بعد نجاح نبيل القروي في مجالي الإشهار والدعاية الإعلامية كشريكه السابق سلفيو برلسكوني في إيطاليا، ها هو يحاول أن يكون النسخة التونسية في صعود عالم السياسة مرتكزا على تمكنه من لعبة الدعاية والإعلام المرئي. لكن ألم تصبح هذه النسخة مشوّهة في نظر التونسيين؟
بقلم فيروز الشاذلي
لعل التماهي الكبير بين الشخصيّتين نجده في إجادة كلّ منهما لعبة الدعاية الإعلامية وتوجيه الأراء الشعبيّة نحو فكر موجه تغلب عليه الدمغجة الدعائية وهذا يرجع بالأساس إلى الخبرة الكبيرة التي إكتسبها كل واحد منهما في المجال الأصلي الذي يعمل فيه وهو مجال الأعمال في الإشهار والدعاية.
تشابه على مستوى إجادة لعبة الدعاية
لهذا يتوق نبيل القروي إلى أن يكون ” برلسكوني تونس” واقتفاء أثر هذا الأخير في الوصول إلى قمة الحكم في إيطاليا حيث بدأها بالسيطرة علبى الرأي العام الشعبي بإيطاليا وتوجيه مساره في بداية التسعينات عندما كان في المعارضة ومهاجمة القائمين على الحكم آنذاك في إيطاليا من خلال مجموعته الإعلامية العملاقة Mediaset وقد نجح في تهجمه الدائم على الحكومة واستقطب حوله الرأي العام الإيطالي ممّا ساعده في اعتلاء هرم السلطة حيث استطاع أن يصل إلى منصب رئيس الوزراء وهو أعلى منصب سياسي بالدّولة لأربعة فترات ويعتبر ذلك رقم قياسي غير مسبوق.
لهذا نجد المرشح لرئاسيات تونس نبيل القروي يحذو نفس الطريقة بإستغلال قدرته في إدارة اللعبة الدعائية كمجال تخصّصه الأصلي خاصة اللّعب على مشاعر التونسيين وبالتحديد الفئات الشعبيّة والعفوية بالتزامن مع هجوم متواصل على الإئتلاف الحاكم بدعوى مناصرة الفئات الهشّة للتقليل من شعبية الأحزاب الحاكمة خاصة تحيا تونس وإفقاده أي فرصة للنجاح في الإنتخابات القادمة كما كان يفعل برلسكوني بالضبط في التسعينات والذي أثبت أن سلّم النجاح الأول للصعود السياسي هو دعاية إعلامية ضاربة.
هذا السيناريو نجده ملهما بصفة كبيرة لنبيل القروي لا سيما أن برلسكوني كان شريكا بارزا للأخوين القروي عند تأسيس قناة نسمة التي تعتبر الذراع الإعلامية لحملة نبيل القروي وحزبه قلب تونس في الإنتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة بفضل نجاحها في استقطاب فئات كبيرة من الجفتمع التونسي خاصة العائلات التي تجذبها فكرة المسلسلات المدبلجة وبرامج المساعدات الإجتماعية خاصة عبر برنامج ” خليل تونس” الذي لاقى صدى كبيرا في المناطق الشعبية المهمشة والتي تحوي خزانا إنتخابيا كبيرا حان وقت استغلاله.
من جهة أخرى لا يعتمد باعث قناة نسمة على الدعاية من خلال هذه القناة فقط بل تعتبر الشركة التي يملكها رفقة أخيه غازي القروي أكبر متحكّم في اللوحات الإشهارية المنتصبة بالشوارع خاصة في أكبر تجمع سكاني حول العاصمة الذي يضم أربعة ولايات وهي تونس العاصمة، أريانة، منوبة وبن عروس حيث يقدّر عدد هذه اللوحات الإشهارية الكبرى بقرابة 2000 لوحة من الحجم الكبير وقد وقع إستغلالها من قبل شركة الأخوين القروي سنة 2014 لصالح حزب نداء تونس أما الآن فمن الأكيد أنه سيقع إستغلالها لصالح ترشح نبيل القروي وحزبه المولود حديثا قلب تونس.
نسخة مشوّهة وقاتمة
هناك عديد الصفات المشتركة بين الشخصيّتين تتّسم بالسلبية والقتامة مما يحيلنا إلى أنها ستكون نسخة مشوّهة وغير نافعة للواقع التونسي، من بين هذه الصفات عدم الإمتثال لقوانين الدولة ومؤسساتها التي تسهر على شفافية المشهد الإعلامي والمنافسة النزيهة فتقريبا نفس القضايا التي خاضها برلسكوني في دوائر المحاكم في إيطاليا بسبب سوء تصرّفه في الذراع الإعلامي الذي يملكه (Mediaset) ، نجد أن نبيل القروي إنتهج نفس الطريقة من خلال التمرّد على قرارات الهايكا وعدم الإمتثال للقوانين التي تنضّم الجبال السمعي البصري.
