دأب العديد من المشعوذين المترشحين لمنصب الرئيس على الرقص على حبال الإثارة والإستفزاز وقد أبدوا من الإنحدار اللغوي والوضاعة السلوكية والإفلاس المعرفي ما أفقدهم ما قد تبقى لديهم من مصداقية لدى الرأي العام.
بقلم مصطفى عطية *
ماذا يحدث في البلاد تحديدا ؟ السؤال يطرحه المواطن يوميا بكل مرارة وحيرة ! فهؤلاء مرشحون لأعلى منصب في هرم السلطة يتجادلون حول قضايا وهمية ويتطارحون مسائل هامشية ويتغنون بشعارات فضفاضة وهؤلاء “نواب شعب” يبيعون ضمائرهم ومواقفهم وتزكياتهم لمن يدفع أكثر، وتلك معارضة لا وجود في قاموسها السياسي إلا للرفض دون تقديم أي مبرر، ولا يتضمن قاموسها اللغوي إلا السباب والشتائم والألفظ النابية والقوالب الشارعية المبتذلة.
خطر إفلاس الدولة وٱنسداد الأفق أمام الإصلاح
أما الإعلام فقد سقط متمرغا في مستنقعات الإنتمائية الوضيعة والإنتفاعية الرخيصة بعد أن احتل بلاطه كل من هب ودب !!
يحدث كل هذا وتقارير المؤسسات الدولية المختصة تحذر من إفلاس الدولة وٱنسداد الأفق أمام الإصلاح، ومع ذلك يوجد من يصعد المنابر ليقول بإصرار أن “البلد يسير في الطريق السليم” !
إنه ضرب من الكذب والزيف والمغالطة والإلتفاف على الحقيقة، وشكل من أشكال اللؤم والإسفاف والإستهتار وقلة الحياء! أجل لقد تعددت مظاهر الإنحدار إلى دهاليز الحضيض، والشعب يتابع كرنفال الوضاعة والرداءة والسفالة بدهشة وٱستغراب وٱستياء وعجز كامل.
مشعوذون في السباق الرئاسي
دأب العديد من المشعوذين المترشحين لمنصب الرئيس على الرقص على حبال الإثارة والإستفزاز وقد أبدوا من الإنحدار اللغوي والوضاعة السلوكية والإفلاس المعرفي ما أفقدهم ما قد تبقى لديهم من مصداقية لدى الرأي العام، كنا نعتقد واهمين أن الأمر لا يتجاوز حفنة من قليلي الأدب وعديمي الحياء، ولكننا إكتشفنا، مع مرور الأيام، انهم أكثر عددا مما كنا نتصور، فبٱستثناء خمسة أو ستة مترشحين (يوسف الشاهد، عبد الكريم الزبيدي، عبير موسي، منجي الرحوي، ناجي جلول ) فإن البقية لا يستحقون شرف المشاركة في هذا السباق!
يحدث كل هذا بعد ما يقرب عن تسع سنوات من الفوضى والإنفلات والتذبذب والإرتباك وانهيار هيبة الدولة ومؤسساتها دون أن تظهر في الأفق مؤشرات جدية لقرب إنتهاء هذا الكرنفال التراجيدي-الكوميدي، المشحون بكل أنواع الرداءة، والذي حول العمل السياسي والإعلامي إلى ضرب من ضروب العهر .
لقد نسينا بسرعة كل مشاكلنا لنركز إهتمامنا على مسائل هامشية، فهل إلى هذا الحد من الغباء غابت عن هؤلاء المترشحين المشاكل الجوهرية في البلاد لتصبح حادثة عابرة من تلك الأحداث التي تتكرر يوميا في حياتنا العامة، قضية وطنية تشغل بال ساستنا وإعلاميينا وبعض مثقفينا !؟ إ
نها بدون شك علامة خطيرة من علامات الإنحدار، خاصة وقد كنا إنشغلنا خلال هذه السنوات العجاف بختان النساء وتحجيب الرضيعات وكيفية غسل الميت وفضائل بول البعير وسن الأهلية الجنسية للفتاة والتحرش وجواز نكاح الزوج لزوجته الميتة، وغيرها من القضايا ذات الخلفية الرجعية والظلامية والمقاصد التخريبية المفضوحة، والغريب في الأمر أن الإهتمام بها شمل الرجعيين ومن يوصفون أنفسهم بالحداثيينعلى حد سواء.
لا بد من التحرك بجدية وفاعلية لفضح كل هؤلاء الشعبويين الذين إستفادوا من الفوضى والإنفلات وجعلوا منهما أصلا تجاريا لتأكيد حضورهم وتأجيج الصراعات وعرقلة كل محاولات الإصلاح لأنهم لا يستطيعون العيش إلا في بؤر الإثارة الرخيصة وقواميسها المشحونة بالسوقية.
إن المسألة تتجاوز دلالات هذه الأمثلة التي إستعرضناها لتصل إلى جوهر المعضلة التي يعاني منها الشعب التونسي والمتمثلة في إفلاس من يوصفون، كذبا وبهتانا “بالنخب” و”بالسياسيين” و”بالإعلاميين” وهم أبعد ما يكون عن النخبة والسياسة والإعلام، ودعارة قليلي الحياء من السابحين في مستنقعات هذه الساحة الموبوءة بكل الآفات.
حان الوقت لإنهاء هذه المهازل ووضع حد لمحاولات إلهاء الشعب بالمسائل الهامشية، لأن تواصل مثل هذه الفضائح والفلكلوريات سيزيد في إحباط المواطنين ويعمق شعورهم بخيبة الأمل ويقلص تبعا لذلك من مشاركتهم في الشأن العام بالبلاد لنجد أنفسنا يوما أمام إنتخابات بدون ناخبين.
* صحفي وكاتب.
شارك رأيك