بعد أن رشحت النهضة عبد الفتاح مورو للإنتخابات الرئاسية أسئلة عديدة يتطارحها التونسيون، فكيف لصديق الإرهابي وجدي غنيم عدو التونسيين أن يصبح رئيسا لدولة تونس المدنية الحديثة ؟ وكيف له أن يكون قائدا أعلى لقوات مسلحة تقاوم الإرهاب؟ أسئلة لم يجب عنها عبد الفتاح مورو ولا قيادات حركة النهضة حتى الآن.
بقلم مصطفى عطية
رمت حركة النهضة بنائب رئيسها عبد الفتاح مورو في سباق الرئاسة المضطرم بالصراعات المحمومة طبقا لحسابات عديدة بعضها معلن وأغلبها مخفي، لكن ومهما كانت هذه الحسابات فإن هفوة تقديرية عارضة من شأنها أن تنسف كل شيء دفعة واحدة، ويرى الكثير من الملاحظين والمتابعين للشأن التونسي بالداخل والخارج والعديد من أنصار الحركة وخصومها على حد سواء أن الخطأ التقديري الذي كان من المفروض تجنبه قد حصل، أ لا وهو تلك العلاقة المسترابة التي تربط بين عبد الفتاح مورو والإرهابي المصري المطارد دوليا وجدي غنيم، والتي لم يقرأ لها راشد الغنوشي وأعضاده حسابا.
“نحن لسنا بحاجة لهؤلاء نحن بحاجة لأبنائهم وأحفادهم”
بالرغم من التحرك المتأخر جدا الذي أبداه مرشح الحركة لدرء التهمة الخطيرة عن نفسه فإنه لم يفلح في مسعاه، خاصة وأن الإرهابي المشعوذ وجدي غنيم عاد مرة أخرى إلى غيه معلنا شماتته في موت الباجي قائد السبسي مؤكدا بذلك إنحرافه عن القيم الإسلامية النبيلة مما أثار ضده كل التونسيين بٱستثناء بعض أتباعه من المتطرفين وتجار الدين وسفهاء الأحداث، وقد زادت هذه الحادثة في تعكير الأجواء المحيطة بعبد الفتاح مورو وأعادت إلى الأذهان الحفاوة البالغة التي حظي بها السفاح وجدي غنيم عند حلوله ببلادنا من قبل بعض الجهات المعروفة، والتعبئة الشعبية التي شهدتها محاضراته الداعية إلى ختان البنات لحرمانهن من الشعور باللذة الجنسية التي أنعم بها عليهن الله كما سائر مخلوقاته، وتحجيب الرضيعات بٱعتبار المرأة، حسب تفكيره المنحرف، “عورة منذ الولادة”.
لكن الذي رسخ أكثر في أذهان التونسيين هو تلك القبلة التي طبعها عبد الفتاح مورو على جبين شيخه وجدي غنيم، والقولة التي أسر له بها ومفادها: “نحن لسنا بحاجة لهؤلاء نحن بحاجة لأبنائهم وأحفادهم” وذلك لطمأنة وجدي غنيم الذي وجد رفضا قويا لترهاته من قبل الأغلبية الساحقة من التونسيين.
مازال التونسيون يتداولون على صفحات التواصل الإجتماعي تلك اللقطة التي جمعت عبد الفتاح مورو بوجدي غنيم وكثفوا التساؤلات الحائرة منذ اكتشاف ما سمي بمدرسة قرآنية في الرقاب من ولاية سيدي بوزيد حيث يحتجز عشرات الأطفال في ظروف مأساوية لمصادرة عقولهم وتحويلهم إلى قنابل إرهابية وٱستغلالهم جنسيا وقد ارتفع منسوب هذه التساؤلات يوم الإعلان الرسمي عن ترشيح عبد الفتاح مورو لخوض الإنتخابات الرئاسية تحت راية حركة النهضة.
