من المعلوم أن أغلب الشباب اليوم في تونس تستهويهم شخصية السيد قيس سعيّد لما يملكه من قدرات ثقافية عالية وأخلاق رفيعة ونظافة يد، وانتظام في الحياة وحسم وحزم قد تجعل منه الشخصية المفضّلة على منافسه نبيل القروي الذي تحوم حوله شبهات وصدرت في حقّه عقوبات وربما اتهامات قد تصل إلى السجن لسنوات.
بقلم فوزي بن يونس بن حديد *
بدأت الدورة الرئاسية الثانية لانتخابات الرئاسة في الجمهورية التونسية في جوّ مشحون وتنافس محموم، وبدا الأمر لو أنه نزالٌ بين فريقين أو فوجين، قسمٌ يقوده الأكاديمي والأستاذ في القانون قيس سعيّد، وآخر يقوده رجل الأعمال نبيل القروي، وكل منهما عينُه على قصر قرطاج لخمس سنوات مقبلة، ورغم ما شابه الحملات الانتخابية من استفزازات لهذا الطرف أو ذاك، إلا أن تونس تشهد اليوم عرسا ديمقراطيا لا نظير له في الدول العربية، وقد أصبحت نموذجا حيّا ورائعا لترسيخ مفاهيم الديمقراطية بمعناها الدراماتيكي، بل وقدمت للعالم أجمع دليلا واضحا أن الديمقراطية ممكنة وأن الشعب المثقف الواعي بمراحلها وأساساتها ينجح في تجاوز كل الصعوبات والضغوطات والعراقيل والمفاجآت، وفي النهاية سيكون لدينا رئيس للجمهورية جاء بصناديق الاقتراع، ولا أحد فرضه علينا على الأقل ظاهرا رغم ما يشوب العملية الانتخابية من تجاوزات قد ترقى إلى أن تكون مخلّة بالمرحلة الديمقراطية التي تشهدها تونس.
تبقى المسؤولية العظمى على الناخب ليختار رجلا للمرحلة المقبلة
بدأ التصويت في الخارج، اليوم الجمعة 11 أكتوبر وسيبدأ التصويت بعد غد الأحد 13 أكتوبر في الداخل، وقلوب التونسيين تتوجه إلى الله أن تتم العملية دون مصادمات ولا تشنّجات، بل في إطار من الأخوّة والوطنيّة والروح الرياضيّة، ولا خيار لهم إلا واحد من اثنين، إما قيس سعيّد أو نبيل القروي، وكل منهما قدّم ما لديه رغم التفاوت والفروقات في القُدرات، ورغم التحالفات والتشجيعات إلا أن الكلمة الأخيرة تبقى للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فهي التي ستعلن من سيسكن قرطاج طيلة خمس سنوات، وعلى التونسيين جميعا أن يقبلوا أو يتقبلوا القرار النهائي، مهما كانت نتيجته، ولكن تبقى المسؤولية العظمى على الناخب اليوم من يختار للمرحلة المقبلة، من سينتخب؟ بعيدا عن العواطف والتشنجات والاستفزازات، يختار بكل هدوء من يمثله في قصر قرطاج، ومن يرى فيه أنه القادر والأكفأ ليخدم البلاد ويمثله في الخارج، ويحسن العلاقات مع جميع الدول التي كانت تونس تربطها معها علاقات، فالنهج التونسي متسامح مع جميع البلدان، لكنه لا يسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية التونسية، وهذا هو التوازن في العلاقات الدولية.
لكن المؤشرات التي تجعلنا ربما نقتنع بميل كفّة على كفّة أخرى، رصيد كل منهما العلمي والثقافي والوطني، وهل تحوم حوله شبهات أو فساد أيا كان، أو كان نظيف اليد وليست له علاقات أخلاقية أو مالية خارج الإطار، وكلها شروط يحب التونسي توفّرها في رئيس الجمهورية، لأنه رمز البلاد ورأسها، ووجهها ووجهتها لذلك يحرص الشعب التونسي أن يقدّم في تجربته الديمقراطية أفضل ما عنده من كفاءات وقدرات وكاريزما تجعله يفاخر بتجربته الديمقراطية الناشئة، وتجعله يقدّم نموذجا رائعا يقتدى به ويحتذى.
أغلب الشباب اليوم في تونس تستهويهم شخصية السيد قيس سعيّد
وفي رأيي فإن الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية أفرزت نتائج مهمّة جدا لا بد من أخذها في الاعتبار وهي عزوف الشباب عن عملية الانتخاب ومهما كانت الأسباب إلا أنها تظل العُقدة التي يمكن أن نفكّ بها سحر حصول القروي على نسبة مهمّة في الدور الأول، وربما لن يحصل على جزء منها في الدور الثاني.
ومن المعلوم أن أغلب الشباب اليوم في تونس تستهويهم شخصية السيد قيس سعيّد لما يملكه من قدرات ثقافية عالية وأخلاق رفيعة ونظافة يد، وانتظام في الحياة وحسم وحزم قد تجعل منه الشخصية المفضّلة على من تحوم حوله شبهات وصدرت في حقّه عقوبات وربما اتهامات قد تصل إلى السجن لسنوات، إضافة إلى ضحالة مستواه العلمي، وعدم قدرته على المخاطبة والمحادثة أمام وسائل الإعلام، وأمام الشعب، ولو أقبل الشباب العازف عن الانتخابات في الدور الأول على الانتخاب في الدور الثاني سنرى الفرق واضحا جدّا بين الاثنين وسيحصل القروي على نسبة ضئيلة لا تكاد تذكر من جملة من انتخب وهذا المأمول الذي نرتجيه يوم الأحد الثالث عشر من أكتوبر بإذن الله، فهل سيفوز سعيّد بمنصب الرئاسة وبفارق كبير؟ وهل سيصنع الشباب المفاجأة الكبرى في هذه الانتخابات؟
* كاتب صحفي و محلل سياسي.
شارك رأيك