تباينت أراء الشارع التونسي حول وفاة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، فالبعض لم تنسه هذه الوفاة ما ارتكبه من أخطاء والبعض الآخر يعتبر أنه برغم تجاوزاته فقد قدم الكثير للبلاد عجز عنها السياسيون بعد الثورة ولكن في الحصيلة يبحث التونسيون عن تحسين وضعهم الاقتصادي والاجتماعي بعد إستردادهم لحقوقهم وحرياتهم السياسية.
بقلم فيروز الشاذلي
توفي الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي في جدة عن عمر ناهز 83 عاما، وهو الذي حكم تونس على مدى 23 عاما، فأسقطته الثورة التونسية سنة 2011 ليغادر على إثرها لاجئا إلى السعودية و يلتزم الصمت الذي خرقته في بعض الأحيان أخبار مسربة من المقربين أو عن طريق محاميه لكن يبدو أن هذا الصمت سوف يكون أبديا بعد مفارقته للحياة على إثر صراعه مع المرض.
عدم وجود إهتمام كبير
أبرز سمة رافقت موت بن علي هي عدم وجود التفاعل الكبير المنتظر من عموم الشعب التونسي وهنا لا نقصد من كانوا يتزلفون للنظام السابق للبحث عن مكاسب شخصية أو مراكز مرموقة وينافقونه من خلال التمجيد المطلق لشخص بن علي لغاية لقائه للإنضمام للجوقة المحيطة به ثم إنقلبوا عليه وبعد 2011 لعبوا دور الثورجيين، بل المقصود هو الفئات العادية من الشعب التونسي التي أصبحت تعيش في نمط حياتي و يومي متسارع بالأحداث و المشاكل حتى أن موت الرئيس الأسبق وما كان يرمز إليه أصبح خبرا عاديا كبقية الأخبار تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التونسية تقريبا يوم الوفاة ويوم الدفن وبخلاف ذلك مر الحدث بصفة عادية.
مرور وفاة بن علي بهذه الطريقة من عدم الإهتمام الكبير يرجع أساسا إلى أن غالبية التونسيين يعتبرون بن علي قد توفى سياسيا سنة 2011 قبل أن يتوفى بيولوجيا، حتى عند الحديث عن فترة حكمه فهم ينشدون بعض الإنجازات الاقتصادية و الاجتماعية التي لا يمكن إنكارها ومستوى أمني جيد مع تحكم نسبي في مستوى الجريمة.
بعض المتخوفين من التناول السياسي لحقبة بن علي و المقربين من دوائر السلطة تفاجأوا بردة الفعل هذه خاصة عدم التعلّق بشخص بن علي حيث كانوا يبررون بأن استحضار شخص بن علي والتناول السياسي لفترة حكمه يقسّم التونسيين ويدخل الإرباك على الساحة السياسية الوطنية لكن تبين أن الشعب دائما واعي ومنسجم مع ذاته أكثر من نخبه السياسية التي تخاف على مصالحها أكثر من الشعب.
نهاية عقلية التجمع
تباينت أراء الشارع التونسي حول وفاة الرئيس التونسي الأسبق، فالبعض لم تنسه وفاته ما إرتكبه من أخطاء والبعض الآخر يعتبر أنه برغم تجاوزاته فقد قدم الكثير للبلاد عجز عنها السياسيون بعد الثورة ولكن في الحصيلة يبحث التونسيون عن تحسين وضعهم الاقتصادي والاجتماعي بعد إستردادهم لحقوقهم وحرياتهم السياسية فالحقوق لا يمكن أن تخضع للمقايضة بين الحرية و الوضع الاقتصادي بل الديمقراطية يجب أن تكون السبيل نحو بناء مستقبل أفضل للمجتمع التونسي على جميع المستويات، وفي الحقيقة هذا ما يخيف النخبة السياسية الحالية فكلما طالب الشعب بتحسين أوضاعه المنهارة لتصل على الأقل إلى ماكانت عليه قبل الثورة فتنهال عليه عبارات الشتم ونعته بالتجمعي و الحنين لبن علي وتذكيره بممارسات الدكتاتورية للنظام السابق .
مطالبة أغلبية الشعب التونسي بتحسين ظروفه التي تدهورت بعد الثورة حيث وجد نفسه وحيدا يتحمل أخطاء السياسيين و إصلاحات ليس لها آخر، فهمها البعض على أنها حنين لمنظومة التجمع فراح البعض يعيد التنظير لهذه المفاهيم خاصة حزب عبير موسي ولكن الشعب أثبت بما لا يدع للشك أن هذه المنظومة وتوابعها قد إنتهت فقد شاهدنا جميعا كيف تم إسقاط الأحزاب المحسوبة على فكر التجمع سنة 2014 وكذلك في الانتخابات الرئاسية سنة 2019.
