الطيف الديمقراطي التقدمي خسر الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها التي نظمت أمس الأحد 15 سبتمبر 2019 لفائدة ممثلي لوبيات الفساد أو الشعبوية أوالاسلام السياسي وذلك بسبب التشتت وتضخم الأنا لدى الجميع بدون استثناء. والان يتحتم علينا تضميد الجراح بسرعة و مواصلة المسيرة من أجل مناعة تونس وضمان مكاسبها الحضارية.
بقلم حبيب القزدغلي
بعد الإعلان عما اصطلح بتسميته “نتائج الخروج من مكاتب الاقتراع” من طرف مؤسسات سبر الاراء والتي أفرزت مرور رموز الشعبوية ومعاداة المنظومة القائمة الى الدور الثاني ومع القبول بتلك النتائج بما تعنيه من اتجاهات أساسية للتصويت في انتظار الإعلان عن النتائج الأولية التي ستتولى الهيئة المستقلة للانتخابات التصريح بها ورغم هول ما وقع – والذي لا بد من تحليله لاحقا بهدوء بعيدا عن ضغط الأحداث – فإنه لا يمكن لعاقل الإدعاء بان ما حدث لم يكن في الحسبان. مساريون … لتصحيح المسار هي مجموعة سياسية رفضت الانصياع منذ أكثر من سنة لهرولة البعض من اطارات ومناضلي حزب المسار إلى القفز من السفينة المهددة بالغرق معلنين انضمامهم لمعسكر الاحتجاج والرفض للمنظومة القائمة وكأن الحل المثالي للظهور والتموقع يكمن في الإرتماء في بحر المزايدة ونقد الحكومة وكأنها المسؤولة لوحدها عما كان يجري.
ان الحل لضمان نتائج أفضل في الانتخابات لتحقيق مزيد من النجاحات الاقتصادية و المكاسب الاجتماعية وترسيخ المنوال المجتمعي التونسي ليس في السعي المحموم للتمايز الشكلي والانضمام لمعسكر الاحتجاج اللفظي والمزايدة بل أن الحل الأفضل – في ظروف الانتقال الديمقراطي وعدم استقرار الأوضاع – يكمن في مواصلة المساهمة النقدية في اطار المجهود الذي يتم في اطار الحكومة – على علاته ونواقصة وأخطائه العديدة – وفي الاستعداد لكل َمن المحطتين التشريعية والرئاسية وعبر الدعوة إلى رص صفوف الطيف الديمقراطي والتقدمي الواسع – أين كان موقعه – والحرص على تقدمه الى الانتخابات موحد الصفوف على اساس الأدنى.
علينا ان نفهم ونعي جميعا مدلولات الرسالة التي وجهها الشعب التونسي إلى الطبقة السياسية
خلافا لكل ذلك فان الاستعداد لكل َمن المحطتين التشريعية والرئاسية غلب عليه مزيد التشتت وتضخم الأنا لدى الجميع بدون استثناء.
واليوم وبعد الإعلان غير الرسمي لنتائج الانتخابات الرئاسية والذي من المنتظر ان يتم تأكيدها خلال هذا اليوم فإننا نذكر اننا نبهنا وحذرنا بقوة وقمنا بمبادرات عملية للفت الإنتباه من مغبة السير في طريق السيناريو الكارثي والأكثر احتمالا للوقوع وهو عدم مرور أيا كان من أبناء العائلة الديمقراطية والتقدمية إلى الدور الثاني.
ومع القبول بالهزيمة واحترام تصويت الناخبين علينا ان نفهم ونعي جميعا مدلولات الرسالة التي وجهها الشعب التونسي إلى الطبقة السياسية وبالخصوص الي الطيف الديمقراطي ونشير في هذا المجال الى الطابع غير المدروس العواقب وقلة النضج السياسي الذي لمن لهثوا وضغطوا وحرصوا على اقناع السيد عبدالكريم الزببدي بتقديم ترشحه وكأنه المنقذ من الضلال ودفعه الى المشاركة الفعلية في القصف الجماعي على حكومة كان عضوا فيها وعلى منظومة كان من رموزها فمثل إحدى مظاهر الهروب إلى الأمام والإمعان وفي فصر النظر السياسي وفي تقسيم العائلة الواحدة عوض البحث الجدي عن توحيدها.
حظوظ الطيف الديمقراطي في النجاح كانت قائمة لو تم التفاهم والاتفاق على مرشح واحد
ان مجرد تجميع الأصوات الحاصلة للسيدان يوسف الشاهد والسيد عبد الكريم الزبيدي العضوين في نفس الحكومة والمنتميان لنفس العائلة يبين بما لا يدعو للشك ان حظوظ الطيف الديمقراطي في النجاح كانت قائمة لو تم التفاهم والاتفاق على مرشح واحد ضمن مشروع سياسي مشترك وجامع.
واليوم وقد توضح بما لا يدعو للشك خطأ من اعتقد – من بين أبناء العائلة الحداثية والتقدمية – ان “الحل السحري” يكمن في إزاحة احد المتسابقين الحداثيين من السباق (السيد يوسف الشاهد) اذ تبين ان من فعل ذلك أو جيش له لم يخدم مرشحه المفضل والمنقذ (السيد عبد الكريم الزبيدي ) وإنما قدم خدمة لمرشح اخر من خارج الفضاء الحداثي والتقدمي اي لمترشح معبر عن فضاء الفساد أو التهريب أو الشعبوية أو الاسلام السياسي.
مهما يكن من أمر ورغم قوة الزلزال الحاصل لا بد من الاعتراف اننا خسرنا معركة في طريق لا تزال طويلة ويتحتم علينا تضميد الجراح بسرعة و مواصلة المسيرة من أجل مناعة تونس وضمان مكاسبها الحضارية.
ان المهم اليوم طي الصفحة ولو مؤقتا والتوقف عن تبادل التعهم و الدخول السريع في مشاورات بين مكونات العائلة الديمقراطية والتقدمية وان يتم وبسرعة استخلاص الدروس والنظر فيما يمكن فعله بصفة مشتركة لتفادي تكرر الكارثة في الانتخابات التشريعية المقررة ليوم 6 أكتوبر القادم.
إن حب تونس والوفاء لها يحتمان على الجميع تنسيب الخلافات بين أفراد نفس العائلة مهما اختلفت التقييمات والعمل للإبقاء على أوفر الحظوظ لتواجد قوي ومؤثر للعائلة الوسطية التقدمية والحداثية داخل أسوار البرلمان وفي المجتمع ليمكن لها عبر ذلك مواصلة المساهمة الفاعلة في الدفاع على الدولة التونسية الحديثة وليدة الاستقلال من الانهيار والمحافظة على المشروع الوطني التونسي من أخطار الردة والتقهقر. فهل من سميع ؟ أملنا أن تشهد الأيام القليلة القادمة بداية التجسيد الفعلي لهذه الرغبة حتى يبقى الأمل في الإصلاح قائما.
* أستاذ جامعي وناشط سياسي.
شارك رأيك