سيد درويش، زكريا أحمد، الصغير أولاد أحمد، الشيخ إمام، أحمد فؤاد نجم، الهادي قلة، حمادي العجيمي، حمادي بولعراس ومجموعة جيل جيلالة… حاضرون بالغياب في سهرة رفعت صوت الإلتزام عاليا وبعيدا، ليلة الثلاثاء 20 أوت 2019 بالمسرح الروماني بقرطاج في إطار الدورة 55 لمهرجان قرطاج الدولي.
الإلتزام هنا بالوطن والإنسان والقضايا العادلة: الحرية والحق والعدالة… في عرض حمل عنوان “كلمات سيد درويش… وآخرون” كان أسامة فرحات مهندسه وصاحب فكرته.
عرض اختلف عن كلّ عروض الدورة، اختلاف في الكيف لا في المبدإ، فالإختلاف والتنوع من المبادئ التي يقوم عليها هذا المهرجان العريق ويستمد منها امتداده في اقتراح برمجة تلامس كل الأذواق على اختلافها وتشعبها.
أمام جمهور مختلف جاء “الآخرون” وهم أبناء وأحفاد سيد درويش القدوة والنبراس، هذا الفنان الذي كانت الموسيقى قبله تهدف للطرب فحسب لكنه حولها إلى رسالة أكبر وهي استخدام هذا الفن العظيم في الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي وحث الشعب على الثورة ضد كل مستعمر وكل حاكم مستبد.
أغاني في التوق للحرية وحب الوطن
بدأ عرض “كلمات سيد درويش… وآخرون” بإطلالة للشاعر أولاد أحمد على الشاشة الكبيرة خلف الركح وهو يتلو قصيدته “إلاهي أعنّي عليهم” استقبلها الجمهور بالتصفيق الحار، “أنت الشمس والأرض” بصوت إيمان محمد ثم “أنا عشقت” و”أهو ده الي صار” بصوت نور الدين القلال ومرافقة ـ عزفا وغناء ـ لأسامة فرحات الذي غنى بعدها “أذكر أني حلمت أني صرت رئيس جمهورية” كتبت بأسلوب ساخر ونفس تهكمي ركّب أسامة كلماتها على ألحان أغنية “في ذكرى الميلاد العشرين” وطعّمها بإيقاع التانغو… قبل أن يفسح المجال للفنان ياسر الجرادي ومجموعته “ديما ديما”.
الأغنية الأولى كانت مهداة إلى روح الشهيد شكري بلعيد “نسمع فيه يغني/يعلّي بالصوت/يغني حياك بابا حياك” التي تنتهي بجملة “الحلمة عمرها ما تموت” أغنية ثانية في حب تونس “شبيك نسيتيني” مكتوبة بشاعرية عالية رغم السوداوية الطاغية على نفسها، وفي الحب أيضا غنّى “نرجعلك ديما” وأقسم بعرق البنّاء ويد الفلاّح وجبين البحّار وليالي الكنّاس…أنه لن يتوب عن حب تونس وختم ب”قائد إلى الأبد” للمؤلف الكوبي كارلوس بيوبلا وفيها مجّد الثائر تشي غيفارا.
من كلمات أحمد فؤاد نجم وألحان الشيخ إمام عيسى عاد أسامة فرحات ليغني “شيد قصورك” و”حتجنن يا ريت يا اخوانا ما رحتش لندن ولا باريس” و”كلام المصطبة” مع نور الدين القلال… ثم “عيون الكلام” و”يا فلسطينية” و” بقرة حاحا” و”فاليري جيسكار ديستان” التي بعثت أجواء حماسية في صفوف الجماهير وقاموا للغناء وقد نشطت ذاكرتهم الثورية، هدؤوا بعدها لسماع أغنية جديدة لحنها وكتبها أسامة فرحات وغنتها إيمان محمد ” تونس في عينينا”.
للغائبين حضور ساطع في الذاكرة
مجموعة “حسّ” لم تغب عن هذه “اللمة” فجاءت مسبوقة بأغنية الراحل حمادي العجيمي “قرنفلة في قرنو” بثتها الشاشة الكبيرة. “كبي الفولارة” و”غريب وتحبني” و”توبة” و”اسمو شارع” أغنيات لبنى نعمان التي عرفت بها غنّتها في عرض “كلمات سيد درويش… وآخرون” بصوتها الدافئ وإحساسها العالي مسنودة برفيق دربها مهدي شقرون ملحنا وعازفا وانسحبت بعدما أهدت “يا عاشقة الورد” لروح زكي نصيف.
الفقرة التالية كانت بإمضاء الفنان جمال قلة الذي بدأها بكلمات أولاد أحمد “زهور” التي قال فيها “يحتاج حبك دوما كمنجة وقصيدة” تلاها ب”طير البرني” و”بابور زمّر” لشقيقه الهادي قلة الذي أطل وجهه من الرحيل الكبير على الشاشة الكبيرة في صورة بالأبيض والأسود تعيد هذا الجمهور إلى سنوات الأفكار المحاصرة والكلمات المصادرة لتترك الأغاني البليدة تأخذ مكان الصدارة.
آخر فقرات عرض “كلمات سيد درويش … وآخرون” أمضاها نبراس شمام والشابة غادة بن منى، فقرة أعادت الجمهور إلى نهاية السبعينات وبداية الثمانينات تلك الفترة التي سطع فيها نجم مجموعة “البحث الموسيقي” لاقترابها من هموم الناس ومشاغلهم ببساطة الكلمة وعمق تأثيرها “هيلا هيلا يا مطر” و”نخلة وادي الباي” و”يا حجل طليت من العلالي” تفاعل معها الجمهور وغنى بلا تعب رغم أن الساعة اقتربت من الواحدة صباحا…
قرابة الثلاث ساعات غنّت هذه المجموعات الموسيقية تحت عنوان “كلمات سيد درويش… وآخرون” أغانيها الخاصة ولرموز الأغنية الملتزمة، غنّت للوطن للإنسان للحرية والعدالة الاجتماعية ولكل القيم النبيلة غنّت للحبّ بمفهومه الأشمل والأرقى… حب يحتاج دائما لثورة على “الأغاني البليدة”.
بلاغ.
شارك رأيك