إنجازات اقتصادية و اجتماعية إنهارت بفعل غياب الانفتاح السياسي
لا يمكن أن ننكر الكم الهائل من الانجازات الاقتصادية و الاجتماعية التي حصلت في عهد النظام السابق خاصة في الفترة الأولى قبل أن تسيطر أفراد محسوبين على عائلتي الرئيس وزوجته على عدة قطاعات حساسة و انتشار الفساد خاصة بعد سنة 2000، فبعد أن كانت تونس على أبواب الإفلاس سنة 1987 تم النهوض باقتصادها وتم تطوير تركيبة النسيج الصناعي التونسي خاصة الصناعات التحويلية والميكانيكية المعدة للتصدير بينما السياحة شهدت تطورا غير مسبوق وأصبحت المصدر الأول للعملة الصعبة وهذا كله بفضل الانفتاح على الاقتصاد العالمي، فانعكس هذا التحسن الاقتصادي على المعطى الاجتماعي فارتفع الدخل الفردي للمواطن عدة مرات وتحسنت القدرة الشرائية للمواطن.
هذه الانجازات لم تدم كثيرا فـــــــــ23 سنة تعتبر مدة قصيرة جدا في تاريخ الشعوب خاصة كالشعب التونسي الذي يمتد تاريخه إلى أكثر من 3000 سنة فغياب الإنفتاح السياسي والتشدد في ممارسة مظاهر الدكتاتورية السياسية جعلت النظام يعيش حالة من الإنغلاق على ذاته مما سهّل عملية تغلغل الفساد وحكم العائلات المافيوزية التي مازلنا نعاني منها إلى الآن حتى بعد رحيل بن علي وعائلة الطرابلسية، مما جعل أغلبية المؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية تتهاوى بداية من سنة 2007 بسبب تراكم الأخطاء وغياب الانفتاح السياسي خاصة مع تطلع الشعب التونسي إلى تطوير الحياة السياسية و مطالبته بالإنتقال إلى مرحلة الديمقراطية.
استخلاص العبر
”أنا فهمتكم“ هي العبارة الشهيرة التي ختم بها الرئيس السابق زين العابدين بن علي مسيرة 23 سنة من الحكم في آخر إطلالة على عموم الشعب التونسي وهي ذات معنى و أبعاد فريدة تحيلنا إلى متطلعات الشعب فمهما إشتدّ الحاكم بنرجسيته ومحاولة فرض نمط سياسي معين أو التساهل مع أقطاب الفساد فستكون نهايته محتومة، في نظامنا الديمقراطي الآن مازال من سياسيينا لم يفهم ماذا يريد الشعب من النخبة السياسية بل بالعكس بعض السياسيين يريدون فرض أجندتهم السياسية وتوجهاتهم الإيديولوجية على المجتمع التونسي بينما جاءت واضحة إرادة الناخب التونسي في آخر إنتخابات من الدور الأول للرئاسيات بإسقاطه جميع رموز فشل المنظومة السابقة الحاكمة بعد سنة 2011 ومحاسبتها على الفشل الاقتصادي الذريع ومطالبتها بالإقتداء بالأداء الاقتصادي وبالنتائج المتحصل عليها قبل الثورة بدل تركيزهم على المحاصصة الحزبية والذود عن مصالحهم الحزبية الضيقة لكن الشعب كان واضحا فمن لا يفهم أولوياته وتطلعاته سيتم إزاحته عن طريق صندوق الاقتراع كما أزاح بن علي عن طريق ثورة 2011.
زمن الدكتاتورية ولى
إستخلاص العبر على خلفية وفاة الرئيس الأسبق لم تكن لغاية استحضار الدكتاتورية أو تبييض النظام السابق ولكن الهدف من ذلك هو تعديل رؤيتنا و استشرافنا للمستقبل فمن لم يفهم الماضي و أخطاءه وكذلك إستوعب إيجابياته لا يستطيع التقدم بخطى ثابتة نحو المستقبل بتخطيط سليم، أما بالنسبة للدكتاتورية فزمنها ولى فالعولمة السياسية والرقمية التي يعيشها العالم لم تترك مجالا واسعا لتجذّر الأنظمة الدكتاتورية وهذا ما تبينه عديد الأحداث التي وقعت مؤخرا في عديد البلدان العربية فبالرغم من آلاف المليارات التي صرفت على أنظمة دكتاتورية إلا أن هذه الأنظمة تترنّح على ضوء تغريدة تويتر أو مقطع فيديو على الفايسبوك. في المقابل لا يمكن لأي كان أن يمسح فترة من تاريخ تونس إمتدت على حوالي 23 سنة بحلوها ومرها.
شارك رأيك