أي دور يقوم به السيد محمد الغرياني، آخر أمين عام التجمع المنحل، في منظومة حزب تحيا تونس بعد أن تقرب من حركة النهضة ثم نداء تونس ثم المبادرة الذي انصهر مؤخرا في تحيا تونس وصار يدور في فلك رئيس الحكومة يوسف الشاهد ؟ وأي مصلحة لزعيم تحيا تونس في تصدر الغرياني هذا الموقع المتقدم في منظومة حزبه؟
بقلم مصطفى عطية
يغفل “الثورجيون” الذين غمروا الساحة، خلال ما يقرب عن تسع سنوات، بضجيجهم الذي لا يهدأ، عن حقيقة ساطعة مفادها أن جنوحهم إلى إستقطاب الإنتهازيين و”قلابي الفيستة” والعائدين من أنفاق الماضي الملوث بدنس الممارسات الوضيعة، يساهم في تشكيل النواة الأولى للثورة المضادة، كما حدث في الكثير من الأمكنة والأزمنة، وخاصة في ألمانيا وإيطاليا مع بداية سنة 1848 عندما تحالف الثوار مع أصحاب الأجندات الإنتهازية والمصلحية والإنتفاعية لمواجهة الجماهير الشعبية المحبطة والمصابة بخيبة أمل.
لا شك أن كل ثورة معرضة لثورة مضادة هدفها إستباق الأحداث وصيانة المصالح والمكاسب على حساب الشعارات والقيم التي أغرت الشعب ورفعت من سقف أحلامه وطموحاته.
“الثورجيون”، الثورة المضادة و “خونة المستقبل”
من هذا المنظور يعتبر التوظيف الممنهج لرموز النظام السابق الذين تنكروا لماضيهم وٱرتموا في أحضان من كانوا بالأمس القريب خصومهم الألداء، مظهرا من مظاهر الثورة المضادة بتآمر مفضوح ممن ينسبون أنفسهم لما يسمى بالثورة، وهم الذين ينطبق عليهم وصف رجيس ديبريه “خونة المستقبل”.
إن وقائع الثورات عبر التاريخ مليئة بالعبر التي يجهلها الثورجيون الجدد ويعجزون عن إستيعابها والإستفادة منها.
في هذا الإطار تحديدا تتنزل محاولات إستقطاب محمد الغرياني، آخر أمين عام للتجمع الدستوري الديمقراطي، من قبل بعض الأطراف السياسية النافذة، وٱستغلال مواقفه وتصريحاته “الإنقلابية” على ماضيه وٱنتمائه للحزب والنظام السابقين، وقد شجعت هذه المحاولات المعني بالأمر على الهروب إلى الأمام وتكثيف التصريحات الإستفزازية والمزايدة على الثورجيين أنفسهم، فٱعتذر للإسلاميين عن “الظلم” الذي قال أنه لحقهم في العهد السابق، وزعم وجود تقارب بين الدساترة والنهضويين، ثم اعترف بتدليس الحزب المنحل والنظام السابق للإنتخابات حتى أصبح بين عشية وضحاها منظرا للفكر الثوري الإصلاحي، يروج لمقارباته في وسائل الإعلام المحسوبة على الإسلاميين التي فتحت له أحضانها قبل أن يتموقع في الصف الأمامي لحزب تحيا تونس ويتظاهر بدعم مرشح هذا الحزب لقصر قرطاج يوسف الشاهد ومساندته.
لقد أثارت تقلبات محمد الغرياني المتواترة ردود فعل عنيفة جدا لدى الأغلبية الساحقة من الدساترة والبورقيبيين والتجمعيين والمحايدين .
آخر أمين عام التجمع يتمركز في سدة قيادة تحيا تونس
مازال محمد الغرياني مصرا على التمسك بصفته “التجمعية” وٱستغلالها في ركوب سروج التشويه المتعمد للنظام السابق الذي كان أحد صناع قراراته، وقد وصف منتقدوه والمنددون بتصريحاته، هذه التحركات بالإنتهازية ومحاولة وضيعة للتقرب أكثر من حزب تحيا تونس وزعيمه يوسف الشاهد بعد أن كان قد انبطح لحركة النهضة وشيخها راشد الغنوشي، وذهب البعض الآخر إلى اعتبار مساعي الغرياني “مؤامرة” متفقا عليها بينه وبين بعض الأطراف التي أزعجتها عودة الدساترة إلى الساحة من جديد، فتكفل بلعب دور المغذي للبروباغاندا المشوهة للدساترة ونضالهم وإنجازاتهم في بناء الدولة الحديثة.
كان محمد الغرياني قد انظم إلى نداء تونس وعمل، لمدة، كمستشار لدى مؤسسه الراحل الباجي قائد السبسي، قبل أن تتم إقالته لأسباب لم يتم الإفصاح عنها رسميا ولكنها معروفة لدى الخاص والعام، كما تقلب في عدة أحزاب ذات مرجعية دستورية، حتى إستقر به المقام في حزب المبادرة بصفة نائب أول لرئيسه !
لكن طموحاته كانت أكبر من هذا الحزب، وتسارع إيقاع هرولته لتسابق الزمن حتى أطاح بكمال مرجان وأقنعه بقبول إدماج حزب المبادرة في صلب تحيا تونس، وهو ما حصل فعلا، ليتموقع محمد الغرياني في الصف الأمامي لحزب يوسف الشاهد، ويصبح، ظاهريا على الأقل، أحد منظريه وصانعي سياسته !
لكن السؤال الحارق والحائر الذي يردده الجميع، وخاصة أنصار حزب تحيا تونس، هو : “هل من مصلحة هذا الحزب وزعيمه يوسف الشاهد أن يكون محمد الغرياني في هذا الموقع المؤثر خاصة وأن رئيس الحكومة المترشح للإنتخابات الرئاسية كان قد أكد أنه يتميز بقطعه مع المنظومة القديمة” ؟
ما زال الكثيرون من زعماء وقادة وقواعد حزب تحيا تونس يتحدثون، ولو بتهويل كبير، عن عودة التجمعيين والتحذير منهم بٱعتبارهم، حسب زعمهم، عناوين عودة الإستبداد والفساد وإنتاج الديكتاتورية، ولكن كيف لهم أن يقنعوا بكلامهم هذا، ومحمد الغرياني آخر أمين عام التجمع يتمركز في سدة قيادة حزبهم الناشئ .
* صحفي وكاتب.
شارك رأيك