كنت قد أبديت استغرابي في هذا الركن بالذات منذ مدة ليست بالقصيرة من لجوء عبد الفتاح مورو، وعلى غير عادته، إلى صمت مريب ومستراب تجاه ما حدث في الرقاب، إذ كان بمقدوره، وهو صاحب الصولات والجولات البلاغية، رد الصاع بصاعين كما يقولون، وبالتالي إلغاء مشهد القبلة اللعينة من ذاكرة التونسيين، الذين سيعتبرونها في مثل هذه الحالات مجرد خطإ تقديري عابر وقابل للتدارك والإصلاح.
لكن مورو فاجأهم بذاك الصمت الذي إستفزهم وأثار حيرتهم، خاصة وأن نائب رئيس حركة النهضة والنائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب عودهم، خلال السنوات الثماني الأخيرة، بمقارباته الوسطية المعتدلة وترويجه للإسلام العقلاني والمستنير وتنديده بالإرهاب، وتأييده للإصلاحات التحديثية التي يدعو إليها العلمانيون.
أليس هو الذي أطل على التونسيين عبر فضائية تونسية منشدا باللغة الألمانية قصيدة شيللر التي ألهمت بيتهوفن السمفونية التاسعة !؟ وأليس هو الذي صرح بأن الإرهابيين الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء لن يعودوا إلى تونس!؟ ودعا حركة النهضة بفصل نشاطها الدعوي عن ممارساتها السياسية وتحويل التنظيم إلى حزب مدني ديمقراطي !؟
ثم لم ينس التونسيون أنه تحرك في مجلس نواب الشعب لتطويق تداعيات فضيحة النائبة الندائية التي زل لسانها وأساءت للمواطنين التونسيين اليهود عندما ربطت الإشارة إليهم بمصطلح “حاشاكم” التمييزي، وزيارته الشهيرة والأولى من نوعها كقيادي في حزب إسلامي تونسي إلى معبد الغريبة بجزيرة جربة، خلال الحج اليهودي.
قبلة مورو اللعينة على جبين شيخه وجدي غنيم
كنت قد تساءلت وأنا أعدد كل هذا في مقال سابق : لماذا صمت مورو ولم يندد ببؤرة الرقاب والمدافعين عنها من المنتسبين لحركته ولماذا لم يرد على الذين إعتبروها نتيجة حتمية للإستراتيجية التي لخصتها قبلته الشهيرة على جبين السفاح وجدي غنيم والكلمة المفخخة التي صاحبتها !
لا أحد يعتقد أن عبد الفتاح مورو، يقبل بأن ترتبط تلك القبلة اللعينة والكلمة الشيطانية المصاحبة لها بفضيحة بؤرة الرقاب وغيرها من المسائل المشابهة، ولكن ما هو السر في صمته على تأويل خطير كهذا!؟ هل هو الخوف من أن يستغل رده من قبل المتشددين في الحركة فيقلبون عليه الطاولة قبل الإنتخابات الرئاسية بأسابيع قليلة ؟! أم هو إحترام “للعشرة” ” التاريخية بينه وبين قيادات الإخوان المسلمين في العالم والذي يعتبر الإرهابي المصري وجدي غنيم من أبرزهم والبلدان الداعمة لهم وعلى رأسها تركيا وقطر؟ أم أن المسألة لا تعدو أن تكون سوى مناورة أخرى من مناوراته المتتالية !؟
أسئلة عديدة يتطارحها التونسيون، لكن الثابت هو أن هذا الصمت أجج ردود الفعل الأكثر إيغالا في التأويل وشوه ترشحه للإنتخابات الرئاسية بأوحال الريبة والشكوك، فكيف لصديق وجدي غنيم أن يصبح رئيسا لدولة مدنية حديثة ؟ وكيف له أن يكون قائدا أعلى لقوات مسلحة تقاوم الإرهاب؟ أسئلة لم يجب عنها عبد الفتاح مورو ولا قيادات حركة النهضة حتى الآن.
شارك رأيك