تبعا لخبر مفاده قيام المجمع الإستثماري ABCI Investment بضرب عقلة على البنك التونسي بفرنسا TF BANK وذلك على إثر صدور حكم نهائي لصالحه في ما يعرف بقضية البنك الفرنسي التونسي وما تم توصيفه بتداعيات خطيرة على الذمة المالية للدولة التونسية ، نوافيكم بابرز ردود الافعال لسياسيين و خبراء اقتصاديين في هذا الخصوص.
توضيح وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية الهادي الماكني :
أكد وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية، الهادي الماكني، أن الخبر الذي يتم تداوله بخصوص وجود تهديد على مصالح البلاد، وتنفيذ عقلة على أملاك الدولة في الخارج “لا أساس له من الصحة”.
واعتبر الماكني، في تصريح لاذاعة “جوهرة أف أم”، أن الموضوع يندرج في إطار النزاع التحكيمي في ما يعرف بقضية البنك الفرنسي التونسي، مؤكدا أن الإجراء الذي قام به الخصم (عقلة تحفظية على بعض الأموال التي تعود إلى البنك التونسي المنتصب بفرنسا) جاء في إطار “مناورة سياسية وقانونية مفرغة من محتواها”.
وأوضح الهادي الماكني، أن هذا الإجراء “غير قانوني”، لأن القضية برمتها من أنظار الهيئة التحكيمية وأن إجراءات العقلة وغيرها من مهامها، وفق تعبيره.
وأشار الماكني، إلى أن العقلة غير قابلة للتنفيذ لأنه ليس لها أي سند قضائي، مؤكدا أيضا أنه ليس هناك أي تهديد لمصالح تونس في الداخل أو الخارج وأن هذا الإجراء لن يطال أي مليم من ممتلكات الدولة التونسية.
وتابع وزير أملاك الدولة : “ليس هناك إجراءات تنفيذية ولا اي تهديد جدي يطال ممتلكات الدولة التونسية وكل ما يروّج هو من قبيل تشتيت النزاع القضائي”.
أما مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة فقد أصدرت امس، الجمعة 6 سبتمبر 2019، التوضيح التالي في 4 نقاط:
1- العقلة المجراة من طرف ABCI هي عقلة تحفظية تدخل ضمن الإجراءات الإحترازية التي يمارسها الخصم للضغط على الدولة التونسية وهي لم تتحول إلى عقلة تنفيذية بل محل طعن من المؤسسة العمومية المجراة على مساهمتها في البنك التونسي بفرنسا وفق الإجراءات القانونية المعتمدة بفرنسا.
هي عقلة غير قائمة على سند تنفيذي يحدد قيمة الدين ومقداره وهي مختلة شكلا وأصلا وهي عقلة غير مأذون بها من طرف القضاء وتدخل ضمن المناورات الإجرائية للخصم في إطار خلق مسار تنازعي قضائي مواز لإختصاص CI RDI (المركز التحكيمي لفض النزاعات المتعلقة بالإستثمار) – مع الاشارة إلى أن الإجراءات التحفظية برمتها هي من علائق الهيئة التحكيمية التي هي بصدد النظر فيها.
2 – إن الدولة التونسية إنتهجت سبل التقاضي عن طريق التحكيم في إطار الإجراءات التي ضبطها المركز الدولي لفض النزاعات المتعلقة بالإستثمار ضمن الرزنامة محددة إلتزمت بها الدولة التونسية مما أزعج الخصم ودفعه إلى إتباع مسار قضائي موازي في طلب إجراء تحفظي بغاية التشويش على المسار التحكيمي. وقد درج فقه القضاء في مجال التحكيم الدولي على رفض مثل هذا التمشي.
3 – إن الوضع الإجرائي للنزاع لم يحسم بصفة نهائية خاصة في جانب تقدير قيمة التعويضات التي تنكب على تقديرها مكاتب الخبرة وأهل الإختصاص ومن السابق لأوانه ضبطها بصفة إرتجالية أو التصريح بقيمتها ومداها إذ أن الأرقام المتداولة هي الطلبات المقدمة من الخصم وليست حكما صادرا عن الهيئة التحكيمية المتعهدة بالنزاع.
4 – إن المسالك التي ينتهجها الخصم والمتمثلة في تشتيت المسار التنازعي واستغلال التقاضي الدولي بنية الإضرار بصفة تعسفية بمؤسسات الدولة من شأنها تقوية موقف الدولة التونسية بخصوص النزاع ولا تأثير لها على ذمتها المالية. هذا وتبقى المؤسسة على إستعداد دائم لإنارة الرأي العام بكل تطور يخص مستجدات النزاع.
الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل تدخلت أيضا في الموضوع:
و قال كاتب عام الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل نعمان الغربي إن الجامعة دقت ناقوس الخطر إثر قرار العقلة على البنك التونسي الفرنسي، مشددا على أنه كان متوقعا.
