لاحظ غالبية التونسيين الناشطين على موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك تكاثر الصفحات الفايسبوكية المموّلة هذه الأيام ومحتواها الأساسي هو مهاجمة و تشويه مختلف المترشحين للإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والمحددة ليوم الأحد 15 سبتمبر 2019 بشتى الطرق حتى الدنيئة منها.
بقلم فيروز الشاذلي
من بين هذه الصفحات المموّلة : يحب يولي رئيس – كواليس انتخابات 2019 – المؤامرة من أجل الجمهورية – 24/24 – حملة شعبية – تونس حرة – معا ضد الفساد، وتشترك هذه الصفحات في صفة الإنتشار السريع على كافة مستخدمي الفايسبوك في تونس بحكم خاصية التمويل المالي التي تجعلها تصل إلى كل تونسي يتصفّح موقع فايسبوك وقد وصل تعدادها إلى أكثر من عشرين صفحة فايسبوكية مما يثير التساؤلات حول الجهات المموّلة وهدفها من شيطنة الساحة السياسية وإفقاد ثقة المواطن في المترشحين واللجوء حتى إلى هتك أعراض المتنافسين، مما يجعل لزاما التنبّه إلى خطورة الظاهرة سواءا كانت بتمويل داخلي في إطار معركة إنتخابية محلية أو تمويل أجنبي يراد منه إفساد التوجه الديمقراطي الذي يعيشه المجتمع التونسي.
الذباب الإلكتروني في الموعد
الذباب الإلكتروني ميدانه الأساسي في تونس موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك باعتباره الموقع الأهم الذي يضم الغالبية العظمى من التونسيين الناشطين على الشبكة العنكبوتية، حيث أعد كل حزب من الأحزاب الرئيسية جنوده الإفتراضيين لهذا الوقت المناسب من خلال إنشاء حسابات شخصية لمنتمين للحزب نفسه وحسابات أخرى وهمية إضافة لصفحات جماعية لتمثل جيش دعائي إفتراضي للحزب وتروج لمرشحها للإنتخابات الرئاسية بطريقة توحي أنها دعاية شعبية تلقائية من قبل عامة الشعب بينما هي مجرد عمليات تضخيم لتداول فايسبوكي لهذه التدوينات المؤيدة تقوم بها حسابات تابعة للحملة الدعائية للحزب.
لذلك يجب عدم الإستغراب من الحجم الكبير لعدد منتسبي بعض الصفحات الحزبية على موقع فايسبوك أو كمية التداول المبالغ فيها للتدوينات الدعائية لحزب معين لأن هناك ذباب إلكتروني داعم يقوم بدور الماكينة الدوّارة لإعادة نشر هذه التدوينات الدعائية، وهي تهدف بشكل أساسي إلى توجيه الرأي العام التونسي للإنتخابات القادمة، خاصة أن الوجهة الرئيسية للمنتخبين لم تتحدد بعد، وهو ما يثبت أن الإستراتيجية الدعائية على موقع فايسبوك ستكون لها أهمية كبرى إن لم نقل المحدّد الأول للنجاح في الإنتخابات القادمة.
إشهار سياسي مموّل
الأغلبية الساحقة من المترشحين الرئيسيين لديهم صفحات فايسبوكية مموّلة أو ما يعبر عنه بالصفحات (pages sponsorisées) حيث تمثل هذه الصفحات طريقة ناجعة للوصول بسرعة كبيرة إلى كافة مستخدمي الفايسبوك على التراب التونسي، حيث تبرز هذه الصفحة في الجدار الفايسبوكي لكل مستخدم وبطريقة منتظمة، وبذلك يكون المرشح قد قام بعملية إشهار سياسي واسعة، و أي خطاب أو تدوينة يتم تنزيلها من خلال هذا الحساب المموّل يكون لها تأثير هائل و انعكاس فوري على حظوظه في الإنتخابات.
