العديد من الأسماء المترشحة للإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، باستثناء الشخصيات الوطنية المعروفة، أثارت موجة من السخرية والإستنكار لدى الرأي العام بحكم أنها “نكرات” وتفتقد أدنى مقومات الأهلية السياسية والعلمية والإجتماعية، وربما العقلية والأخلاقية أيضا.
بقلم سنيا البرينصي
لليوم الخامس على التوالي تواصل الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات قبول الترشحات للإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها المقرر أن تجرى في 15 سبتمبر 2019. وإلى حدود ظهر اليوم الثلاثاء 6 أوت، تم قبول العشرات من ملفات الترشح ، علما وأن عملية إيداع الملفات تتواصل إلى غاية الجمعة المقبل 9 أوت.
العديد من الأسماء المترشحة للإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، باستثناء الشخصيات الوطنية المعروفة، أثارت موجة من السخرية والإستنكار لدى الرأي العام وعلى مواقع التواصل الإجتماعي بحكم أن هذه الأسماء “نكرات” وغير معروفة وتفتقد أدنى مقومات الأهلية السياسية والعلمية والاجتماعية، وربما العقلية والأخلاقية، للتجرأ على الترشح لمنصب رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة جمهورية مثل تونس التي أنجبت زعماء دولة من الطراز الأول محليا وإقليميا ودوليا على غرار الراحل الحبيب بورقيبة ورفاقه من بناة دولة الإستقلال، وعلى رأسهم الرئيس السابق الباجي قائد السبسي الذي توفاه الأجل المحتوم منذ فترة قصيرة.
مهازل بالجملة وأغلب المترشحين لا يرتقون إلى مستوى أبسط الموظفين
والمتأمل في قائمة الذين ترشحوا للإنتخابات الرئاسية يصدم بمجرد التمعن في مظهرهم الخارجي وأساليب لباسهم وطريقتهم في الجلوس والوقوف وغيره، دون نسيان غرابة وتفاهة التصريحات التي أدلوا بها إلى وسائل الإعلام، فبين من يعدنا بتنقية تونس والعالم بأسره من الحكام الطغاة ويقدم نفسه على أنه الرأس المدبر والعبقري الذي أوصل عتاة السياسة في العالم إلى السلطة، من بينهم أوباما و ساكوزي، وبين من يتوعد بالقضاء نهائيا على الأحزاب السياسية في ضرب واستهزاء صارخ بالتعددية السياسية التي هي من اللبنات الأساسية لمسار الإنتقال الديمقراطي ف بلد ينظم إنتخابات دورية، وبين من يلقي بفتاوى “فايسبوكية” أقل ما يقال عنها أنها “منحطة” أخلاقيا حول كيفية اختراق الشاب حساب صديقته على موقع التواصل الإجتماعي للإطلاع على أسرارها الخاصة والتثبت من أهليتها للزواج، أو بالأحرى، أهليتها ل”النكاح الرسمي والمعلن” في مجتمع ذكوري متخلف، وبين من يبشرنا بتعدد الزوجات وإيجاد أزواج “تحت الطلب” لمن فاتهن قطار الزواج…
طفرة غير مسبوقة من المهازل التي حدثت في مسار الإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، والثابت أن هذه المهازل ستتواصل بما أن “الشر العظيم” قد وقع، وفي رواية أخرى تبقى الرسالة واضحة من عنوانها.
استهداف ممنهج لرمزية منصب رئيس الجمهورية
ولسائل أن يسأل من يحرك هؤلاء “البارازيت” الذين طفوا على السطح على حين غفلة منا جميعا ليعلنوا ترشحاتهم لرئاسة الجمهورية؟ ومن هي الجهات التي تقف وراء هؤلاء المترشحين النكرات ليهبوا فرادى وجماعات إلى مقر الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات لإعلان ترشحاتهم في مشهد سريالي تراجيدي هزلي لا يمكن تنزيله سوى في خانة “المضحكات المبكيات”، وما أكثر المضحكات المبكيات في تونس اليوم؟
هل الهدف من هذه الرداءة الفولكلورية الشاملة التي رأيناها وعايناها جميعا في مستوى أغلب المترشحين للإنتخابات الرئاسية هو ترذيل العمل السياسي وضرب هيبة وقدسية وحرمة منصب رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة؟ هل الهدف من كل هذه المهازل هو تنفير التونسيين عامة ونخبا من الشأن العام بما أن الترشح لمنصب رئيس البلاد أصبح متاحا لكل من هب ودب، في حين تقف نخب البلاد على الربوة، إن تعففا أو إحباطا، في مشهد دراماتيكي مريب لم تشهده تونس حتى في عهد الترويكا البائسة؟
هل يعي أولئك الذين تقدموا بترشحاتهم لمنصب ليس من حقهم أصلا، بل هو منصب لا يليق بهم ولا يليقون به جملة وتفصيلا، بقيمة الجرم الذي ارتكبوه في حق البلاد والعباد والذوق العام وصورة تونس في الخارج التي ضربت في مقتل بسبب النرجسية المفرطة والجهل وانعدام الوعي والمسؤولية والوطنية.