وأضاف الغربي: “إن تدخلات الأمين العام للمنظمة الشغيلة وغيرها من المحاولات قد فشلت لأن مشكل البنك سياسي بامتياز في ظل تهديدات بإحالة نحو 200 موظف على البطالة”، معبرا عن تخوفه من “إمكانية أن يفتح هذا القرار المجال لعقلة على ممتلكات تونسية أجنبية أخرى منها الطائرات والباخرات”.
وأشار إلى أن العقلة مست اليوم البنك وأنه في صورة تطورت الأمور قد تصل إلى عقلة الطائرات والبواخر التونسية وأن وحدها السفارات والمقرات الدبلوماسية مستثناة من هذه العملية، موضحا أنه لأول مرة في تاريخ تونس منذ الاستقلال تتم عقلة مؤسسة على ملك الدولة، معتبرا أن ذلك مؤشر خطير خاصة أن قطاع البنوك يعتبر في “منطقة عواصف كبرى”.
هذا وقد صرح وزير املاك الدولة السابق سليم بن حميدان حول نفس القضية التي اشتغل :
اكد سليم بن حميدان المتهم من قبل الوزير السابق مبروك كورشيد بالتخاذل في هذا الملف في تدوينة نشرها امس على صفحته بموقع فايسبوك: “أقول للخبراء الحاقدين ولكل التافهين الذين لا يفوتون فرصة للولوغ في عرضي … لا تتلاعبوا بسمعة الدولة التونسية لتصفية حساباتكم السياسية مع بن حميدان بعد أن تحول إلى عقدة أبدية للخصوم والفاسدين الذين صادرت أملاكهم المتأتية من الفساد أو تمسكت بتنفيذ القانون عليهم (مرسوم المصادرة)”.
وأضاف: “يبدو من المعطيات الأولية التي وصلتنا أن العقلة التي تمت أخيرا على حساب الدولة التونسية في البنك التونسي الفرنسي بفرنسا ليست الأولى من نوعها وهي مؤسسة على قرار تحكيمي صادر عن غرفة التجارة الفرنسية ويرجع إلى سنة 1987 ! نعم سنة 1987 يا عباد ربي … كنت وقتها تلميذ بكالوريا في المعهد الثانوي بماطر… وهذا دليل قاطع على أنها قضية فساد من إرث الاستبداد الثقيل التي يحاول المجرمون الحقيقيون إلصاقها ببن حميدان والترويكا حقدا وحسدا (وما تخفي صدورهم أكبر)”.
وتابع: “لعلمكم فإن قضية التحكيم في أصل النزاع (تقدير التعويض) لا تزال جارية أمام CIRDI وليس امام غرفة التجارة الفرنسية ولا يمكن قانونا حسب نصوص اتفاقية التحكيم الدولية القيام بعقلة قبل الحسم النهائي فيها”.
وكان كاتب الدولة لاملاك الدولة والشؤون العقارية السابق مبروك كورشيد قد أكد في جويلية 2017 إن الدولة التونسية ستتخذ كل الاجراءات الممكنة بخصوص الحكم الصادر ضدها في قضية البنك الفرنسي التونسي، والقاضي باقرار تعويضات هامة (تقديرات تفوق المليار دينار).
وقال كورشيد في حوار مع اليومية الناطقة بالفرنسية لابريس : “إن التعويضات لن تدفع بشكل فوري ذلك ان الحكم لم يحدد، بعد، المبالغ المفروضة، وهذا الامر سيستغرق ما بين 4 او 5 سنوات”.
واكد كورشيد ان حكومة الشاهد لم يكن لها دور في هذه القضية، التي تعود اطوارها الى سنة 1981، مشيرا الى أن آجال الترافع انتهت في مارس 2016.
وقال وقتها بشأن الظروف التي حفت بالقرار الصادر ضد الدولة التونسية: “يمكن ان نسامح في كل شيء مع محامي، إلا الخيانة” في تلميح إلى السيد بن حميدان.
واشار الى انه “لولا الخيانة، ما كان للدولة التونسية ان تخسر قضية البنك الفرنسي التونسي” متابعا: “لقد تمت خيانة الدولة التونسية. .عندما نمنح وثيقة ثمينة للخصم ليستعملها للقضاء عليك، هذا يسمى خيانة…”.
وذكر بان الوثيقة “الثمينة” التي رجحت كفة خصوم الدولة التونسية سلمت لهم سنة 2012 وانها وثيقة عفو تؤكد ان الخصم (ممثل المجموعة) كان ضحية وان كل ما تعرض له إبان فترة حكم بن علي ينصهر ضمن “الاضطهاد السياسي” وان “كل التزاماته تجاه تونس كانت تحت الضغط”.