من أهم هذه الصفحات التي كان لها تأثير واسع هي الصفحة الموالية لترشح وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي و التي كان بداية نشاطها مفاجأة بإعتبار المشرفين على هذه الصفحة الممولة بدأوا العمل بها حتى قبل قرار المعني بالأمر الترشح للرئاسيات (وهي تساؤلات لا من إجابة لها إلى حد الآن)، فكانت الصفحة تعمل بداية على سبيل المناشدة لشخصه للترشح، وبعدها أصبحت المنصة الرئيسية للدعاية للزبيدي، وهو ما يؤكد أن عملية المناشدة هي في حد ذاتها مخطط لها سلفا ضمن برنامح مسبّق.
بقية المنافسين الرئيسيين لم يكونوا بعيدين عن هذه الإستراتيجية الدعائية فكل واحد تسلح بهذا السلاح الإشهاري المموّل على الفايسبوك كرئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد ورئيس الحكومة السابق مهدي جمعة ونبيل القروي والقائمة تطول.
المهم في كل هذا أن يكون لك من التمويل الكافي لهذه الصفحات الإشهارية بالرغم أن هذا الأمر مناف للفصل 57 من القانون الإنتخابي التونسي بإعتباره يمنع الإشهار السياسي خلال الفترة الإنتخابية الرئاسية أو البرلمانية مهما كانت الوسيلة، وهو ما دفع الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات إلى التوجه نحو إرسال إشعارات للمترشحين للإنتخابات الرئاسية ويمتلكون صفحات مموّلة تدخل في إطار التمويل الأجنبي الذي يمنعه القانون الإنتخابي، وفي نفس الإطار أكدت الهيئة أنها لن تتسامح في تجاوز سقف الحملة الإنتخابية من خلال هذه العمليات للإشهار السياسي المموّل.
حرب طاحنة بين المقربين قبل الخصوم
عادة تكون حروب الذباب الإلكتروني بين الخصوم المتنافرين في السياسة وتشتد قبل كل موعد إنتخابي لكن المفارقة هذه المرة في الإنتخابات التونسية أنها حامية الوطيس أكثر بين الأحزاب التي تنتمي لنفس العائلة السياسية حيث اعتمدت هذه الحروب الإلكترونية على الحط من قيمة المنافس وبث الشائعات وحتى الدخول في أمور تهم الحياة الشخصية للمترشحين. ولعل أهم مثال ما يدور حاليا من حرب إلكترونية بين الموالين لكل من المترشحين للرئاسيات عبد الكريم الزبيدي ومهدي جمعة، فبالرغم من انتماء المترشحين إلى نفس العائلة والتوجه السياسي الوسطي الحداثي لكن حرب ضروس تدور بين الحملتين ميدانها مواقع التواصل الإجتماعي، حيث بدأت مجموعات موالية لمهدي جمعة بانتقاد قلّة الخبرة السياسية لوزير الدفاع المستقيل ووصفه بالتكنوقراط وبأن ترشحه سيكون حجر عثرة لصعود مرشح من العائلة الديمقراطية الوسطية نحو الدور الثاني، وبلغت ضروة هذا الهجوم بتعمّد حسابات تابعة لحملة مهدي جمعة وحزبه البديل التونسي إعادة نشر تدوينة وسام السعيدي على نطاق واسع وقد لاقت رواجا كبيرا ومن خلالها يشير صاحبها إلى انسحاب الزبيدي لفائدة مهدي جمعة، لكن هذه الحملة لماكينة المهدي جمعة سرعان ما جاءها الرد من قبل حملة الزبيدي التي اعتبر أنصارها أنها معلومات مغلوطة هدفها الأساسي هو إرباك ترشح وزير الدفاع وأن هذه المسألة غير مطروحة بالمرّة.
وفي هذا الإطار عديد الصفحات الصفحات الفايسبوكية الموالية للزبيدي شنت هجوما معاكسا على مهدي جمعة معتبرة أن الزبيدي هو الأوفر حظا للمرور للدور الثاني متداولين خبر حصوله على أكثر من 350 ألف تزكية من عامة الناس وذلك للتأكيد على الشعبية الكبرى التي يحظى بها بين الناخبين، وقام هؤلاء بتعداد خصاله السياسيّة مثل الخبرة نتيجة شغله لمسؤوليات عدّة في صلب الدولة ونجاحه في أدائها وعدم إنتمائه إلى لوبي إيديولوجي ومالي.
