ما كان للهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن تقبل بترشّح شخص في السجن، خاصة وأن إعلان قبولها لترشحه جاء بعد إيداعه السجن لا قبل، باعتبار السجن ( وإن كان لشأن آخر غير انتخابي) هو في ذاته عقوبة قاضية بشطبه قانوناً من سجل الانتخاب وفقده أهلية الانتخاب والترشح.
بقلم الدكتور منجي الكعبي *
فهل تكون المصلحة، بعد أن لم يطعن القضاء في الترشح وفي نتائج الدور الأول، أن يُحفظ للمتصدر بفارق كبير لنتائج هذا الدور حقه في الفوز في الدور الثاني إذا منحه الصندوق أغلبية الأصوات، وتطوى صفحة هذه الانتخابات الرئاسية دون مساس بجوهر النتائج؟
سجين بتُهم فساد يهنيه رئيس الجمهورية بفوزه في الدور الأول ويتمنى الفوز له في الثاني
ومن الغريب، إن لم يكن من علامات الساعة لهذه الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، أن يهني رئيس الدولة في كلمته الأخيرة السيد نبيل القروي الذي أصبح يسميه هذه المرة، يهنيه هو وزميله السيد قيس سعيد ويتمنى لهما الفوز في الدور الثاني!! ويدعو بكل حرارة الناخبين للإقبال على صناديق الاقتراع بأكثر من نسبة 45 في المائة المسجلة في الدور السابق، والاختيار بين المترشحين لطمأنة الخارج والاستثمار على مسار تونس.
فأي سجين في العالم بتُهم فساد مفضوح يترشح لرئاسة الجمهورية ويهنيه رئيس الجمهورية المؤقت بفوزه في الدور الأول ويتمنى الفوز له في الدور الثاني، ولا يحسب ذلك له تدخلاً في مسار العدالة وتدخلاً في مسار الانتخابات، المطالب هو نفسه بعدم الترشح لها وإن لم يمنع عنه القانون الانتخاب فيها وربما بالتحفظ اللازم، وضمان إجرائها فقط في المدة الدستورية، التسعين يوماً بعد وفاة رئيس الجمهورية السابق، ليتخلى بعدها عن مهمته الوقتية ويترك كرسي الرئاسة للرئيس المنتخب انتخاباً عاماً شرعياً ديمقراطياً.
من يسعى لدفع الرئيس إلى التدخل في العملية الانتخابية ؟
وليس من دوره الحديث عن انشغال الخارج بانتخاباتنا بالشكل الذي يقدمه به، ولا باهتمام الاستثمار الأجنبي بها بالشكل الذي الذي يقدمه به كذلك.
وما من حاجة لظهوره في كل مرة للتأكيد بأن القضاء مستقل ولا رجعة فيه، وكذلك هيئة الانتخابات مستقلة ولا رجعة فيه، أو أن لها الولاية الكاملة على الانتخابات، لأنه رب حديث من مسؤول في مقامه يبعث على الارتياب في صدقه لعديد القرائن والتداعيات. وإذا ما كانت تصريحاته تناقض ما هو مخفيه من محاولات لأطراف حوله تسعى لحمله على التدخل أخيراً لإفساد هذه الانتخابات لصالحها، مطيحة بالديمقراطية التي لا تلبي لأرباب المال والأعمال رغائبهم في الاستفراد بالسلطة دون غيرهم من أصحاب القيم والاعتبارات المعنوية. فالشعب لا غالب على إرادته، إذا استشعر أدنى نية لهم في ذلك.
ورب دول لا تقبل ما هو أدنى من الحديث عن انشغال الخارج بانتخاباتها فضلاً عن الترحيب بالملاحظين الأجانب في حرَم مكاتب اقتراعها ومقرات هيئاتها، دون تتشدد بحقهم تشدد دول مع أئمة مساجدها في الخوض بالمسائل الانتخابية في جُمَعياتهم.
* باحث جامعي و نائب سابق في البرلمان.
شارك رأيك