لعل أكبر المتفائلين بمستقبل الشيخ عبد الفتاح مورو لم يتوقعوا الحد الأدنى لهذا الصعود الصاروخي لأسهم الرجل داخل حركة النهضة الإسلامية، فبعد أن كان مغضوبا عليه سنة 2011 واستبعاده من القائمات الإنتخابية للمجلس التأسيسي، هاهو الآن يصبح مرشحها للإنتخابات الرئاسية القادمة وعصفورها النادر.
بقلم فيروز الشاذلي
بعد ترشح الشخصية الأولى في حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي إلى الإنتخابات التشريعية عن دائرة تونس 1، كان الجميع ينتظر أن ترشّح النهضة شخصية من خارج الحزب أو أن تحجم عن ذلك في إنتظار الدور الثاني في أقصى الحالات لكن مجلس شورى النهضة ذهب إلى نقيض ذلك تماما بترشيح رئيس مجلس النواب بالنيابة الشيخ عبد الفتاح مورو إلى الرئاسيات القادمة، فما هي الأسباب الخفيّة وراء هذا الترشيح؟ وهل هو علامة تمكّن وإدراك للواقع الإنتخابي الحالي بتونس؟ أم علامة توجّس ودليل تراجع؟
تقديم الإنتخابات الرئاسية تخلط الحسابات السياسية للنهضة
سيناريو تقديم الإنتخابات الرئاسية لم تكن تنتظره حركة النهضة فقبل ذلك كانت الحركة في أريحيّة تامة بأنها ستخوض الإنتخابات التشريعية أوّلا وستكون لها الأسبقية باعتبارها الحزب الوحيد الذي حافظ على تماسكه وأمام تشتت بقية الأحزاب فإنها ستكون لا محالة في الصدارة بفارق مريح، وبعد ذلك تتفرغ للإنتخابات الرئاسية من خلال لعب دورها التقليدي كبيضة القبّان في ترجيح كفّة المنافسين على الرئاسيات من خارج حركة النهضةكما دأبت على ذلك، فتجد نفسها تربح على الصعيدين، حيث تضمن الفوز المباشر في الإنتخابات التشريعية من جهة ومن جهة أخرى تضمن تسليط ضغط دائم على الفائز في الإنتخابات الرئاسية.
لكن تقديم الإنتخابات الرئاسية سحب بساط الأريحيّة من الحركة وصفة الحزب الملك المتحكم في خيوط اللعبة السياسية بتونس بل جعلها تخرج من هذا التقوقع وأجبرها أن تلعب جميع أوراقها الإنتخابيّة، فعدم العمل بالتنقيحات الإقصائية للقانون الإنتخابي والمرور بالسرعة القصوى للإنتخابات الرئاسية بعد وفاة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أصبحت كافة الإحتمالات ممكنة.
العصفور النادر فوزه غير مضمون وهو أصلا غير مضمون
من أهم الأسباب التي جعلت حركة النهضة تعدل على ترشيح شخصيّة من خارج الحركة هو عدم المجازفة بترشيح هذه الشخصية التي لا تنتمي للحزب فقد يمثّل فشلها في إجتياز الدور الأول للإنتخابات الرئاسية هو في حد ذاته سقوط لحركة النهضة تستغلّه الأحزاب المنافسة لمهاجمتها أثناء الدورة التشريعية التي تأتي مباشرة بعد الرئاسيات خاصة أن حظوظ أغلبية المترشحين الذين يمكن التعويل عليهم حظوظهم متقاربة في جميع إستطلاعات الرأي التي تمت مؤخرا حتى التي موّلتها حركة النهضة بنفسها.
كما نلاحظ أن إستطلاعات الرأي تشير في أغلبها إلى فوز شخصيات شعبويّة ولا تملك عمقا سياسيا وبالتالي لا يمكن التعويل عليها، بل تعتبر في قبيل الخصوم السياسيين بعد سعي النهضة إلى تمرير قانون الإقصاء الإنتخابي مع إئتلاف تحيا تونس.
من جهة أخرى حتى لو فرضنا أن العصفور النادر الذي تبحث عنه حركة النهضة من خارجها قد فاز بالإنتخابات الرئاسية فهو لن يكون مضمونا بإعتبار السعي الطبيعي لهذه الشخصية الفائزة إلى دعم تلقائي في الإنتخابات التشريعية لحزبه الأصلي أو حزب من نفس لونه السياسي ليضمن وجود حكومة متجانسة مع قصر قرطاج، وبذلك ستجد حركة النهضة أنها تضرب حظوظها في الفوز بالتشريعيات بنفسها.