أي شروط وضعتها الهيئة لقبول الترشحات؟
ثم، ولعل هنا يكمن السؤال الأهم والحارق، ماهي الشروط التي وضعتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لقبول ملفات المترشحين، خاصة بالنسبة للتزكيات؟ أم أن الهيئة لم تضع شروطا أصلا وفتحت أبوابها لكل من هب ودب ليصبح رئيسا للبلاد؟
كيف يتم التثبت في ملفات المترشحين؟ وماهي الاليات القانونية للتثبت من صحة ومصداقية التزكيات الشعبية والبرلمانية؟ هل هدف الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات هو إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية وحسب دون توفير الحد الأدنى من الدقة والغربلة في فحص الملفات إحتراما لهيبة الدولة والذوق العام واحتراما لنخب البلاد؟
هل هدف الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات يكمن في توفير الحد الأدنى من جهودها من أجل الإتيان برئيس جمهورية مقبل للتونسيين حتى إن كان هذا “الرئيس” المنتظر يفتقد لكل مواصفات رجل الدولة؟؟
كيف نضمن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ديمقراطية وشفافة دون توفير شروط قانونية تمكن من التحري الجيد في ملفات المترشحين، خاصة غير المعروفين منهم، الذين قد يكون بينهم المتحيل أو الفاسد أو المتطرف أو الباحث عن الحصانة البرلمانية للتغطية على فساده أو الفاقد للأهلية العقلية والنفسية، وكل هذه المسائل تبقى واردة ويمكن أن تحدث في أي وقت وفي أي بلد، وسبق وأن حدثت.
الإنتخابات لقاء من الحجم الثقيل بين قادة السياسة والفكر والكفاءات الوطنية
من المفروض أن تكون الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في أي بلد يحترم نفسه مفتوحة للنخب ولعتاة السياسة ورجالات الدولة والكفاءات الوطنية ويفسح فيها مجال التنافس ومسار الصعود للأفضل والأكفأ دون غيرهم.
من المفروض أن تكون الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في كل بلد يحترم نفسه ويحترم مبادئ الديمقراطية وقيم الجمهورية ويحترم تاريخه ومؤسساته وذكاء شعبه عبارة عن لقاء من الحجم الثقيل بين قادة سياسيين يتنافسون ويتناظرون ويتبارزون فيما بينهم حول الأفكار والمبادئ والمشاريع والمرجعيات والأهداف التي يتبنونها ويدافعون عنها، ويكون الشعب هو الحكم عند ذهابه إلى صناديق الإقتراع ليقول كلمته الفصل.
سباق رديء من أجل الغنيمة الإنتخابية لكن الكلمة الفصل لصندوق الإقتراع
ما حدث، وهو مؤسف في حق البلاد وتاريخها، هو تحول هذا الإستحقاق الوطني الهام إلى مجرد سباق رديء مفتوح لكل من هب ودب وفارغ من كل محتوى أو هدف باستثناء هدف الغنيمة الإنتخابية، فالكل يغني عن ليلاه، والكل غير عابئ بحرمة وهيبة مؤسسات الدولة، والكل يبحث عن جواده الرابح ليصل إلى كرسي قرطاج بأي ثمن في مسار تراجيدي موجع فقط للوطنيين دون سواهم.
يبقى “ما هانت قرطاج ولن تهون قرطاج ولا تونس” … يؤكد هذا القول مراقبون لأن الشعب التونسي الذي اكتسب درجة كبيرة من النضج السياسي والإنتخابي سيقول كلمته الفصل وسيفرز الغث من السمين، والفاسد من الوطني النظيف، و من يبحث عن الحصانة للهروب من القضاء ومن ينذر نفسه حقا لخدمة شعبه… وعلى أية حال لن يجلس على كرسي الرئاسة بقرطاج سوى من هو أهل له.
شارك رأيك