أحد أوجه الأزمة التي نعيشها تكمن في التهافت على المناصب العليا ومدّ العين إلى السلطة حتى ولو لم يكن الساعي أهلاً لها، فآفة الدول أن يتولّى مقاليد الحكم والمسؤولية فيها أشخاص متطفّلون على الحكم والسياسة.
بقلم محسن بن عيسى *
لا شكّ أنّ الإستحقاق الإنتخابي يدعونا إلى التفكير مليّا، في الأساس، في ما نريده من الرئيس المنتظر، فلا ثقل الأحزاب السياسية التي تدعمه ولا العلاقات الدولية التي تساند ترشّحه، تُلغي الحاجة إلى أن يكون له خصائص ومسؤوليات للنجاح في مهامه السامية للحفاظ على وحدة أجهزة الدولة وترابطها.
إنّ الرئيس المنتظر ليس السياسي الفرد البطل المتمرّد، فهذا النموذج الوهمي في خيالات البعض لا يصنع رئيسا ولا تتحقّق على يديه إنجازات، فالرئاسة الحقيقية عمل جماعي متفاعل مع كل درجات الاشراف ومع كل المسؤولين وكلّ المباشرين.
إنّ جوهر الرئاسة ليس في شخصية الرئيس فحسب بل في قدراته وخبراته الذاتية، وصناعة السياسات على هذا المستوى ليست نتيجة للحقائق الموجودة على الأرض ولكنها تستند إلى إدراك الرئيس لها ولكيفية التعامل معها ومعالجتها.
إنّ الدولة مهما كان حجمها يصعب أن يتمكّن شخص بمفرده من الإحاطة بقضاياها الداخلية والخارجية ومسك مقاليد قرارها السياسي وهنا يبرز دور الرئيس في دعم ودفع الأجهزة الرسمية للقيام بدورها الفاعل على هذا المستوى.
إذا كانت مؤسسة الرئاسة تستمد سلطتها الأساسية من مقتضيات الدستور فان ممارسة شؤون الدولة تفترض أن يكون الرئيس محور العملية السياسية وليس فقط طرفا فيها وأن ترتبط مسؤولياته بصفة فعلية وليست رمزية بدور الأجهزة الرسمية المؤثرة في عملية صنع القرار حسب طبيعتها واختصاصاتها ومجالات عملها.
السياسة لا تولد في فراغ إجتماعي وعلى الرئيس أن يمتلك سلطة تنظيم الحوار وعملية الإستماع لكل الأطراف ولمختلف وجهات النظر، و طبيعي أمام تطور المعطيات السياسية والمعرفية أن تكون مسؤولية الرئاسة غير متاحة وليست في متناول الكثير.
نسترعي النظر هنا إلى أنّنا لسنا في معرض نقد ممارسات “الحكم الماضي” ولكن نذكّر بالظروف الموضوعية الجديدة وبمقتضيات المرحلة القادمة.
إنّ حركة التاريخ وتعاقب الأنظمة لا تكتفي عند الحياد عن أهدافها الأصلية بالتهام الرجال بل تَئِدُ أحيانا ما ابتدعوه وخلّفوه من مآثر ومكاسب، وتسدل عليها وعلى صانعيها ستائر التغييب والنسيان والإهمال.
أحد أوجه الأزمة التي نعيشها تكمن في التهافت على المناصب العليا ومدّ العين إلى السلطة حتى ولو لم يكن الساعي أهلاً لها، فآفة الدول أن يتولّى مقاليد الحكم والمسؤولية فيها أشخاص متطفّلون على الحكم والسياسة. و يبدو أنّ التحليل القريب للمشهد السياسي يؤكد أنّ ” ليس كل ما يلمع ذهبا”.
الإنتخاب واجب وطني والإدلاء بصوتنا دليل على المواطنة والإنتماء… آمل، أن تنجح تونس في هذا العرس الديمقراطي لانتخاب رئيس وطني … يحقق للبلاد النقلة النوعية على طريق الديمقراطية والعدل والمساواة.
* ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.
شارك رأيك