الإفراج أمس مساءا، الأربعاء 9 أكتةبر 2019، عن نبيل القروي المرشح للدورة الثانية للانتخابات الرئاسية في تونس في هذا الوقت يكتنفه كثير من الغموض، ويبدو أن أمر الإفراج كان سياسيا بامتياز.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
فالواضح أن القضاء أفرج مؤقتا عن المرشح المثير للجدل والموقوف منذ 23 أوت على ذمة القضاء في قضايا فساد مالي وتبييض للأموال بعد رفض الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تأجيل الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية بناء على التماس قدمته حملة نبيل القروي وبعد ممارسة ضغوط داخلية وخارجية وخوفا من الجدال السياسي الذي كاد أن يبلغ أشده فيما لو ترك في السجن، وحفاظا على السّلم الأهلي في تونس، ولأن مناصري الرجل هددوا غير مرة بإفشال الانتقال الديمقراطي في البلاد إذا لم يحظ صاحب قناة نسمة بالحرية الكاملة للقيام بحملته الانتخابية وحتى يحظى بما يحظى به منافسه السيد قيس سعيّد من إمكانية التعريف ببرنامجه السياسي.
انقسام شديد في البرلمان وتشتيت واضح للأصوات
والملاحظ في هذا الخصوص أن قيس سعيد رجل المبادىء أوقف حملته الانتخابية تضامنا مع منافسه إلا أن هذا الأخير يبدو غير مكترث بما فعله منافسه شريف وغير مهتم بالمواقف النبيلة التي صدرت عنه.
لكن الأمر اليوم يبدو في غاية الحساسية، إذ تسبب تورط القروي في شُبهات جرائم وجنح مالية في انقسام واضح في الشعب التونسي بين مؤيد متعصب لقيس سعيّد وآخر متعصب لنبيل القروي، وقد تشتد المنافسة بينهما إلى حدّ التشنج وقد يصل إلى حدّ الاصطدام بين الطرفين.
وقد تحدث المراقبون عن تعسر ولادة الحكومة إذا فاز قيس سعيّد، وأقول حتى لو فاز أيضا نبيل القروي فإن الحكومة القادمة أيضا متعسرة في ظل انقسام شديد في البرلمان وتشتيت واضح للأصوات، وتبقى الإشكالية القانونية واضحة وقائمة حتى بعد انتهاء الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، الأحد المقبل 13 أكتوبر، إذ كيف يكون رئيس الدولة قائما على رأس عمله وهو المتّهم بتبييض أموال ومشْتبهٌ به في خرق الدستور التونسي، وهل يسمح القضاء التونسي بتولي القروي رئاسة الجمهورية بهذه الصفة، وإن وجد له مخرجا فكيف يرضى الشعب التونسي بمثل هذا الخيار؟ وكيف سيسكت المثقفون والمتعلمون والسياسيون والمحامون والقضاة بهذه المهزلة التاريخية التي لم تحدث في تاريخ تونس؟ وهل هذه هي الديمقراطية التي نتمناها لتونس أم أن بلادنا تبقى دائما نشازا؟
وتعزّز الإفراج عن نبيل القروي، بعد أن تأكدت الأطراف في الداخل والخارج من فوز حركة النهضة بأغلبية المقاعد في البرلمان ولها الحقّ في تشكيل الحكومة القادمة، هذا التوجس من الإسلاميين هو الذي دفع الأطراف الأخرى إلى الاستنجاد بالخارج لممارسة الضغوط على القضاء للإفراج عن نبيل القروي لعله يحظى بشعبية كبيرة ويفوز بمقعد الرئاسة، وحتى يبعد شبح الإسلاميين من البرلمان حين يتكتل مع الأحزاب الأخرى غير النهضة وهو السيناريو الذي تعمل عليه أطراف كبرى في تونس وتسعى لفرض أجنداتها بكل قوة، وهو أكثر ما يخيف في العملية السياسية التي يبدو ظاهرا أنها تسير وفق ديمقراطية ونزاهة وتكافؤ فرص وغيرها من الكلمات الرنانة التي تشحن النفوس وتخدرها، لكن ما خفي كان أعظم وما يجري في الدهاليز لا يعلمه إلا الله، ويبقى الذي يمكن أن نقوله هو ما كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، ويبقى صندوق الاقتراع هو الفيصل، وتبقى الكلمة الأخيرة للشعب التونسي، وهو الذي يتحمل مسؤولية اختياره، إذا رضخ للضغوط مهما كانت ولم يعتبر مصلحة الوطن.
لا شيء مؤكد ولا شيء مستحيل وكل شيء ممكن
ولا شك أن السباق للرئاسة سيكون محموما هذه المرة خلافا للدورة الأولى، وربما نشهد مفاجآت، وقد ينتفض الشباب في وجه القروي، ليقول له لا للذين تحوم حولهم الشبهات ولا للذين يستغلون المحتاجين والضعفاء، وقد يقول نعم لقيس سعيّد، نعم للثورة على السائد، ونعم للتغيير والإصلاح والتجديد، نعم للوظائف، نعم للكرامة والمجد، وقد يحسب أنصار القروي أنهم مطمئنون أن الشباب لا ينتخب وأن نسبة كبيرة منهم غير مهتمة، وأن الكفة قد تميل إلى القروي، بممارسة بعض الضغوط على الناخبين المترددين، لكن لا شيء مؤكد ولا شيء مستحيل وكل شيء ممكن، وقد نرى العجائب في تونس هذه الأيام، بعد أن رأينا العجب العجاب في انتخابات البرلمان، وبعد أن ازدادت الأمور أكثر اضطرابا وغموضا بقرار الإفراج عن نبيل القروي.
* صحفي ومحلل سياسي.
مقال لنفس الكاتب بأنباء تونس :
شارك رأيك