صفة مشابهة أخرى وهي قضايا التهرّب الضريبي فأهم عنصر جعل برلسكوني يتمسك بالسلطة في إيطاليا هو بحثه الدائم عن التمتع بالحصانة وخاصة قوة التأثير في القضايا التي رفعت ضده بخصوص التهرب الضريبي حيث نجح في سن عديد القوانين التي ساعدته على التفصّي من هذه القضايا حيث لم تفلح السلطات القضائية في إيطاليا من إدانته إلا عند إنحسار تأثيره السياسي عقب مغادرته السلطة حيث تمت إدانته بالتهرب الضريبي سنة 2013.
هذه القضايا المتعلّقة بالتهرب الضريبي نجدها ترافق نبيل القروي بقوة حيث مازالت القضيّة المرفوعة ضده بالقطب القضائي والمالي في بداية جلساتها وهو ما يطرح التساؤل حول مصداقية الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية لأشخاص محل قضايا جبائية مفتوحة لدى المحاكم المختصة.
لعلاّ أهم صفة تجعل النسخة التونسية من برلسكوني إيطاليا مشوّهة إلى حد الإسفاف والحضيض السياسي هو إستغلال الذراع الإعلامية للتسويق لعمل خيري جمعياتي يعنى بمساعدة الفقراء ليتم إستغلاله في مرحلة لاحقة لتعبأة الفآت الهشة والشعبيّة ضمن حملة إنتخابية فبرلسكوني إيطاليا ورغم مكره ودهائه السياسي لم يصل إلى هذا الحد من الإبتذال.
هل يتجاوز المواطن التونسي عقليّة الهشاشة الإنتخابية
قرار الإختيار بين المترشحين هو أعلى وأرقى صفة ديمقراطية يتمتع بها المواطن ولكن هذه الخطوة هي كذلك حاسمة وتتطلّب وعي على مستوى تحديد معايير الإختيار وعدم الوقوع تحت تأثير الدعاية والدمغحة الإعلامية للشعارات الفارغة وللأسف العقلية التونسية مازالت هشّة عند بعض الفآت أمام هذه التأثيرات الدعائية المضلّلة والتي تنعكس بصفة سلبية على إختياراته الإنتخابية وتجعله عاجزا على تجاوز هذه التأثيرات.
هذا ما بيّنته إستطلاعات الرأي الحديثة من حيث صعود كبير لشعبيّة بعض المترشحين الذين لا يكتسبون أي خبرة سياسية أو عمق في تسيير دواليب الدولة بل فقط لمجرد عملهم على بث دعاية إعلامية سواءا عن طريق قنوات إعلاميّة أو جمعيّات مجتمع مدني فأصبحوا في ظرف فترة زمنيّة قصيرة يتصدرون المراتب الأولى في إستطلاعات الرأي.
لكن رغم ذلك بيّن الشعب التونسي سابقا أنه قادر على تبيّن طريق الصواب من الخطأ وتجاوز هذه التضليلات ليأخذ بزمام المبادرة ويوصل من يستحق لاعتلاء منصب الرئاسة.
النظر في أطر المنافسة الشريفة ضرورة ملحة بعد الإنتخابات القادمة لحماية المسار الديمقراطي وذلك من خلال النظر من جديد في أسس القانون الإنتخابي بتحييد الآليات غير الديمقراطية كالدعاية الإعلامية لأطراف معيّنة واستغلال العمل الجمعياتي وضرورة التشديد على توفر صفات دنيا في المترشحين أهمها عدم وجود شبهات تهرب ضريبي فأغلب الديمقراطيات الغربية يمنع فيها المتهرّب الضريبي من الترشح للمناصب السياسية العليا لأن المتهرب الضريبي لم يقم بواجبه تجاه الجحموعة الوطنية كمواطن عادي فما بالك بائتمانه على تسيير دواليب الدولة.
لكن كل هذه الإجراءات والتعديلات يجب أن تكون ضمن إطار موسع ومدروسة بدقة وفي أول النيابة البرلمانية المقبلة وليس كما وقع مع التعديلات السابقة التي رفضها العديد من المتابعين لكونها صيغت بصفة مشخصنة ومستعجلة قبيل الإنتخابات على طريقة الأنظمة الرجعيّة التي تخيط القانون الإنتخابي على قياسها قبيل الإنتخابات.
شارك رأيك