الأزمة المتعددة الجوانب التي نعيشها بمناسبة الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لا توحي إلا بكونها مفتعلة لغايات من التأثير عليها لنتائج معينة أو استغلالها لتمديد مدة الرئاسية الوقتية، لتصبح بالفعل رئاسة بحكم الأمر الواقع الى حين انتهاء الأزمة التي أوجبتها الى وقت لاحق قد لا يكون له أوان إلا بعد سقوط رؤوسها.
بقلم الدكتور المنجي الكعبي *
الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، هذه التي نعيش أيامها الأخيرة، وهي الأولى من نوعها في تونس، والتي لم يَعرض لها القانون الانتخابي بوجه يمنع من كل التباسات حول آجالها وصبغة حملاتها وتزامنها مع انتخابات تشريعية أو سبقها لها بوقت ضيق، وحدودها بانتهاء مدة التسعين يوماً الدستورية لإجرائها، هذه الانتخابات تمر بأزمة قد لا تخرج منها تونس معافاة إذا قرر القضاء يوم الإثنين القادم 30 سبتمبر 2019 قبول الطلب المقدم من بين الطعون التي نظرت هيئاتها فيها بإلغاء نتيجة الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها.
مستجدات وقرائن
فكل القرائن التي تحوم حول هذا الاحتمال البعيد لا محالة، نظراً لخطورته على المسار الانتخابي ككل وعلى الديمقراطية في بلادنا كطريق لفض النزعات على الحكم وإقرار التداول السلمي على السلطة، تؤكده و لا تنفيه.
فعدول السيد عبد الكريم الزبيدي المرشح الأبرز من بين المرشحين الطاعنين الستة في نتائج الدورة الأولى عن التقدم بطعنه لمحكمة الاستئناف بعد أن صرح مدير حملته قبل يوم من فتح آجال الطعن بقراره الاستئناف باعتبار الطعن في المطلب رفض ابتدائياً شكلاً لا أصلاً، هذا العدول له ما وراءه، إذا وضعنا في الاعتبار تحميله رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد التي هو عضو فيها مسؤولية الفشل في هذه الانتخابات التي نافسه فيها تنافساً غير سليم الى حد مطالبته بالاستقالة من رئاسة الحكومة، ورد هذا الأخير عليه رداً أقل ما يقال فيه أنه غير مسؤول. وهو ما ترتب عنه تغيبه عن مجلس الوزراء برئاسته ثلاث مرات في المدة الأخيرة.
فهل يكون هذا المرشح، والذي هو في الوقت استأنف عمله على رأس وزارة الدفاع بعد إجازة الحملة الانتخابية، سيجد نفسه من جديد يبرر لتصرفه بتوجيه دبابتين الى باب مجلس نواب الشعب لمنع انقلابهم على الشرعية لدى سماعهم بالحالة الحرجة المعلنة عن صحة رئيس الجمهورية، فيرده الى تعبير بلاغي لا أكثر ولا أقل، ويتصرف مثله إزاء أية سلطة أخرى، تنفيذية أو قضائية أو هيئة انتخابات دستورية، معاكسة لتصوراته.
ومن القرائن الأخرى التي تلوح ملامحها حول هذه الانتخابات وتوحي باحتمالات الالتفاف عليها لغير صالح المترشحين الأثنين الباقيين في سباق هذه الرئاسية السابقة لأوانها، ملازمة الإعلام الرسمي وصف الرئيس المؤقت للجمهورية السيد محمد الناصر بغير الوصف المقرر له دستورياً، كالقائم بمهام رئيس الجمهورية أو اختصاراً رئيس الجمهورية. علماً وأن تعبير القائم بمهام جاء مرادفاً للرئيس السابق تقييده بالمؤقت، وإسقاط المؤقت عنه يطابقه بالرئيس العادي لأن صفة المؤقت من ناحية أخرى تمنعه من حل البرلمان وأمور أخرى مقرره في الدستور من صلاحيات الرئيس الشرعي انتخاباً.
هل سيقع التمديد لرئيس الجمهورية المِؤقت ؟
وقد تؤجل كل قرارات هامة قد تتخذ في هذه المدة المؤقتة والقصيرة عادة، كالتسميات في بعض الخطط الحساسة في الدولة الى الرئيس القادم وإسناد النياشين الى كبار المسؤولين عسكريين ومدنيين، وغير ذلك مما يوحي بأدنى تحرج من استقبالات واتصالات وخطب توحي بأننا في وضع أبعد ما نكون فيه نتابع نشاطاً لرئيس الدولة وكأنه رئيس جمهورية كامل المواصفات وليس رئيس جمهورية مؤقت.
فالأزمة المتعددة الجوانب التي نعيشها بمناسبة هذه الانتخابات السابقة لأوانها لا توحي إلا بكونها مفتعلة لغايات من التأثير عليها لنتائج معينة أو استغلالها لتمديد مدة الرئاسية الوقتية، لتصبح بالفعل رئاسة بحكم الأمر الواقع الى حين انتهاء الأزمة التي أوجبتها الى وقت لاحق قد لا يكون له أوان إلا بعد سقوط رؤوسها.
وقد عبرنا على هذا التخوف لمعرفتنا بإخلاف المواعيد الدستورية في كثير من المناسبات السابقة والتماس الأعذار المبررة له، ونخشى أن يصبح ذلك لنا عادة. فتسوء أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية أكثر فأكثر نتيجة لهذه الاخلالات بالديمقراطية كلما تعين الالتزام بنظامها في دولتنا لتأكيد سيادتنا واستقلالنا.
* باحث جامعي و برلماني سابق.
شارك رأيك