هذه الحرب الثنائية إشتدّت كذلك بعد تصريحات الزبيدي حول فرضية منع مداولات مجلس النواب حماية لشرعية الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي حيث حاولت كل من الحملة المؤيدة لمهدي جمعة وكذلك يوسف الشاهد استغلال هذا التصريح لضرب شعبية الزبيدي من خلال وصفه بالإنقلابي غير المؤتمن على الدولة.
هذه الحروب من نفس العائلات السياسية نجدها موجودة كذلك وبنسق متصاعد بين أنصار والصفحات الإلكترونية التابعة لما تبقى من نداء تونس والصفحات التابعة لحملة نبيل القروي من جهة ومن جهة أخرى حسابات وصفحات محسوبة على حملة يوسف الشاهد وقد إشتدّت الحرب الإفتراضية بين الجانبين خاصة بعد توقيف نبيل القروي، حيث شنّت الصفحات الإلكترونية المؤيدة لهذا الأخير وكذلك التابعة لنداء تونس حربا إفتراضية على يوسف الشاهد معتبرة إياه دكتاتورا جديدا أسوء من بن علي، وتروّج على أن الشاهد هو من تدخّل لإيقاف نبيل القروي.
هذه الحملة قابلتها موجات مضادة من صفحات فايسبوكية تتبع حملة الشاهد تروّج لأخذ العدالة لمجراها في قضية التهرب الضريبي وغسيل الأموال المورّط فيها نبيل القروي وأن مكانه الطبيعي هو السجن وليس المراهنة على الرئاسة وأن القضاء مستقل كامل الإستقلالية في عهد حكومة الشاهد.
الذباب الإلكتروني للنهضة و النوم في العسل
يعرف الجميع أن حزب حركة النهضة من الأحزاب الكبيرة التي تمتلك جيشا افتراضيا لا يستهان به يكون أداة دعاية على مواقع التواصل الإجتماعي لأجندة الحزب والتعريف ببرامجها السياسية وكذلك لخوض الحروب ضد منافسيها الذين يشنون حملات ضد الحركة ومواقفها.
هذا الجيش الإفتراضي رغم حضوره بقوة في الإستحقاقات الوطنية السابقة كالإنتخابات وفترات التوتّر والإنقسام السياسي إلا أن هذه المرة نجد دوره غير مفعّل والإكتفاء بالدعاية لمرشح النهضة للرئاسيات عبد الفتاح مورو.
هذا الأمر طبيعي بإعتبار الحرب الضروس التي تدور بين الأحزاب الأخرى أغنته عن الدخول في أي مواجهة مع الخصوم السياسيين بل بالعكس جعلت حركة النهضة في أريحيّة تامة مادامت ليست محطّ الأنظار ومادام بقيّة المترشحين يضعفون بعضهم البعض بهذه الحروب الإفتراضية، لذلك يكتفي أنصار النهضة والمشرفين على الصفحات و الحسابات الفايسبوكية التابعة لها بالنوم في العسل تاركين الخصوم في حربهم، وكما قالت إحدى الصفحات التابعة للحركة “لا ترد فأس على هراوة”.
الحل ممكن
التأثير على الإنتخابات عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي ليست خاصية تونسية صرفة بل شهدت عديد البلدان الديمقراطية خاصة الغربية منها هذه المشاكل والتي تكون نتائجها سلبية جدا على المسار الديمقراطي، ولكن الإشكال في التصدي لهذه الظاهرة هو تقني بالأساس لهذا ضرورة عمل الهيئات المختصة في تونس كالهيئة العليا للإتصال السمعي البصري والوكالة التونسية للأنترنات على إيجاد صيغة عمل مشتركة مع ممثلي شركة فايسبوك بشمال إفريقيا على غرار عديد البلدان للتصدّي لهذه الظاهرة ، خاصة أن ممثلي هذه الشركة أبدوا سابقا إستعدادهم للتعاون التقني الوثيق بخصوص هذه التجاوزات غير القانونية.
لهذا يبدو أن تأثيرات هذه الصفحات الفايسبوكية خاصة المشبوهة منها سوف تكون سلبية على العملية الإنتخابية وعلى أقل تقدير إفقاد الناخبين ثقتهم في العملية الإنتخابية مما سيقلّص بصفة كبيرة في نسبة الإقبال.
شارك رأيك