نشر أمين عام حزب التكتل، ورئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر على صفحته الرسمية على الفايسبوك بيانا على اثر الاعلان عن القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية يبين فيه موقفه من المشهد السياسي في تونس إبان إنطلاق الإنتخابات الرئاسية ويدعو فيه التونسيين إلى النأى بنفسه عن كل المحاولات التضليلية و إختيار المرشّح المشهود له بنظافة اليد والذي يؤمن بأهداف الثورة.
نص البيان :
” بعد خمس سنوات من التشكيك في الدستور الذي وقعت المصادقة عليه بما يشبه الإجماع وطنيا و تثمينه دوليا،
بعد خمس سنوات من التقاعس في تثبيت المسار الانتقالي الديمقراطي عبر بناء المؤسسات الدستورية الرقابية و تنظيم و مراقبة نشاط مكونات الساحة السياسية والمجتمع المدني،
بعد خمس سنوات من الترذيل الممنهج للسياسة و السياسيين و للأحزاب و المتحزبين،
نحن اليوم أمام محطة سياسية هامة و انتخابات رئاسية و تشريعية سنخوض غمارها في مشهد سياسي تسوده الفوضى و مناخ يطغى عليه تعفن المال ذي المصادر المجهولة.
و الواضح أن المترصدين للتجربة التونسية المتميزة و لديمقراطيتنا الناشئة استغلوا الثغرات و ملؤوا الفراغ شعبوية و فسادا. و ما كان ذلك ليحصل لو أن الديمقراطيين الخلّص تنظموا و رصّوا صفوفهم و اتفقوا في تحديد أولويات المرحلة و خططوا لرفع التحديات و تحقيق الانتصار الذي لاح ممكنا في ظل تبعثر صفوف القوى المضادة لأهداف الثورة و للتغيير الديمقراطي.
و على الرغم من هاته الضبابية التي بثت الحيرة في صفوف المواطنين و المواطنات و قد تدفعهم، لا قدر الله، إلى الإحباط و العزوف لا بد أن أثمّن المجهودات التي قامت بها الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات التي تمكّنت في ظرف وجيز وفي سياق يتّسم بالاضطراب والضبابيّة من إعداد الأرضيّة الكفيلة بتنظيم انتخابات رئاسيّة سابقة لأوانها وانتخابات تشريعية، وفي ذلك دلالة على الدور الحيويّ الذي تضطلع به المؤسسات الدستورية في ضمان الديمقراطية والتداول على السلطة والقطع مع منظومة الإنفراد بالحكم نهائيّا، وكان بالإمكان أن يكون الحال أفضل لو استكملنا تركيز بقيّة الهيئات الدستورية وفي مقدّمتها المحكمة الدستورية.
و لكن نجاح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تنظيم الانتخابات تقنيا لا يضمن وجوبا انتخابات نزيهة وحرّة وفيها تكافؤ للفرص، خاصة إذا اعتبرنا التجارب السابقة و ما حصل من تجاوزات وثقتها الهيئة بدون أن تأخذ آنذاك السلطة التنفيذية و السلطة القضائية التدابير الضرورية لتلافيها مستقبلا.
ولكن وعلى الرغم من كل ما يبعث على الحيرة والتخوف، تبقى هذه المرحلة حسّاسة ودقيقة في مسار الانتقال الديمقراطيّ وتستوجب حتما توافقا واسعا بين الطيف السياسيّ العريض خاصّة حول شخص رئيس الجمهورية الذي يمثّل وحدة الشعب ويضمن حسن تطبيق الدستور.
ومن هذا المنطلق دافعت شخصيّا على فكرة المرشّح التوافقيّ وبذلت مساع حثيثة مع العائلة الديمقراطية الاجتماعية من جهة ومع بقيّة العائلات السياسيّة والفكريّة من جهة أخرى عارضا عليهم هذا المشروع الذي يجنّبنا العديد من المطبّات والذي من شأنه أن يحقّق الاستقرار الذي تحتاجه البلاد و الذي بدونه لن يكون المجال سانحا للانطلاق في أي مشروع إصلاحات و تنمية في البلاد.
لم يكن هاجسي الوصول إلى قرطاج بل كان الأهم في نظري أن تتوفر إمكانيات الإصلاح و شروط النجاح إذا تحقق ذلك.
إن فكرة المترشح التوافقي تنسجم مع الروح التي جاء بها الدستور حيث تتجسّد مسؤولية رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من قبل الشعب في شخصيّة جامعة تخصص كل طاقاتها لتحقيق ما ينتظره الشعب في انسجام مع الحكومة و احترام للدستور،و تلعب عند الأزمات دور الحكم وتقف على نفس المسافة من كل الأحزاب، همها أولا و آخرا مصلحة تونس.
لكن للأسف لم يحظ هذا الطرح بالقبول فقررت العدول عن الترشح و واصلت السعي و دعوت كأخف الأضرار إلى توحيد صف العائلة الديمقراطية الاجتماعية، إلا أن جلّ الأحزاب ارتأت أن تتقدّم بمرشّح يمثّل إما فكرها ومشروعها المجتمعيّ و إما مصالحها و تموقعاتها.
و هكذا تعددت الترشحات و تبعثرت المجهودات ولا شكّ أن هذا المعطى سيساهم في تشتيت الأصوات و قطع الطريق على ممثل ممكن للعائلة الديمقراطية و يدفع في اتجاه التصويت المفيد الذي أكدت تجربة السنوات الخمس الأخيرة أنه لم يعد على الشعب بأية فائدة.
اليوم وفي ظلّ هذه الأوضاع السياسيّة التي فرضت نفسها على الشعب التونسي، مازلت أخشى أن يتحوّل رئيس الجمهورية إلى رئيس فئة ضيّقة من الشعب التونسيّ و لكني رغم ذلك أدعو كل المواطنات والمواطنين إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع بكثافة والإدلاء بأصواتهم وعدم الركون إلى العزوف الذي لا يخدم إلا مناصري الثورة المضادة.
كما أدعو شعبي العزيز إلى التحلّي بروح الوطنية العالية وأن ينأى بنفسه عن كل المحاولات التضليلية و يختار المرشّح المشهود له بنظافة اليد والذي يؤمن بأهداف الثورة وبمؤسسات الجمهورية الثانية و بحماية الحريات ويتعهد بمواصلة المسار الانتقالي الديمقراطي، حيث أن الديمقراطية لا تبنى إلا بأشخاص ديمقراطيين يؤمنون بالتشاركية والتعدّدية ويعتبرون أن تونس للجميع قولا وفعلا. “
شارك رأيك