المناظرات التلفزية التي جرت على مدار ثلاثة أيام بين المترشحين للانتخابات الرئاسية ورغم وجود بعض الملاحظات عليها، فهي قطعا من المناظرات التلفزية النادرة التي تجري في العالم العربي، وهي تؤكد أننا في الطريق الصحيح رغم كل عراقيل التحوّل الديمقراطي التي تشهدها بلادنا وهو ما يشير إلى أن تونس ماضية نحو إنتخاب رئيسها بشكل ديمقراطي وتوطيد تجربتها الناشئة.
بقلم فيروز الشاذلي
تجربة المناظرات التلفزية لاقت صدى دوليا كبيرا فقد تم نقلها مباشرة في عديد القنوات الإخبارية الأجنبية كما تم تغطيتها تقريبا في جل الفقرات الإخبارية للقنوات العربية حيث تم استحسان هذه الطريقة و الحرفية في إدارة النقل التلفزي وقد كان هذا التفاعل الإيجابي موجودا حتى من قبل قنوات تلفزية تابعة لدول عربية تحكمها أنظمة لديها تحفّظات على التجربة الديمقراطية بتونس.
على المستوى العالمي فكان الإنطباع في نفس المستوى من الإيجابية خاصة من خلال تخصيص “الغارديان” البريطانية مقال صحفي حول هذه المناظرات التلفزية وما تمثله من توطيد لسلوكيات ديمقراطية تفتقدها المنطقة بكلها، في نفس الإطار كان تقرير مركز “كارينغي” الذي يعنى بالأزمات لافتا من حيث تأكيده على نجاح التجربة الديمقراطية التونسية في التقدم بالرغم من الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية الخانقة.
إنحصار الأصوات نحو عدد من المترشحين
أهمية التناظر بين المترشحين تكمن بالدرجة الأولى في توضيح الصورة أمام الناخب من خلال وضع المترشحين أمام أسئلة متقاربة تكون كفيلة بتقييم تجاوبهم ومدى إلمامهم بالخطوط العريضة الدنيا المطلوب الإلمام بها في منصب حسّاس كمنصب رئيس الجمهورية.
هذا التناظر أدى إلى المرور للسرعة القصوى في السباق الرئاسي حيث لا نستطيع الحديث عن نفس المشهد الانتخابي للرئاسيات قبل وبعد المناظرات التلفزية فنحن بصدد تشكل مشهد إنتخابي جديد للرئاسيات على ضوء أداء كل مترشح وبصفة عامة تبين مبدئيا وجود كوكبة من المترشحين كانوا قادرين على إثبات حد أدنى من الجدية تجاه الأسئلة الموجهة مما أعطى لمحة للناخبين عن تحضير مسبق من قبل هؤلاء المترشحين لهذا الموعد وهو ما كان حليا من خلال تقيدهم بالأسئلة ووضوح الإجابة وربما يرجع هذا بالأساس لوجود مستشارين محنكين داخل حملة المترشح وكذلك تمرّس البعض في ممارسة الحكم واطلاعه على دواليب الدولة مما جعلهم يحافظون على نفس حظوظهم في الترشح قبل المناظرة وبعدها إن لم نقل أنهم تقدموا خطوة إضافية وعلى سبيل الذكر لا الحصر نجد (حسب ترتيب المترشحين في المناظرة) كل من محمد المنصف المرزوقي، محمد عبو، عبدالفتاح مورو، مهدي حمعة، محسن مرزوق، إلياس الفخفاخ، سعيد العايدي و يوسف الشاهد.
أخطاء التواصل و الإقناع سمة البعض
عديد المترشحين لم يكونوا عموما مستعدين بالقدر الكافي لهذه المناظرة على عديد المستويات خاصة على صعيد الطرح العام لخطابهم من حيث إرتكاب أخطاء كارثية تؤكد عدم إطلاعهم على تقنيات التواصل والإقناع مما أعطى إنطباعا لدى المتلقي بعدم الجدية وعدم الوعي بأهمية المكان والزمان وعدم وجود رؤية عميقة ودقيقة وتصور و برنامج واضحين على قاعدة مشاريع وإجراءات.