واضاف بالطبع استفاد الخصم من هذه الوثيقة ليرفعها الى هيئة التحكيم التي اقرت بوضعه كـ”ضحية”. وبين ان القرار الصادر يشمل الفترة اللاحقة لسنة 1989 وليس بداية من سنة 1981.
وتابع ان الدولة التونسية سلمت خصومها في 2012 “مفتاح القضية” وهو ما ادى الى صدور هذا القرار في 2017.
وحمّل كورشيد المسؤولية لوزير املاك الدولة والشؤون العقارية آنذاك، وهو سليم بن حميدان. وابرز ان الدولة التونسي “لم تجابه منذ قضية النفيضة في القرن 19 مثل هذا الملف الخطير الذي يوشك ان يثقل كاهل المالية العمومية للدولة”.
وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد قال في عام 2017 خلال جلسة عامة لمجلس نواب الشعب للحوار معه حول موضوع مكافحة الفساد ان الحكم الصادر في قضية البنك الفرنسي التونسي “هدفه تحميل المسؤولية ولم يتضمن حكما بغرامة مالية على عكس ما تم تداوله”، وفي حوار تلفزي اكد ان اكبر ملف فساد في تونس هو ملف البنك الفرنسي التونسي، ولم يقم منذ ذلك التصريح باي تحرك يعكس اهتمامه بالملف رغم خطورته .
وكانت الهيئة التحكيمية الدولية المناط بعهدتها النزاع القائم بين الدولة التونسية والمستثمر الاجنبي (ABCI) حول البنك الفرنسي التونسي نشرت يوم 19 جويلية 2017 قرارها بانها خلصت الى تحديد المسؤوليات، ليتم تعيين خبراء لتحديد حجم الضرر الحاصل وبالتالي التعويضات.
اعتبر الخبير الاقتصادي وليد بن صالح، أمس الجمعة 6 سبتمبر 2019، أن الحكومة والبنك المركزي التونسي مطالبين بتقديم تفسيرات وصفها بالواضحة والدقيقة والنقية في ما اسماه بـ”فضيحة البنك الفرنسي التونسي”.
وأورد بن صالح في تدوينة نشرها بصفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” قدم فيها التوضيحات التالية :
1 الملف مازال محل متابعة لصيقة من قبل صندوق النقد الدولي عبر نشرياته الدورية، بما يعكس خطورة القضية والمخاطر الكبيرة التي ترتبط بها والتي يمكن ان تؤثر على دعم ميزانية الدولة وعلى اصلاح القطاع البنكي.
2 التزمت الحكومة والبنك المركزي سنة 2017 ببعث لجنة لحل مشكل البنك الفرنسي التونسي.
3 تأخر بعث اللجنة الى شهر ديسمبر 2017 وتعهدت الحكومة والبنك المركزي مجددا بالبت في القضية في أجل لا يتجاوز شهر اوت 2018.
4 لم تجتمع لجنة حلّ المشكل إلا مع نهاية شهر جوان 2018، اي بعد 6 أشهر من بعثها وطلبت الحكومة والبنك المركزي في اطار المراجعة الرابعة التي قام بها صندوق النقد الدولي (سبتمبر 2018) تأخير تقرير يتعلق بما وصل اليه ملف القضية مع التزامهما بالبت في ملفها في اجل لا يتجاوز شهر نوفمبر 2018 .
5 تضمنت توقعات صندوق النقد الدولي الخاصة بميزانية الدولة التونسية لعام 2019، في بند المنقولات مبلغا مخصصا لمخاطر تتعلق بقضية البنك الفرنسي التونسي.
6 اشار تقرير بالنشرية الخامسة الخاصة بصندوق النقد الدولي صادر في شهر جوان 2019، الى ان الحكومة والبنك المركزي اكدا موافقتهما على حل المشكل دون اي توضيح حول فحوى القرارات المتخذة وتداعياتها المحتملة.
عودة إلى اطوار القضية :
وتعود أطوار القضية إلى سنة 1994 إذ صدر في تونس حكم غيابي يقضي بسجن ممثل شركة ABCI عبد المجيد بودن لمدّة 20 سنة. لكنه لم يسجن بل سمح له بمغادرة التراب التونسي. وفي سنة 2003، قررت شركة ABCI الالتجاء الى التحكيم الدولي CIRDI ضدّ الدولة التونسية. ولمواكبة أطوار النزاع والتمكن من الدفاع عن مصالح الدولة التونسية تمّ اللجوء الى تعيين مكتب محاماة أجنبي. وكل هذه السنوات ظلت القضية تراوح مكانها إلى أن أصدرت المحكمة الدولية عام 2017 قرارا يدين الجانب التونسي وهي ستحدد لاحقا التعويضات التي ستدفها للجهة المتضررة.
ه.غ.
شارك رأيك