المسار الديمقراطي لا يختزل في صندوق إنتخاب، فما دام الجهل بقيم الديمقراطية وشروطها وٱلتزاماتها ونسبيتها سائدا في الساحة السياسية التونسية فالفوضى ستتسع وتتواصل والشطحات الفلكلورية ستأخذ أبعادا درامية ويكون الوطن المنهك هو الخاسر الأكبر.
بقلم مصطفى عطية *
تكاثرت التجاوزات الملتحفة ب”الديمقراطية” وتجاوزت كل الحدود القصوى والخطوط الأشد إحمرارا ! لتصبح ضربا من ضروب الفلكلور المثير للهزل المر بعد أن استفاق التونسيون على تلك الطوابير من المعتوهين والمتحيلين والإرهابيين الذين قدموا ترشحاتهم للإنتخابات الرئاسية وقد اختار أغلبهم الإمعان في ٱستفزاز الشعب للإستفادة الإعلامية من ردود فعله التي تحولهم أحيانا من “فلكلوريين” إلى “ضحايا أعداء الديمقراطية” !
الديمقراطية براء من تجاوزات أعدائها
هذه الوقائع والأحداث المتراكمة بشكل فوضوي مزعج ومحبط جعلت الكثير من المواطنين، من الخاصة والعامة، يحملون “الديمقراطية”، التي نزلت عليهم تنزيلا، كل الأزمات التي عصفت بهم، وتداعياتها الكارثية على ما تبقى من استقرار البلاد، وتناسوا أن الديمقراطية بمفهومها الصحيح براء من هذه التجاوزات، التي كان من المفروض توجيهها إلى نظام سياسي أعرج وقانون إنتخابي أحدب عبثا بكل القيم الديمقراطية وإنتهكا مفاهيمها وأصولها.
ما يحدث في بلادنا لا علاقة له بالديمقراطية أصلا، وإنما هو توظيف فلكلوري لها.
لا تستقيم الديمقراطية إلا عبر الإيمان العميق بقيمها ومبادئها والإلتزام بشروطها والإعتراف بنسبيتها وبالتالي الإستعداد الجماعي لحمايتها وصيانتها من دعاتها والرافعين لشعاراتها والمروجين، صباحا مساء، لفضائلها لأن أعداءها والمشككين في جدواها، الزمن وحده كفيل بإثبات صحة مقارباتهم من عدمها.
مآسي الديمقراطية المشوهة بدنس الفوضى
ومن مآسي الديمقراطية المشوهة بدنس الفوضى والإنفلات وانعدام المسؤولية وانهيار القيم أن شهدت البلاد في السنوات الأخيرة، و مع كل إنتخابات يتم تنظيمها، ظهور تيارين متباينين يمثلان خطرا جسيما على استقرار البلاد ووحدة شعبها : التيار الأول تمثله جماعة يعتقد أفرادها أن الشرعية الإنتخابية مطلقة وتمكنهم، إن فازوا بالإنتخابات، من التصرف في البلاد كما يتصرف أصحاب الأرض في مزرعتهم.
أما جماعة التيار الثاني فيؤمنون بأن فشلهم في الإنتخابات يبيح لهم التنكر للمبادئ والشعارات والمقاربات التي كانوا يروجون لها، وبسقوطهم تسقط الأقنعة التي كانت تغطي حقيقة معدنهم والذي لا يمت للفكر الديمقراطي بأية صلة.
صحيح أننا ننظم إنتخابات بالحد المطلوب من النزاهة والشفافية، ولكن لا يعني ذلك، مطلقا، أننا ثبتنا أركان ديمقراطية حقيقية، لأن المسار الديمقراطي لا يختزل في صندوق إنتخاب، فما دام الجهل بقيم الديمقراطية وشروطها وٱلتزاماتها ونسبيتها سائدا في الساحة السياسية فالفوضى ستتسع وتتواصل والشطحات الفلكلورية ستأخذ أبعادا درامية ويكون الوطن المنهك هو الخاسر الأكبر.
* صحفي و كاتب.
شارك رأيك