في هذا الصدد نجد كل من المترشحين سلمى اللومي، عبدالكريم الزبيدي، الهاشمي الحامدي وناجي جلول. هؤلاء المترشحين لم تكن عملية المناظرة بالنسبة لهم مرحلة موفقة ولم تساعدهم في تجاوز سقف الطموحات قبل المناظرة التلفزية بل كرّست محدوديتهم في تطوير تقنيات خطابهم وتواصلهم مع الناخبين.
مرشحون للمشاركة فقط
على مدار ثلاثة أيام بدا واضحا وجود مرشحين للمشاركة فقط، هدفهم الأساسي هو القيام بحملة علاقات عامة خاصة من قبل بعض المرشحين المغمورين حيث تعتبر هذه المناسبة أنجع طريقة ووسيلة للظهور الإعلامي والإستفادة من هذا الحدث إتصاليا وسياسيا لكسب الشهرة محليا وحتى دوليا وتكون بالنسبة لهم المشاركة في الإنتخابات إضافة على صعيد السيرة الذاتية الشخصية عسى تساعدهم مستقبلا.
هذا التوجه كان واضحا من عدم إعطاء أهمية كبرى للأسئلة المطروحة في المناظرة بل المهم هو التركيز على الظهور الشخصي في حد ذاته كما أن نفس هذه الشخصيات المترشحة لا تباشر حملات دعائية ميدانية بل إكتفت ببعض الدعاية عن طريق الفايسبوك و بعض الزيارات النادرة، حيث نجد على رأس هذه المجموعة كل من المترشح حاتم بولبيار، محمد الصغير النوري وعمر منصور.
مرشحون يبغون خرق الماكينات الإنتخابية
المناظرات التلفزية مثلت لبعض المترشحين فرصة لإبراز الذات وما يكتسبوه من مهارات تمكنهم من تبوأ منصب هام كمنصب رئيس الجمهورية ولكن يعوزهم في ذلك فقدان حزام حزبي وسياسي قوي، فالماكينة الانتخابية يبقى دورها أساسي في نجاح أي مترشح ولكن بعض المترشحين بالرغم من ذلك إستطاعوا خلق قاعدة شعبية محترمة حولهم وهنا الحديث خاصة حول المترشحين الصافي سعيد، لطفي المرايحي وقيس سعيّد.
هؤلاء المترشحين مثلوا ظواهر سياسية في المجتمع التونسي وكل واحد منهم يدافع على مبادئ يرى أنها الأصلح للمجتمع وعندهم الكثير من الأتباع لكن الصفة التي تعطي محدودية لتحركاتهم هي صفة النخبوية وعدم التماس المباشر مع أعماق المجتمع التونسي فهم ظواهر فايسبوكية أكثر منها إلتحاما مع الجماهير فرغم أن الكثير من التونسيين من رواد هذا الموقع للتواصل الإجتماعي إلا أن الكثير منهم كذلك في تونس الأعماق لا يقتنعون بالمترشح إلا بالتواصل المباشر كما عملت حملة نبيل القروي على ذلك.
الشخصية المترشحة أهم من البرنامج
بإعتبار أن الدستور كان واضحا في تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية وبصفة غير مباشرة محدّدا لخصائص الرئيس المطلوب فأهم ثلاثة مجالات حددها الدستور تحيلك مباشرة إلى الصفات المطلوبة، من هذه الصفات يستطيع أن يمثل وحدة التونسيين و لا يكون عامل إنقسام، إضافة إلى خبرته في مجال السياسية الخارجية لأنها أهم ملف تحت إشرافه خاصة مع وجود ملفات حارقة في الإقليم القريب من تونس كالحرب الأهلية بليبيا وعدم وضوح الإنتقال السياسي بالشقيقة الغربية الجزائر وأخيرا التعامل مع ملف الدفاع والقدرة على التعامل مع ما من شأنه تهديد الأمن القومي للبلاد التونسية خاصة الخطر الإرهابي.
لهذا أي حملة إنتخابية مهما كان صداها لن تكون مقنعة للناخب التونسي ومرجّحة في الفوز بالانتخابات الرئاسية بل المحدّد هو ملائمة الشخصية المترشحة لهذا المنصب مع الصفات المطلوبة للقيام على أحسن وجه بالصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية لذلك ستكون الصفات الشخصية للمترشحين هي المقياس الحقيقي في الإختيار وليس البرامج التي يسعى المترشحون للرئاسية لتسويقها .
شارك رأيك