ضبابيّة مسار الإنتخابات التشريعيّة
لعلاّ أهم سبب مباشر عجّل في إتخاذ حركة النهضة لهذا القرار بترشيح الشيخ عبد الفتاح مورو للإنتخابات الرئاسية بل جعل منه قرارا مفروضا عليها لا قرارا نابع من إختيار ذاتي صرف هو ضبابيّة المشهد التشريعي القادم، فأول مرة تكون حركة النهضة غير جازمة داخليّا بفوز محتم في هذه الإنتخابات نتيجة سباق محتدم، والمعركة القادمة لن تكون بالأساس مع مكونات النداء المشتّتة والأحزاب التي تشبه النداء، بل ستكون المعركة أساسا مع أحزاب ومستقلين من نفس اللون السياسي، خاصة بعد تكوين إئتلاف الكرامة بقيادة المحامي سيف الدين مخلوف الذي بالتأكيد سينهل من الخزان الإنتخابي للنهضة، وكذلك مشاركة عديد النهضاويين على مستوى الجهات وتكوينهم قائمات إنتخابية بالمناطق الداخلية مع بعض المستقلين المقربين من النهضة.
هذا الوضع جعل حركة النهضة تعيش تحت ضغط إنتخابي هائل وإذا لم تقدم مترشحا من داخل الحركة للرئاسيات فسيتضاعف هذا الضغط وربما ينعكس بصفة سلبيّة على نتائج الحركة في التشريعيات لأن كل حزب لديه مرشح من داخله للرئاسيات سوف يكون ذلك بالنسبة له رافعة للإنتخابات التشريعية وعدم وجود مرشح سيقلّل من حظوظ الحزب بالفوز بأكثر مقاعد نيابية.
لهذا السبب قررت حركة النهضة ترشيح شخصية من داخلها يكون رافعتها في الإنتخابات التشريعية التي ينتظر أن تكون حامية الوطيس مع المنافسين من نفس اللون السياسي أكثر منه مع الخصوم السياسيين.
قطع الطريق على المنافسين من نفس اللون السياسي للنهضة
عدم وجود تحالف سياسي دائم للنهضة مع شخصية وازنة في حجم الفقيد الباجي قائد السبسي وسرعة الدخول في المعترك الرئاسي يجعل الخزان الإنتخابي للنهضة مفتوحا بمصراعيه لشخصيات من نفس اللون السياسي والثوري خاصة الدكتور محمد منصف المرزوقي وابن الحركة الضّال حمادي الجبالي وهي شخصيات لو وصلت لسدة الرئاسة لن تنسى أبدا ما تشعر به من نكران الجميل وجفاء عاملتهم به النهضة في السنوات الفارطة بالرغم الإنتماء إلى نفس اللون السياسي الثوري وهو ما سيجعل النهضة التي تعمل على قيادة الحكومة القادمة في ورطة بسبب عدم الإنسجام مع هذه الشخصيات إن أمسكت بالرئاسة.
لهذا تعمل حركة النهضة من خلال تقديم مرشح من داخلها على قطع الطريق على هؤلاء المنافسين فإن لم ينجح مرشحها في الدور الثاني فعلى الأقل تضمن أن خزانها الإنتخابي لم ينجح به من ترى فيه حجر عثرة أمام طريقها نحو الحكومة القادمة .
الشيخ مورو من شخص غير مرغوب فيه داخل الحركة إلى مرشحها لأعلى منصب في الدولة
لعل أكبر المتفائلين بمستقبل الشيخ عبد الفتاح مورو سنة 2011 لم يتوقعوا الحد الأدنى لهذا الصعود الصاروخي لأسهم الرجل داخل الحركة، فبعد أن كان مغضوبا عليه سنة 2011 واستبعاده من الحركة ومن القائمات الإنتخابية لسنة 2011 للمجلس التأسيسي مما إضطرّه وقتها للترشح في قائمة مستقلة ولم ينجح في الدخول للمجلس التأسيسي، هاهو الآن يصبح مرشحها للإنتخابات الرئاسية القادمة بعد أن أصبح نائب رئيس الحركة بعد المؤتمر الأخير لحركة النهضة وهو بذلك يمثل صعودا لتيار وسطي متوازن داخل الحركة لطالما كان الرجل يدافع عنه وهو يحضى بإحترام داخل الحركة كما خارجها من الأحزاب الأخرى وله سمعة طيبة داخل وخارج تونس ولربّما إختيار الحركة على شخصه لهذا المنصب بالرغم من وجود شخصية بثقل شخصية الشيخ راشد الغنوشي والذي لم يحظى في نهاية المطاف بهذا الترشح بالرغم من محاولاته السابقة لكن لاقى رفضا كبيرا داخل مجلس الشورى، ربما يرجع ذلك أساسا إلى الصورة الطيّبة التي تركها كنائب لرئيس مجلس النواب وتمرّسه على ممارسة السلطة كرجل دولة أثبت ذاته في عديد الأحيان عند نيابته لرئيس مجلس النواب السيد محمد الناصر.
شارك رأيك