إنشاء دولة الخلافة ولو بالقوة لكن اللحظات التاريخية التي تلت إعلان رحيل الرئيس قائد السبسي قد وضعت حدا لطموحات مشروع الإخوان المسلمين في تونس باعتبار أن حركة النهضة تبقى مجرد أداة معزولة عن الواقع التونسي مهمتها تنفيذ الأجندة الإخوانية.
* محلل سياسي.
شارك رأيك